المقاومة في مواجهة الضغوط العربية والتصعيد الدولي
وفاء بهاني
منذ ما بعد عملية السابع من أكتوبر يحاول العدو تحقيق تقدّم على الجبهة الديبلوماسية بعد عجزه عن تحقيق أهداف حربه العدوانية على غزة. وفي هذا المجال سخّر العدو كلّ إمكاناته وعلاقاته الديبلوماسية الإقليمية والدولية في محاولة للضغط على المقاومة في غزة وعلى جبهات الإسناد متبعاً سياسة العصا والجزرة في محاولة لتدجين المقاومة والتخفيف من حدة عملياتها وفصل الجبهات عن إسناد غزة علّه يضعف جبهة غزة وينفرد بمواجهة فصائل المقاومة فيها دون استنزافه على أيّ جبهة أخرى وخاصة على الجبهة الشمالية.
محاولات كثيرة باءت بالفشل سخرت لها دول وأساطيل وجيوش وأمم وقرارات دولية دون ان تحقق أمنيات الإرهابي بنيامين نتنياهو.
رغم التصعيد المتزايد في الضغوط الموجهة ضدّ المقاومة الفلسطينية، إذ يتمّ تهديدها بشكل متواصل ودفعها للقبول بالصفقة المطروحة بشروط رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، يتمّ تصوير المقاومة الفلسطينية على أنها العقبة الرئيسية أمام إتمام الصفقة، في الوقت الذي تُبنى فيه هذه الضغوط على مطالب وشروط نتنياهو، وهو ما يعكس استغلالاً سياسياً للوضع الراهن.
وفي سياق متصل، يشير قادة «إسرائيل» مثل غالانت وغانتس ولابيد إلى أنّ المقاومة هي من تعرقل إتمام الصفقة وتدعو إلى وقف الحرب على قطاع غزة، تتخذ الضغوط شكلاً أكثر حدّة، حيث طلب نتنياهو تعهداً مكتوباً من الإدارة الأميركية يسمح له بمواصلة حربه على غزة حتى بعد استعادة جزء كبير من الأسرى خلال فترة الهدنة التي تبلغ 42 يوماً.
الإدارة الأميركية تبنّت مبادرة جديدة، أطلقها الرئيس الأميركي جو بايدن في أيار/ مايو 2024، وصادق عليها مجلس الأمن الدولي في 2 تموز/ يوليو 2024، والتي وافقت عليها حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية. ومع ذلك، استمرّ نتنياهو في المماطلة والتسويف، وجاء توقيت جولة المفاوضات الجديدة بعد تنفيذ «إسرائيل» عمليات اغتيال لقادة لبنانيين وفلسطينيين في بيروت وطهران، إضافة إلى قصف ميناء الحديدة في اليمن. هذه التحركات كانت تهدف إلى منع ردّ فعل عسكري من إيران ومحور المقاومة، بينما تستمرّ الضغوط على حماس والمقاومة للقبول بالشروط «الإسرائيلية».
وسط هذه الأجواء، لا يمتلك الوسطاء العرب الشجاعة للاعتراف بما يعلنه العديد من قادة «إسرائيل»، وهو أنّ نتنياهو يعطل صفقة تبادل الأسرى لأسباب تتعلق بمصالحه السياسية والشخصية، فهو يخشى سقوط حكومته بسبب الضغوط من أحزاب اليمين المتطرف مثل بن غفير وسموتريتش، بالإضافة إلى القضايا الجنائية الموجهة ضده مثل الرشوة وسوء الأمانة، والتي قد تؤدي إلى سجن مدى الحياة.
أميركا تبنّت مقاربة جديدة للمبادرة تتماشى مع شروط نتنياهو، مما عكسته ردود حماس التي انتقدت التعديلات على المبادرة الأصلية. التعديلات تضمّنت استثناء «إسرائيل» من الموافقة على إطلاق سراح 100 أسير فلسطيني، والضغط لإبعاد 200 آخرين إلى خارج مناطقهم الأصلية. هذا التعديل يجعل الصفقة أقلّ تماشياً مع شروط المقاومة الفلسطينية.
نتنياهو يضغط على الدول العربية لدفع حماس لقبول الشروط الأميركية و»الإسرائيلية»، مقدماً خيارين صعبين: قبول الشروط، مما يعني تحمّل المقاومة مسؤولية الثمن الباهظ للدمار، أو رفض الصفقة مما قد يؤدي إلى تصاعد الصراع الإقليمي وفتح المجال لنتنياهو لاستمرار حربه على غزة لتحقيق أهداف «إسرائيل الكبرى». هذه الأهداف تشمل تهجير سكان غزة والسيطرة على الغاز الفلسطيني، وهو ما يُعرف بـ»الهندسة الجغرافية والديمغرافية».
نتنياهو يُعرف بإعادة التفاوض على ما تمّ الاتفاق عليه بالفعل، مثلما فعل مع اتفاق الخليل بعد توليه الحكم عام 1996. حيث رفض تنفيذ اتفاق أوسلو ورفض الانسحاب من مدينة الخليل، مما أدّى إلى تقسيم المدينة إلى مناطق خاضعة للسيطرة الفلسطينية وأخرى تحت السيطرة الإسرائيلية. هذه التصرفات تُظهر كيف أنّ نتنياهو يعتقد أنّ الضغط العسكري والتهديد يمكن أن يجبر الفلسطينيين على تقديم تنازلات.
في الوقت الحالي، يواجه الاحتلال «الإسرائيلي» صعوبات ميدانية، حيث المقاومة مستمرة في التصدي وتفاوض بيد بينما تواصل المقاومة باليد الأخرى. الولايات المتحدة، كشريك للاحتلال، لن تتحمّل مسؤولية فشل المفاوضات بل تسعى لأن تكون التكاليف على حساب حماس والمقاومة.
إذا ما اندلعت الحرب الإقليمية، من المتوقع أن تنضمّ إيران إلى الصراع، بينما ستلعب بعض الدول العربية دوراً متبايناً بين المتواطئ والمساند. أميركا لا تريد أن تخرج «إسرائيل» مهزومة، حيث أن ذلك سيؤدي إلى خسارة مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، بما في ذلك وجودها وقواعدها العسكرية في العراق وسوريا.
المحور وقوى المقاومة التي تأخرت في ردّها على عمليات الاغتيال «الإسرائيلية» كانت تأمل في أن تؤدي جولة المفاوضات إلى وقف العدوان. لكن مع استمرار التعنّت «الإسرائيلي» والشراكة الأميركية في العدوان، تقترب احتمالات توسيع دائرة الصراع، مما قد يؤدي إلى تغييرات كبيرة في التوازنات الإقليمية والدولية. هذا الصراع قد يؤدي إلى خلق معادلات وتحالفات جديدة في المنطقة، مما يساهم في إعادة رسم خرائط الصراع في الشرق الأوسط.