«قلوبهم معه وسيوفهم عليه»
هَدا عاصي*
ذهبتُ بالأمس لتقديم واجب العزاء بدولة رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق الدكتور سليم الحص، وحين دخلت إلى قاعة د. محي الدين برغوث في مسجد الخاشقجي في قصقص، وجدتُ فيها وجوهاً مُحبّة وصادقة في حزنها على الراحل الكبير، لكن كان في القاعة أيضاً بعض السياسيين الذين لم يرحموا الرئيس الحص في حياته، بل كانوا من أشرس خصومه ومعارضيه، واستخدموا في معاركهم ضدّه كلّ الوسائل وبعضها خارج عن أيّ أعراف قانونية وأخلاقية، مما أدى بالتالي إلى وقف تنفيذ جزء كبير من طروحاته الإنقاذية وبرامجه الإصلاحية التي لو جرى تنفيذها لما كنا نعيش اليوم هذه الأزمات المعقدة والمتراكمة.
طبعاً الواجب الاجتماعي يفرض على الجميع المشاركة في التعزية بهذا الرمز الوطني الكبير، لكن المفارقة اللافتة في بلدنا أنّ هذا السياسي أو ذاك ممن كانوا يعارضون الرئيس الحص على الدوام لم يكتفوا بتقديم التعزية كما يقتضي الواجب، بل دبّجوا البيانات وضمّنوها كلّ عبارات المديح حتى يتخيّل القارئ أو السامع أنّهم كانوا يقاتلون إلى جانبه للقضاء على الفساد ومحاسبة الفاسدين، فيما هم كانوا على الضفة الأخرى، وهذا ما يعرفه الجميع، لينطبق عليهم المثل الشهير «قلوبهم معك وسيوفهم عليك».
رحم الله الرئيس الحص الذي سيبقى خالداً في ذاكرة الوطن، وهو الذي كان ضمير الوطن وحامل رايات العروبة والمقاومة والإصلاح والبناء على الأسُس السليمة والصلبة والثابتة.
وإذا كنا نجدّد العزاء لعائلة الفقيد الكبير، فإننا نعتبر أنّ كلّ الوطنيين والأوادم هم من ذوي الفقيد وأهله ويحق لنا أن نتقبّل العزاء برحيله، لأنّ الخسارة عائلية صحيح لكنها أيضاً خسارة وطنية وعربية بل هي خسارة على امتداد عالم الإنسانية والضمير…
*رئيسة مركز هَدا عاصي للعلوم والتنمية الاجتماعية