نواعير حماة إرث تاريخي وسياحي شاهد على حضارة عريقة
تعد نواعير حماة واحدة من أبرز المعالم الأثرية والسياحية في سورية، حيث تتمايل على ضفاف نهر العاصي بحركة مستمرة لتضفي سحراً خاصاً على المكان مشكّلة تحفة هندسية ولوحة فنية طبيعية خلابة تعكس جمالاً قل نظيره ونافذة على حضارة ضاربة في عمق التاريخ.
وأوضحت المهندسة راما تركاوي مديرة المدينة القديمة في مجلس مدينة حماة حول تاريخ نواعير حماة، أن بعض الفرضيات تعيدها إلى العصر الآرامي أي قبل 7000 عام قبل الميلاد، وبعضها للعصر الروماني، مؤكدة أن أقدم صورة للناعورة موجودة في لوحة من الفسيفساء يعود تاريخها للقرن الرابع قبل الميلاد عثر عليها في مدينة أفاميا الأثرية وهي موجودة اليوم في حديقة المتحف الوطني في دمشق.
وقالت تركاوي إن الناعورة تتكون من عجلة خشبية كبيرة تدور بفعل تيار النهر تُثبّت على هذه العجلة صناديق خشبية تسمّى «الدلاء» أو «الغرف» وعندما تدور العجلة، تملأ هذه الدلاء بالماء من النهر، ثم تُفرغ حمولتها في قناة علوية تسمّى «الساقية» ومن هذه الساقية يجري الماء عبر قنوات وأقنية متفرعة ليروي المدينة وأراضيها الزراعية.
وحول وظيفة الناعورة أشارت تركاوي الى أنها تحمل الماء إلى مستوى أعلى من مستوى النهر لتيسير الاستفادة منه نظراً لانخفاض مجرى نهر العاصي في أراضي حماة عن مستوى الحوض الذي ينساب فيه انخفاضاً كبيراً، مؤكدة أن الناعورة كانت خير وسيلة توصل إليها الإنسان في سورية منذ أكثر من ألفي عام، وتدور دورة كاملة كل عشرين ثانية تعطي خلالها 2400 ليتر من الماء.
واستعرضت تركاوي مكوّنات الناعورة وتشمل القلب والأعتاب والأذرع الثانوية والرئيسية والدائرة الثانوية والرئيسية ثم الإطار، وهو عبارة عن صناديق لحمل المياه ويتكون من عدة أقسام منها الطبق والقبون.
وحول الأخشاب المستخدمة في صناعة الناعورة أوضحت تركاوي أن كل قسم منها استخدم في بنائه نوع خاص من الخشب، فالقلب من خشب الجوز والأقسام الثانية استخدمت فيها أخشاب المشمش والصنوبر، وجميعها أخشاب مرنة لتحافظ الناعورة على مرونتها، أما الأذرع والوشاحات فهي من خشب الحور الطويل.
وفي ما يتصل بأهمية النواعير اقتصادياً وسياحياً وتراثياً أكدت تركاوي أنها لعبت دوراً أساسياً في الاقتصاد الزراعي قديماً لأنها كانت من وسائل ري الأراضي كما كانت مصدراً للطاقة لتشغيل المطاحن والمعاصر، ما أسهم في تنشيط الحركة التجارية والصناعية، مبينة أنه مع مرور الزمن تناقص دورها كوسيلة للري، باستثناء 3 نواعير ما زالت تسقي بساتين مدينة حماة وتعمل على طاقة المياه دون كهرباء أو وقود وناعورتي «الدهشة والقاق» اللتين ترويان البساتين حالياً، موضحة أن النواعير تشكل وجهة سياحية مميّزة تجذب الزوار والسياح من جميع أنحاء العالم.
ووعددت تركاوي أبرز نواعير مدينة حماة التي تشمل القاق والدوالك والخضورة والدهشة والجعبرية والكيلانية والمأمورية والجسرية والبشريات والمحمدية، وهي من أكبر النواعير وأضخمها إذ يبلغ قطرها 21 متراً وسبعين سنتيمتراً وعدد صناديقها 120 صندوقاً ووزنها نحو 500 كغ وتدور دورة كاملة كل عشرين ثانية.
ولفتت إلى أن النواعير التي ما زالت قائمة حتى الآن في المدينة تشمل 24 ناعورة 19 منها ما زالت تعمل، أما خارج المدينة فهناك 111 ناعورة حجرية دون دولاب خشبي تبدأ من الرستن حتى دخول نهر العاصي إلى سهل الغاب في قرية العشارنة، مؤكدة بذل الكثير من الجهود للحفاظ على نواعير حماة وصيانتها وترميمها باستمرار.
بدورها ذكرت يارا شرتوح مديرة سياحة حماة أن النواعير تشكل رمزاً لحضارة عريقة تتفرّد بها مدينة حماة ما جعلها معلماً سياحياً مميزاً خاصة لكونها موجودة على ضفاف نهر العاصي وحولها مساحات خضراء خلابة، إضافة لصوت عنينها المميز ما يدفع السياح والزوار لزيارتها والتقاط صورة تذكارية بجانبها.
وبيّنت أن النواعير ليست مجرد آلات مائيّة، إنما رمز ثقافي وتاريخي مهم يجسد إبداع الإنسان وتفاعله مع الطبيعة، كما أنها تعتبر واحدة من أهم المعالم السياحية في مدينة حماة خصوصاً وسورية بشكل عام، وتشهد باستمرار زيارة الأفواج السياحية والطالبية لرؤية عظمة هذا الصرح، كما أنها تمتاز بأهمية تاريخية حيث تجرى عليها العديد من الأبحاث التاريخية المتعلقة بالآثار وتعتبر كذلك متحفاً مفتوحاً في الهواء الطلق يغري الزوار بمتعة تسلق أدراجها الحجرية، والقفز من فوقها للغوص بالنهر.
العامل في صيانة نواعير حماة وصناعة النواعير المخصصة لتزيين الحدائق والمنشآت السياحية يحيى ظاظا قال: «أعمل في هذه المهنة منذ أكثر من 40 عاماً كما أني موظف في مصلحة النواعير في حماه المسؤولة عن أعمال صيانتها حيث نعمل باستمرار على إعادة تأهيلها وإصلاح أعطالها لتقوم بدورها كما يجب».
وتابع: عملي يشمل تصنيع نواعير زينة للمزارع والمنشآت السياحية بقياسات تبدأ من 50 سم إلى 3 أمتار من عدة أخشاب وأقوم حالياً بتعليم أبنائي هذه المهنة للحفاظ عليها من الاندثار.