متحف دير عطية في ريف دمشق معلم سوري لنموذج حضاري وتراثي متفرد
تخفي أروقة وجدران متحف دير عطية في طياتها فناً معمارياً مميزاً يحمل بصمة واضحة على مستوى فن العمارة والتراث في سورية والمنطقة، حيث يُعتبر أحد أبرز المتاحف السورية، ويتميز بعراقته وتراثه التاريخي الغني، بدءاً من موقعه الفريد وهيكله المعماري وتصميمه الهندسيّ، وصولاً إلى محتوياته المتنوعة والثرية.
وتبرز في المتحف مقتنيات ذات رمزية وطنية وتاريخية مهمة، ساهم المجتمع الأهلي في إثراء أقسامه العشرة منذ تأسيسه بموجب مرسوم جمهوري عام 1991، ليصبح عدد القطع الأثرية أكثر من 108 آلاف قطعة.
وأكد رئيس دائرة آثار محافظة ريف دمشق جهاد أبو كحله أن المتحف يسعى لتحقيق التنمية الحضارية، ويمنح فرصة التعلم والتواصل الحي مع التراث الثقافي، حيث يمكن الزائر من استكشاف التاريخ والفن من خلال المعروضات، إضافة لدوره الأساسي والمهم في رفع الوعي الثقافي وتعزيز الترابط الاجتماعي، لافتاً إلى أن المتحف يمثل شاهداً على تاريخ سورية وثقافتها ويجسّد نموذجاً فريداً للتراث والفن المعماري.
وتقدر مساحة المتحف بحوالي خمسة عشر ألف متر مربع وهو المكوّن من عشرة مبانٍ، فضلاً عن مبنى القلعة، بنيت جميعها على مراحل متعدّدة، إضافةً إلى الحديقة التي بحد ذاتها تعتبر متحفاً في الهواء الطلق، وتوجد فيها قطع ذات حجم كبير من الصعب تحريكها أو التأثير فيها.
وتحدّث، أمين المتحف، محمد معاد عن المغارة التابعة للمتحف وما تحتويه من قطع حجر الصوان ومقتنيات تعود إلى ما يقارب ألف سنة قبل الميلاد، بما في ذلك فؤوس حجرية وسهام ونبال ومناجل استخدمها الإنسان القديم في العصر الحجريّ للصيد وقصّ الزرع وغيرها من الاستخدامات اليومية، اكتشفت في منطقة في يبرود ومعلولا.
وأشار معاد إلى التفرد الذي يحظى به المتحف عن غيره من المتاحف، حيث يتميّز بنمط خاص في الهندسة البنائيّة والمعمارية، وتوزع أقسامه وفق مراحل تاريخية متعددة، لافتاً إلى تأهيل العديد من أقسامه وإعادة القطع التي كانت موجودة فيه، وتزويدها بمقتنيات تراثية أخرى، بعدما تعرّضت لتخريب وسرقة من قبل الإرهابيين عام 2013.
قلعة المتحف التي تم بناؤها على مدى ثلاثة عشر شهراً وضمن مراحل تاريخية متعددة ووفقاً لمعاد، تجسد صمود المتحف في وجه التحديات، مشيراً إلى الأسقف الخشبية المملوكية الفريدة التي يضمها المتحف التي تعد من أقدم الأسقف الأثرية في سورية، حيث تم نقلها من أحد المنازل في دير عطية، وأعيد تركيبها كما كانت في إحدى قاعات المتحف.
كما أكد معاد أن تقسيمات المتحف وطريقة العرض انطلقت بناءً على المادة الأثرية والأقدمية التاريخية، ما ميّز كل قسم على حدة، لافتاً إلى أن معروضات المتحف من مختلف المواد التي استخدمت قديماً كالفخار والزجاج، وتمّ عرضها وفق تسلسل تاريخي، انطلاقًا من العصر البرونزي إلى العصر الحديدي، مروراً بالهلنستي ثم الروماني والبيزنطي والإسلامي، إضافة إلى مقتنيات وأدوات تدلّ على التقاليد الشعبية.
وتعرض في أقسام المتحف أيضاً أوانٍ فخارية من داخل المنطقة وخارجها، تم العثور على بعضها في تل سكا في غوطة دمشق، وبعضها الآخر يعود إلى القرن السابع قبل الميلاد، عثر عليها في تل الحميرا، الذي يقع إلى الشمال الشرقي من دير عطية.
ويضمّ المتحف خزفاً وفضيات يدوية من خارج سورية، وتماثيل وقطعاً أثرية حجرية وذهبية رومانية وبيزنطية، ومنحوتات وزخارف حجرية رومانية وبيزنطية، منها منحوتات وأبواب بازلتية رومانية وبيزنطية وإسلامية كانت تُستخدم في إغلاق المدافن المحفورة تحت الأرض، إضافة إلى أوانٍ برونزية إسلامية قديمة.
كما يضمّ مخطوطات أثرية وعقوداً وشهادات ملكية ورسائل أبناء الدير في المغترب، وقطعاً تُستخدم في الزراعة والحصاد، ومعظم الأدوات التي تلبي احتياجات أبناء منطقة القلمون قديماً، وأدوات توظف في العديد من المهن الأخرى، إضافة إلى النسيج والأقمشة والمقتنيات اليدويّة التي تُستخدم في حياكة السجاد والبسط.
وتحتوي بعض الأقسام النفائس الزجاجية والخزفية التي تميّزت بشكلها الفني الرفيع ورسومها والزخارف التي تزيّنها، فضلاً عن سيوف وخناجر قديمة وأسلحة حربية كانت تُستخدم في الصيد، وأنواع مختلفة من المسجّلات والهواتف «التلفونات» القديمة، وأعمال فسيفسائيّة ولوحات زيتية ووثائق ومؤلفات لشخصيات وطنية وبعض الساعات والقطع الفنيّة المميّزة.