إشكالية المواطنة في خضمّ المخاطر والاعتداءات الإسرائيلية على لبنان
سلمان أحمد بركات*
منذ عملية طوفان الأقصى وقبلها بعقود، يتعرّض لبنان لاعتداءات «إسرائيلية» عديدة ومتكررة. وبسبب عجز الدولة عن القيام بمهمة الدفاع عن الأرض والحدود والإنسان، تشكلت المقاومة منذ بدء الاعتداءات لتمارس حق الدفاع المشروع عن الوطن.
يتعرّض لبنان بعد عملية طوفان الأقصى لاعتداءات «إسرائيلية» يومية متكررة على القرى المحاذية لحدود فلسطين المحتلة، وغيرها من المناطق. ويرتقي يومياً شهداء بذلوا دماءهم للدفاع عن الوطن وترابه، وإسناداً لأبطال غزة، على طريق القدس. ونزح جراء الاعتداءات المذكورة الكثير من أهالي القرى الحدودية، تزامناً مع ذلك نسمع أصوات بعض المواطنين اللبنانيين، وبعض القوى السياسية التي تعارض فعل الدفاع المشروع والمقدس، يدعو بعضها إلى عدم استقبال النازحين، أو تعمل على استغلال أوضاعهم والاستثمار فيها. فهل يشكل ذلك فعل مواطنة؟
المواطنة وفق تعريفها هي علاقة الفرد بالوطن الذي ينتمي إليه، وهي تفرض حقوقاً وواجبات، تكرّسها الدساتير والقوانين والأنظمة، بهدف تحقيق غايات ومقاصد مشتركة ومتبادلة. والمفهوم الإيجابي للمواطنة لا يقتصر على معرفة المواطن حقوقه وواجباته فقط، إنما يترجم ذلك من خلال حرصه على ممارستها.
للمواطنة أبعاد سياسية، وثقافية، واقتصادية، واجتماعية. والبعد الاجتماعي للمواطنة يرتبط بالسلوك بين الأفراد في المجتمع، ويتطلب قدراً من الولاء والتضامن. وأبعاد المواطنة وأهدافها تتحقق من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية والتربوية، في المدارس والأسر، والمنظمات المدنية والسياسية.
ومن المعلوم أنّ من أهمّ واجبات المواطن نحو وطنه الحفاظ على أمنه وكفّ الأذى عن المواطنين وأعراضهم وأموالهم، والتضحية بالأموال والأرواح في سبيل الدفاع عنه.
والانتماء إلى الوطن من أهمّ صفات المواطن الصالح، حيث تبذل الشعوب والأمم جهودها وتسخر طاقاتها وإمكاناتها لإعداده. لأنّ هذه القيمة السامية (الانتماء الوطني) هي ضرورة وجود الأوطان ومنعتها. وهذه تتجلى في الأوقات الصعبة، وأيام الشدة، عندما تحيط الأخطار بالأوطان والشعوب، سواء كانت أخطار خارجية أو داخلية. والأخطار الداخلية أشدّ ضرراً وتدميراً وفتكاً بالأوطان والأمم. وإذا تحوّل الانتماء الوطني إلى فعل انغلاق على الذات، واستعداء الشريك في الوطن، يصبح عنصرية مذمومة مقيتة وهدامة.
لا بدّ من التذكير أنّ فعل الدفاع عن الأوطان حاجة إنسانية، وشعور وطني قبل كلّ شيء. وقد كرّسته الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وكفله القانون الدولي الإنساني. ومن يناقض هذا الحق أو يخالفه، فهو يخالف كلّ هذه المنظومة التشريعية اللصيقة بالإنسان.
أخيراً نشير إلى أنه في خضمّ المخاطر والاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة على وطننا لبنان، يجب أن ترتفع بعض المأثورات بحب الوطن عن مجرد أنها انفعالات عاطفية إنسانية أو مفاهيم نظرية، إلى درجة ومستوى الفعل الإيماني الحقيقي بالانتماء إلى الوطن، والذوْد عن ترابه و أهله، والتضامن معهم.
لقد تعلّمنا في مدارس الآباء والأجداد، وفي مجمل موروثنا الثقافي البعد الحقيقي للمواطنة، بأن نعيش في الوطن ونخدمه، أو نموت ونستشهد لأجله.
*محام