مقالات وآراء

الحماية الاجتماعيّة في لبنان… خطوة أولى والمطلوب أكثر

هَدا عاصي*

قبلَ «الأزمة الكبرى» التي عصفَت بلبنان في عام 2019، ولا تزال قائمة، لم تكن الحكومات المتعاقبة تُعنى بالشأن الاجتماعيّ المتعدّد الأبعاد. وفرضَ هذا الواقع تهميش وزارة الشؤون الاجتماعيّة التي لم تكن موجودة أصلاً كوزارة مستقلّة بل ملحقة إمّا بوزارة الصحة أو بوزارة العمل. إلاّ أنّ التوازن السياسيّ في الحكومات منذ التسعينات فرضَ جعلها وزارةً مستقلّة قائمة بحالها وعلى رأسها وزيرٌ وجودُه سياسيّ في أغلب الأحيان.
إلاّ أنّ تداعيات أزمة العام 2019 التي طالت بالدرجة الأولى وبشكلٍ مُريع، الطبقةَ الوسطى وما دون، حتّمَ على الحكومة منح الحماية الاجتماعيّة الاهتمام النسبيّ بعدَ التدهور الاقتصاديّ وما تبعه من ظواهر خطيرة هدّدت البنيان الاجتماعيّ برمّته ومنها ارتفاع نسبة الفقر إلى 44 في المئة، وفقَ بعض الإحصائيّات، إضافةً إلى البطالة وتفشّي تعاطي المخدّرات والتسرّب المدرسيّ وغيرها الكثير من الآفات.
ولهذه الغاية، وضعت الحكومة استراتيجيّة وطنيّة للحماية الاجتماعيّة تستندُ على ركائز عدّة أبرزها: المساعدة الاجتماعيّة، الضمان الاجتماعيّ، الرعاية الاجتماعيّة، تأمين فرص العمل للأكثر ضعفاً وتأمين الدعم الماليّ للوصولِ إلى الخدمات التعليميّة والصحيّة. وأنيطَ بوزارة الشؤون الاجتماعية الدور الأبرز في تطبيق هذه الاستراتجيّة مع وزارات أخرى معنيّة في بعض المجالات.
ويؤكّد وزيرُ الشؤونِ الاجتماعيّة هكتور حجّار، أنَّ وزارته باشرت على الفور بتطبيق هذه الاستراتجيّة لكنّه يشير إلى ضرورة تأمين الموازنات اللازمة لذلك. إلاّ أنّه لاحقاً، اعتمدَت الحكومة على قروض البنك الدوليّ لتنفيذ استراتجيّتها وتابعت عبرَ وزارة الشؤون البرنامج الوطنيّ بموازنة قدرها 147 مليون دولار، لدعمِ الأُسَر الأكثر فقراً المنشأ عام 2011 والذي استفادَت منه 75 ألف عائلة لبنانيّة، لكن سرعان ما انخفضَ التمويل إلى 33.9 مليون دولار، ما اضطرَّ الوزارة إلى خفض المبلغ المقرّر لمساعدة كلّ عائلة.
وبموازاة ذلك، أنشأت الوزارة برنامج «شبكة الأمان الاجتماعيّ» وكلفته 246 مليون دولار ويهدفُ إلى تقديم تحويلات نقديّة وتوفير الخدمات الاجتماعيّة للبنانيين الفقراء والمهمَّشين الرازحين تحتَ ضغط الأزمة الاقتصاديّة وجائحة فيروس كورونا. ويرمي المشروع إلى إيقاف الزيادة في معدّلات الفقر المدقع، والحفاظ على رأس المال البشريّ للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و18 عاماً الملتحقين بالمدارس الحكوميّة.
ويستفيد من برنامج “أمان” 93500 عائلة. ويتقاضى المستفيدون من البرنامجين المبلغ نفسه، وهو 25 دولاراً للعائلة و20 دولاراً للفرد، لـ6 أفراد كحدٍّ أقصى. إلاّ أنّ هذا البرنامج تعثّرَ بعد توقّف التمويل الحكوميّ الذي يحتاجُ إلى مرسوم في مجلس الوزراء وهذا مرّده إلى المناكفات السياسيّة.
لكن بالرغمِ من أنَّ لبنان بدأ أولى خطواته لإنشاء نظام حماية اجتماعيّة شامل، إلاّ أنّه ما زال قاصراً عن الوصول إلى كلّ مَن يحتاجها، لذا يقتضي بحسبِ المعنيّين بهذا الشأن، توسيع نطاق تغطية المساعدات الاجتماعية إلى جميع الأُسر التي تعيشُ في فقر مدقع على الأقلّ، والتي يبلغ عددها حوالى 220 ألف أسرة. كما أنَّ المطلوب الاهتمام أكثر بذوي الإعاقة والعجزة والنساء العاطلات عن العمل، الذين لا يستطيعون تأمين مصادر عيشهم. وهذا يفترض التكامُلَ والتلازمَ في تطبيق استراتجيّة الحماية الاجتماعيّة بكلّ بنودها، بدلَ تجزئتها كما هو حاصل.

*رئيسة مركز هَدا عاصي للعلوم والتنمية الاجتماعية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى