ردّ المقاومة القوي والمدروس أعاد فرض قواعد الردع
حسن حردان
نجحت المقاومة في لبنان في تنفيذ هجوم قوي ومدروس في العمق الصهيوني رداً على العدوان على الضاحية الجنوبية من بيروت واغتيال القائد السيد فؤاد شكر وخرق العدو للخطوط الحمراء.. واستهدفت منشأة استراتيجية للاستخبارات العسكرية «أمان» وهي مركز سري حساس جداً، ومجرد ان يكون ضمن بنك أهداف المقاومة يعني أنها تملك معلومات استخبارية دقيقة عن جميع المواقع الإسرائيلية الحساسة في داخل الكيان، وهذا دليل على تطور قدرات المقاومة الأمنية والعسكرية في آن…
على أنّ ردّ المقاومة الذي نفذ، ونجاحها في الوصول إلى مراكز حساسة في تل أبيب وضربها، تمّ رغم الاستنفار الإسرائيلي والدعم الأميركي البريطاني، والغارات المكثفة التي شنّتها مائة طائرة حربية للعدو على الجنوب، في محاولة تنفيذ ما زعَمه جيش الاحتلال انه ضربة استباقية للحيلولة دون ردّ المقاومة، أو إضعاف أثر هذا الردّ وفعاليته.. الأمر الذي يشكل إنجازاً عسكرياً مهماً للمقاومة، حيث نجحت في تنفيذ هجوم مركب، لتحقيق هدفها بضرب هدف استراتيجي نوعي للعدو من خلال، بداية… إطلاق أكثر من ثلاثمائة صاروخ على مواقع الاحتلال في شمال فلسطين المحتلة تولّت أشغال جيش الاحتلال ومنظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية، مما أتاح المجال للمقاومة لإطلاق مُسيّراتها الانقضاضية من اتجاهات عديدة سلكت طريقها نحو ضرب الهدف الاستراتيجي التابع لجهاز «أمان».
لكن ماذا يعني أن تتمكّن المقاومة من تنفيذ قرارها بالردّ على العدوان على الضاحية الجنوبية، وتمكنها من إنجاز الهدف منه، ولماذا تأخر الردّ كلّ هذا الوقت وحصل في هذا التوقيت، وما هي النتائج الأولية التي حققها هذا الردّ؟
أولاً، إنّ المقاومة عندما تعِد تفي بوعدها، وهي لا تتردّد في ذلك، وأنها قادرة ان تصل إلى العمق الصهيوني في تل أبيب وتضرب بوساطة استخدام طائرات مُسيّرة، وإشغال القبة الحديدية وغيرها من منظومات الدفاع الجوي بمئات صواريخ الكاتيوشا، في حين لم تستخدم في قصف الهدف الاستراتيجي، صواريخها الدقيقة، وهي رسالة قوة موجهة للعدو الإسرائيلي عما ينتظره إذا ما ارتكب حماقة الذهاب إلى تصعيد كبير وصولاً إلى حرب واسعة.
ثانياً، انّ المقاومة دفّعت العدو ثمن عدوانه، وضربت في عمق الكيان، وانّ هدفها من ذلك تحقق هو إعادة فرض قواعد الاشتباك والردع عبر الردّ بالمثل على أيّ خرق «إسرائيلي» للخطوط الحمراء وقواعد الردع الني فرضتها المقاومة منذ انتصارها في حرب تموز عام 2006… وهذا الأمر أنجز ايضاً عندما ابتلع قادة العدو ردّ المقاومة بضرب أهم مراكزهم الأمنية الحساسة.. وادّعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انه أحبط خطط حزب الله لإطلاق ستة آلاف صاروخ، وانّ «إسرائيل» اكتفت بما جرى والأمر الأن يعود الى حزب الله… ومن ثم أعلن جيش الاحتلال انتهاء حالة الطوارئ والقيود المفروضة في اعقاب هجوم المقاومة.
ثالثاً، انّ ردّ المقاومة أكد انّ عمق كيان الاحتلال ليس محصّناً من ضربات المقاومة، وأنه لم يعد قادراً على توفير الأمن والاستقرار لمستوطنيه ومواقعه الحيوية في كلّ فلسطين المحتلة، ما يعني نجاح المقاومة في إحداث تحوّل استراتيجي في الصراع مع كيان العدو، لم يعد فيه جيش الاحتلال وحده يمتلك اليد الطولى في ضرب العمق اللبناني، وإنما أصبحت المقاومة تملك أيضاً اليد الطولى في الوصول إلى أيّ هدف تريد أن تهاجمه في عمق فلسطين المحتلة مهما كان محصّناً.
