لبنان ينعى الحص وحدادٌ رسميّ 3 أيّام ومواقف أثنَت على قيَمه وحُسنِ إدارته الشأن العام
توفيَ أمس رئيس الحكومة الأسبق سليم الحص، أمس بعد انكفائه عن العمل السياسيّ سنواتٍ طويلة.
وكان الحص قدّ عُيّنَ رئيساً للوزراء مرّاتٍ عدّة، كما تولّى وزارات الصناعة والنفط، الاقتصاد والتجارة، التربية، العمل والخارجية وكان نائباً عن بيروت.
ويوصفُ الحص الذي أدارَ الشأنَ العام في فتراتٍ عصيبة بأنّه «ضميرُ لبنان» نظراً لنظافةِ كفّه وشفافيّته في العمل السياسيّ والوطنيّ، ما أكسبه حضوراً مميّزاً و احترامَ وتقديرَ أصدقائه وخصومه على حدٍ سواء.
ونعى الراحلَ الكبير، رؤساءٌ ووزراءٌ ونوّابٌ وأحزابٌ وفاعليّاتٌ عديدة. وفي هذا السياق، توجّه الرئيسُ العماد إميل لحّود بالتعزية إلى عائلة الرئيس الحص وإلى الشعب اللبنانيّ «بفقدانِ قامةٍ وطنيّة كبيرة، كما فقدنا برحيله صديقاً عزيزاً وشريكاً أساسيّاً في عهدنا عبر ترؤسه الحكومة الأولى».
وأضاف لحّود في بيان «يسهلُ أن نتحدّثَ عمّا تميّز به الراحل من صفات، إذ كان دائم التميّز وتولّى رئاسة حكومات في مراحل دقيقة من تاريخ لبنان تتطلّبُ حسّاً وطنيّاً، ليحدَّ من الأضرار، حرباً، وليؤدّي دوراً في النهوض سلماً. لكنّ ميزته الأساسيّة أنّه لا يشبه الطبقة السياسيّة، إذ لم يطلب شيئاً لنفسه ونبذَ الطائفيّة، وما أحوجنا اليومَ إلى أمثاله».
وختمَ «فارقَنا سليم الحص، ولكنَّ إرثَه وتاريخه الوطنيّ وقيَمه الأخلاقيّة سيبقون علامةً فارقة، إذ كان مثلاً حيّاً على أنّه بإمكان السياسيّ أن يعملَ في الشأن العام وأن يشاركَ في الحكم ويبقى نظيف الكفّ وحسن السمعة وهذه، نخشى، أن تصبحَ عملةً نادرة جدّاً».
بدوره، نعى رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي الرئيس الحص قائلاً «في الزمنِ الذي يفتقدُ فيه لبنان إلى النَقاء والصفاء والقامات الوطنيّة الشامخة، يفقدُ الوطنُ قيمةً من قيَمه الإنسانيّة التي جمعَت كلَّ تلك الخصال وأكثر، دولة الرئيس الدكتور سليم الحص، رجل الدولة والإنسان في ذمّة الله».
وختم «إلى اللبنانيين عموماً وأبناء العاصمة بيروت أسمى آيات العزاء وللراحل الكبير الرحمة».
كذلك نعى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الرئيس الحص، معتبراً أنّه «رحلَ في أصعبِ وأدقِّ مرحلةٍ يحتاجُ فيها لبنان إلى ضميره وحسّه الوطنيّ والعروبيّ وإلى حكمتِه ورصانتِه وحُسنِ إدارته الشأن العام».
أضاف «الكتابة عن الرئيس سليم الحص مهمّة صعبة وسهلة في الوقت ذاته. صعبة لأنَّ كلَّ الكلمات لا تفيه حقَّه، وسهلة لأنّه بحرٌ من العطاء في حياته المهنيّة. كان اقتصاديّاً بارزاً ومثالَ الخبرة والأخلاق والعلم، يضعُ المصلحةَ العُليا ومصلحة المواطن فوقَ كلّ اعتبار وكان متجرّداً وموضوعيّاً ودستوريّاً بامتياز. الرئيسُ الحص الذي وصل إلى أعلى ما يُمكن أن يصلَ إليه رجلٌ عصاميٌّ بنى نفسه بنفسه ليصلَ إلى أعلى درجات العلم وأرفع المناصب، ليكونَ رئيسَ حكومةٍ ناجحاً في لبنان، ويستحقُّ بعد سنوات من العطاء والتضحية لقبَ «ضمير لبنان» ويدخل إلى الأبَد في وجدان اللبنانيين. رحمه الله وأسكنه فسيحَ جنّاته».
وأصدرَ ميقاتي مذكرةً أعلنَ فيها الحدادَ الرسمي على وفاة الحص ثلاثة أيّام اعتباراً من اليوم.
واعتبرَ الرئيس الدكتور حسان دياب أنّه لا يُمكن وداع الحص «من دونِ ذرفِ دمعة على الرجل الذي شكّل ظاهرةَ في الحكم والسياسة في لبنان، وكان عن حقّ وواقع، ضميرَ لبنان الذي بقيَ صامداً أمامَ المُغريات السياسيّة والشعبويّة والماليّة، ولم يستسلم للأمر الواقع ولم يسلّم به، ودفعَ ثمنَ ما يؤمن به، وانكفأ عندما وجدَ نفسَه عاجزاً عن مواجهة منظومة الفساد التي تسلّحت بقدراتٍ جعلتها أقوى من الدولة، بل جعلتها الدولة، بحماية مظلّة فساد تتشعّبُ أسقفها داخل لبنان وتتمدَّد خارجه، والتي ما تزال تُمسكُ بمفاصلِ البلد، وتتحكّم بمصيره، وتسببت بانهيارٍ ماليّ لطالما حذّرَ منه الرئيس الحص وحاول مواجهته بما يمتلك من منطق علميّ وبسلوك رجل الدولة الذي لا يُقيم وزناً لأيّ مصلحة طائفيّة أو مذهبيّة أو حزبيّة أو شخصيّة».
