كيف تآكل الردع «الإسرائيلي» على كلّ الجبهات؟
رنا العفيف
هي حسابات دقيقة تتعامل معها المقاومة الإسلامية في لبنان والعراق وإيران واليمن، لإدارة المواجهة مع الاحتلال بتروّ وارتكاز إلى قاعدة المرونة القاسية ورؤية سياسية وعسكرية واستخبارية بمنظور المحور أو أطراف قوى محور المقاومة ولكلّ جهة منها تأخذ شكلاً ومضموناً بالأهداف التي تراها مناسبة كأولوية حتمية بالشأن الاستراتيجي التي منها تنبع فحوى الإنجازات العسكرية، ومن هنا يستوجب طرح السؤال كيف تآكل الردع الإسرائيلي على كلّ الجبهات؟
حزب الله هدّد بالردّ وحدّد موعد تحركه ونفذت العملية بنجاح، وتمكن من جرّ الاحتلال إلى صراع استنزاف قد لا يصل إلى حالة الحرب، ونجحت جهات قوى المقاومة كافة في إظهار الاحتلال على التراجع في مراحل معينة إلى موقع الدفاع والدخول مع جيشه ومستوطنيه واقتصاده وإعلامه في مرحلة انتظار قاتل يحقق الضرر الذي رسم له، وبالتالي فقد الاحتلال قدرة الردع وجعل مدنه كلها ومناطقه وقواعده العسكرية عرضة للاستهداف في التوقيت الذي تحدّد المقاومة أهدافها كلما تمادى في عدوانه ومجازره حتى كبرت فاتورة الحساب، بينما المقاومة اللبنانية وأطراف قوى محور المقاومة تجني إنجازات وتُدفّع الاحتلال ثمناً غير معهود في حجم العمليات العسكرية، وباعتراف البيت الأبيض الذي أكد أنّ هجوم حزب الله كان غير معهود في حجم العمليات ونطاقه…
وها هو الاحتلال في حالة انتظار الحساب المفتوح أيضا مع إيران واليمن والعراق وباقي الجبهات، لتضيق أمامه الخيارات لوقف هذا النزيف وعلى اعتبار الحرب على غزة مستمرة في وسط تعمية الاحتلال عن الأزمات التي يواجهها بالكذب والنفاق والخداع الذي لم يعد ينطلي على المستوطنين الذي ربما علت أصواتهم على حدود لبنان، وترك مصيرهم معلقاً على قائمة اهتمام الحكومة حيال ضربات مجاهدي المقاومة في لبنان.
وبالتالي… فإن نظرية الردع الاستراتيجي في حقيقة الواقع تآكلت منذ السابع من اكتوبر على مستوى اشتعال جبهات الإسناد وبالأخص قطاع غزة وجنوب لبنان والبحر الأحمر وصولاً للهجوم الإيراني الأخير، حتى اعتبر أحد أكاديميي الشأن العسكري الإسرائيلي أنّ جميع السيناريوات والاستراتيجيات طويلة الأمد التي أعتادت عليها «إسرائيل» قبل طوفان الأقصى قد سقطت، لا سيما أنّ استنزاف قوة الردع وصل إلى جزء كبير من «المجتمع الإسرائيلي» الذي بدا مندهشاً من احتجاز عدد كبي من «الإسرائيليين» في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر حتى بات مرعوباً وخائفاً ومردوعاً ما أدى إلى إخلاء المستوطنات من غزة والشمال.
أيضاً القوة العسكرية التي يمتلكها «الإسرائيلي» في ترميم تآكل الردع بعد الهجوم الإيراني الأخير زاد من حالة القلق والتوتر في داخل «المجتمع الإسرائيلي»، وكذا كانت هناك حالة متجانسة بين مجلس الحرب الإسرائيلي في بداية المعركة، إلا أنّ حالة الانقسام سادت الأجواء وظهرت للعلن وبالتالي جميع التصريحات التي تخرج من القيادات العسكرية «الإسرائيلية» وبالأخص وزير الدفاع «الإسرائيلي» يوآف غالانت هي مجرد أمنيات ليست قريبة من الواقع الميداني.
انطلاقاً من معطيات الواقع الميداني لطوفان الأقصى بمجمل اتجاهاته، فإنّ نظرية الردع الإسرائيلي أصيبت في مقتل ولا شفاء منها بالمطلق، كما أنّ الحرب الخاطفة على أرض العدو وإلحاق الرعب للجهات المعادية لـ «إسرائيل» تبدّدت أشكالها وأنواعها وتطوّرت حتى ظهرت أو بيّنت حالة «إسرائيل» المردوعة ولا نقول الرادعة وذلك من خلال عمليات حزب الله واليمن والعراق سواء كانت في السابق أو تلك التي حققت نجاحاً…
وفي الخلاصة لم تعد لـ «إسرائيل» أيّ هيبة في المنطقة ولم تعد هدفاً عصياً على الفصائل أو غيرها في ظلّ انتهاء عالم القطب الواحد، وبالتالي فإنّ جميع خيارات «إسرائيل» للردّ على جبهات الإسناد ستزيد من تآكل وتفسّخ الردع «الإسرائيلي».
أما على مستوى الضفة فقد تهادت نظرية الردع «الإسرائيلية» على الجبهة الفلسطينية منذ اقتحام جنين، ورأينا آنذاك انسحاباً تحت النار وهو أقرب للهروب، إذ كانت هناك تسريبات تتحدث عن توجيهات من المستوى العسكري بضرورة إنهاء العملية لعدم تحقيق أهدافها، وبالتالي تبقى لضربة طوفان الأقصى بصمة ذات طابع إيلامي موجع لنظرية الردع على كافة المستويات التي سعى الاحتلال إلى صياغتها منذ إنشاء كيانه قبل 76 عاماً.. وتجازوت المقاومة الأمر بحنكة وذكاء واقتدار منذ حرب تموز 2006 حيث لم تتمكن «إسرائيل» من فرض أيّ معادلة جديدة في صراعها مع حزب الله…