رابعاً، إنّ المقاومة نفذت هجومها الذي وعدت به في الردّ على العدوان على الضاحية الجنوبية، بعد أن أعطت الوقت الكافي للمفاوضات الجارية بشأن الاتفاق على تبادل الأسرى ووقف النار في غزة، وانكشف النفاق الأميركي بشأن ما أشاعته واشنطن عن أجواء إيجابية بهدف محاولة تمرير الشروط «الإسرائيلية»، وبالتالي جاء الردّ في هذا التوقيت كي لا يُقال انه تسبّب في التأثير سلباً على هذه الإيجابية المزعومة، وليعزز موقف المقاومة الفلسطينية في رفضها الخضوع للضغوط والإملاءات الأميركية «الإسرائيلية»، ولمساندة ومؤازرة ضربات المقاومة القوية لجيش الاحتلال في شمال ووسط وجنوب قطاع غزة، بما يحبط الأهداف الأميركية «الإسرائيلية» لفصل الجبهات والاستفراد بقطاع غزة ومقاومته.
خامساً، أظهر الردّ الارادة والشجاعة والجاهزية والقدرة التي تمتع بها المقاومة، وانّ قيادتها تملك استراتيجية متكاملة لإدارة الصراع، وهي لا تخاف ولا تهاب حشد حاملات الطائرات الأميركية والغواصات والمدمّرات، والمصحوبة بحملة من التهويل الأميركي «الإسرائيلي» بالردّ على اي ردّ للمقاومة، وخطر الانزلاق إلى الحرب الواسعة، وهي حملة ساهمت وشاركت فيها وفود غربية وأطراف لبنانية محلية معروفة بعدائها للمقاومة.. من المؤكد أنها أصيبت بالخيبة بعد ردّ المقاومة وابتلاع الإسرائيلي للردّ…
سادساً، أكدت المقاومة مجدّداً انّ هذا العدو «الإسرائيلي» لا يرتدع سوى بالقوة، وانّ تصميم المقاومة وردّها على العدوان وحده الذي يجعل العدو يعدّ للمليون قبل أن يفكر بتجاوز قواعد الاشتباك مرة ثانية، او شنّ الحرب الواسعة، لأنّ المقاومة تملك من القدرات، التي كشف فيديو «منشأة عماد 4» عن جزء منها، ما يمكنها من ترجمة ما تقوله عن انّ صواريخها ومُسيّراتها تستطيع أن تصل وتضرب ايّ هدف في كلّ فلسطين المحتلة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب مروراً بالوسط.. بما يجعل كيان الاحتلال لا يملك هامشاً كبيراً للمناورة، خصوصاً أنه ليس لديه عمق جغرافي كما لدى المقاومة في لبنان، فكيف سيكون حاله عندما تتحوّل ايّ حرب واسعة مع لبنان إلى حرب على عدة جبهات لمحور المقاومة، فيما العدو غارق في مستنقع من الاستنزاف في غزة أنهك جيشه.. لهذا يمكن تفسير أسباب الارتداع «الإسرائيلي» وعدم حماسة واشنطن للتورّط في حرب كهذه ستكون مكلفة لها ولكيانها المدلل الذي تحرص عليه..
سابعاً، إفشال أهداف العدو في محاولته الخروج من مأزق حرب الاستنزاف التي تشنّها المقاومة ضده في شمال فلسطين المحتلة، حيث تستمرّ حالة الاستنفار والطوارئ في المستوطنات الصهيونية ومعها واقع نزوح أكثر من مائة وعشرين مستوطن إلى الداخل، وبالتالي تؤكد المقاومة انّ جبهة الإسناد التي فتحتها من جنوب لبنان، دعماً لغزة ومقاومتها لن تتوقف، وهي منفصلة عن الردّ الذي تمّ على العدوان على الضاحية الجنوبية.. ولن تتوقف إلا عندما تتوقف حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة وتتحقق مطالب المقاومة الفلسطينية.
خلاصة القول إنّ ردّ المقاومة أعاد تظهير مأزق العدو وعدم قدرته على استعادة قوته الردعية، والعجز عن وقف حرب الاستنزاف التي يعاني منها في الشمال، والذي يفاقم من مأزق فشله المستمر في سعيه لتحقيق أهداف حربه الوحشية النازية في غزة، وبالتالي فشل نتنياهو في محاولته الخروج من مأزقه عبر عدوانه على ضاحية بيروت الجنوبية.