أضاف «لقد كان الرئيس الحص نبراساً، وقد شكّل بالنسبة إليّ، كما للكثير من اللبنانيين، نموذجاً يُحتذى به في السلوكِ السياسيّ وممارسة الحكم، من أيّ موقع، سواء في الشأن الخاص أو العام، لكنَّ المفاهيم التي أرساها شكّلت خريطة طريق لمنطق الدولة العادلة القادرة التي ترعى شؤون اللبنانيين بمعيارِ الانتماء إلى الوطن ومن دونِ منطق المحسوبيّات. لكن، صحيح أن الرئيس الحص اختار طوعاً الانكفاء السياسيّ، قبل أن توافيه المنيّة، لكنَّ القيمَ التي أرساها، والمفاهيم التي كرّسها، والسلوكيّات التي اعتمدها، والأخلاق التي تمتّع بها، ونظافة الكفّ التي حافظَ عليها، ومنطق الدولة الذي وضعه، ستبقى منارةً للبنانيين الطامحين لقيام الدولة العادلة ومواجهة الفساد الممسك بمفاصل الدولة، وستبقى لي شخصيّاً، ولكل من يريد أن يعملَ في الحقلِ العام بمفاهيم سليم الحص، مبادئ لا يمكن التنازل عنها أو التفريط بها».
ونعى الرئيس تمّام سلام الرئيس الحص فيما اعتبرَ نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي أنّه برحيلِ الحص «نفتقدُ رمزاً للنزاهة والشفافيّة والاستقامة ونموذجاً يُحتذى به في إدارة الشأن العام وفي كل الميادين».
وقال رئيس «تيّار الكرامة» النائب فيصل كرامي، في بيان «فقدتُ أنا شخصيّاً رجلاً أحبّه، رافق الرشيد في أصعبِ أيامّه، ثم رافقَ والدي في أيّامٍ لا تقلُّ صعوبة، وكان خير من نتوسّم به دائماً المواقف الوطنيّة التي نستمدُّ منها صلابةً وعزيمة».
أضاف «محزنٌ رحيلُ الدكتور سليم الحصّ، لأنَّ خسارته ليست مجرّد خسارة عاديّة حتّى على مستوى العاطفة والصداقة والمحبّة فضلاً عن الخسارة الوطنيّة الكبرى».
وأكّدَ النائب فريد البستاني أنَّه «سيبقى الحص حيّاً في ضمائر اللبنانيين، لما تركه من إرثٍ كبيرٍ في التضحيات والنضالات السياسيّة والاجتماعيّة، وخسارة وطنية يفقدُ من خلالها الوطن قامة شامخة ونبيلة عملت لنبذ التفرقة والوحدة بين اللبنانيين».
وقال عميد المجلس العام الماروني الوزير السابق وديع الخازن في بيان النعي:
«برحيل الرئيس سليم الحص، فقدَ لبنان قيمة إنسانية ووطنية كبيرة، وشخصية من الوطنيين الكبار في العطاءات والتضحيات ليبقى لبنان وطناً لجميع أبنائه، وصوتاً من أصوات الحكمة التي يحتاج اللبنانيون إليها في هذه الأوقات العصيبة».
أضاف: «إنها خسارة وطنية لا يمكن أن تُعوّض إلا بمزيد من الوحدة بين اللبنانيين».
وتابع: «سيبقى الرئيس سليم الحص حيّاً في ضمائر اللبنانيين والعرب الذين يستذكرون أعماله ومنجزاته ومسيرته الوطنية التي قادته الى ان يكون في مصاف كبار رجال السياسة.
ونعى أمين عام منبر الوحدة الوطنية القنصل خالد الداعوق وأعضاء المنبر الرئيس المؤسس والرئيس الفخري مدى الحياة رئيس الحكومة الأسبق الدكتور سليم الحص الذي وافته المنيّة اليوم الأحد عن عمر يناهز الـ 95 عاماً.
وقال الداعوق في بيان النعي: إنّ خسارتنا للرئيس الحص هي خسارة وطنية لبنانية وعربية عامة، لأنّ الراحل الكبير كان الرمز الوطني والعربي بامتياز، وقد استحقّ عن جدارة واقتدار اللقب الأحب إلى قلبه «ضمير لبنان».
أضاف الداعوق قائلاً: لقد أمضى فقيدنا الكبير حياته المديدة في العمل الوطني مُبتعداً عن كلّ ملوّثات العمل السياسي التقليدي في لبنان، واضعاً علمه الوفير ومعارفه الكبيرة وخبراته المشهودة في خدمة الوطن في كلّ المواقع التي شغلها وتولّى مسؤوليتها في المجالين الاقتصادي والسياسي، وهذا ما يشهد به كلّ اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم وميولهم.
وختم الداعوق بالقول: رحم الله رئيسنا الرئيس سليم الحص، ونحن إذ نعزي أنفسنا لأننا من ذوي الفقيد، نقدّم أحرّ التعازي لابنته السيدة وداد والعائلة الكريمة.
ونعى المديرُ العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري الرئيس الحص، معتبراً أنَّ برحيله «يخسرُ لبنان عَلماً من أعلامه، رجل دولة حملَ الهمّ اللبنانيّ بكلِّ أمانة والتزام».