الأسد: لفهم الطوفان في سياق القضية الفلسطينية وليس كحدث نتجت عنه التوترات / الاحتلال يعين حاكماً مدنياً في الضفة… واستشهاد “أبو شجاع” يشعل المواجهات / تأكيد على نجاح رد المقاومة بإصابة الـ 8200 … وغالانت يحشد لفتح المدارس
كتب المحرّر السياسيّ
أكد الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد في حوار مفتوح مع السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية، وطاقم وزارة الخارجية والمغتربين، أن النظر لعملية طوفان الأقصى يجب أن يكون في سياق القضية الفلسطينية، وليس كحدث ميداني طارئ، وذلك في مواجهة ما تُحاول تكريسه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون من أن طوفان الأقصى هو سبب التوترات الحاصلة اليوم. وأشار الرئيس الأسد إلى أن الفوضى التي صنعتها الولايات المتحدة الأميركية زادت من عدم الاستقرار في العالم، والصراع الدولي اليوم هو صراع اقتصادي – تكنولوجي، وخاصة أن الغرب بدأ يفقد سيطرته التقانية أمام الشرق، مما يسرّع بتشكل عالم جديد متعدّد الأقطاب، موضحاً أن المستقبل هو للشرق لأنه استطاع أن يحافظ على هويته ومبادئه، مُضيفاً: إن التطورات المتلاحقة تؤكد تصاعد هذا الصراع واستمراره مما سيخلق المزيد من الأزمات لجميع دول العالم وشعوبها.
في المنطقة حدث يخطف الأنفاس على إيقاع ما يجري في غزة، والحدث هو اجتياح جيش الاحتلال للضفة الغربية حيث تدور مواجهات ساخنة بين جيش الاحتلال ومجموعات المقاومة، وقد أدّى استشهاد قائد كتيبة طولكرم أبو شجاع إلى اشتعال المواجهات على مختلف جبهات القتال، ما اضطر الاحتلال الى الانسحاب من بعض النقاط التي توغل فيها، وكان اللافت إعلان كيان الاحتلال تعيين حاكم مدني للضفة الغربية، وهو ما قرأت فيه مصادر فلسطينية قراراً عملياً بإنهاء السلطة الفلسطينية، والتمهيد لفرض معادلة تربط أي اتفاق في غزة بالتسليم الأميركي والأوروبي والعربي بفرض سيطرته على الضفة الغربية، بينما المقاومة غير معنية بكل ذلك، وتخوض معادلات مستقبل الضفة وغزة من خلال المواجهات، ليكون السؤال موجهاً للسلطة الفلسطينية المهدّدة بالتهميش، وليس للمقاومة.
في جبهة لبنان، من جهة تأكيدات من مصادر موثوقة بأن التقارير الواردة من داخل فلسطين المحتلة تؤكد أن ستاً من الطائرات المسيّرة التي أطلقتها المقاومة نحو مقر الوحدة 8200 شمال تل أبيب قد أصابت هدفها مباشرة وألحقت به أضراراً مادية وبشرية جسيمة، لم تُعرف تفاصيلها بعد، لكنها قيد المتابعة، ما يفسّر حال الارتباك التي فرضت نفسها على قادة كيان الاحتلال لجهة الإعلان عن عدم النية بالذهاب للحرب، لكن في إطلاق كلام وشعارات حول مصير المهجّرين من مستوطنات الشمال يشكل وعوداً فارغة مع استمرار الاشتباكات العنيفة على الجبهة، مثل كلام وزير الحرب يوآف غالانت الذي قال أول أمس إن الحرب على حزب الله ليست الآن بل في المستقبل البعيد، وقام أمس بالإعلان عن حشد الجيش شمالاً تحت شعار تأمين فتح المدارس بعد يومين في أول شهر أيلول.
وفيما يترقب لبنان والمنطقة نتائج المفاوضات الجارية على خط الدوحة – القاهرة بين المقاومة الفلسطينية ووفد الاحتلال الإسرائيلي، تتجه الأنظار الى الرد المرتقب لباقي جبهات المقاومة لا سيما الرد الإيراني واليمني والعراقي، وسط تأكيد مصادر في محور المقاومة لـ”البناء” أن الردود الثلاثة آتية حتماً وستكون مفاجئة ولن تكون أقل قسوة من ردّ حزب الله.
وفيما يتجه العدو الإسرائيلي الى مزيد من التصعيد لا سيما في الضفة الغربية بعد انسداد أفق تحقيق انتصارات في غزة وسقوط الرهان على فرض معادلة جديدة في الجنوب على حزب الله، بقي ردّ المقاومة في لبنان ونتائجه على كيان الاحتلال وصنّاع القرار فيه، في صدارة الاهتمام.
وأكد مصدر مطلع في فريق المقاومة لـ”البناء” أن “الرد على اغتيال القائد الجهادي الكبير السيد فؤاد شكر حقق أهدافه الأساسية بمعزل عن الخسائر إذ ثبّت معادلة ردع جغرافية محددة: “تل أبيب مقابل الضاحية”، وبالتالي أعاد قواعد الاشتباك الى ما كانت عليه وأجهض خطة العدو بفرض قواعد اشتباك جديدة والضغط على حزب الله للتراجع عن إسناد غزة من الجنوب من خلال تجاوز الخطوط الحمر والتهديد بالحرب المفتوحة”، لكن المقاومة وفق المصدر لن توقف جبهة الإسناد مهما بلغت التضحيات ولن يستطيع العدو تغيير الوقائع الميدانيّة على الحدود بالقوة العسكريّة لاستعادة الأمن إلى مناطق الشمال وإعادة المستوطنين المهجرين اليها”، ولفت المصدر إلى أن “حزب الله اختار أهدافاً محدّدة ومدروسة للردّ على العدوان الإسرائيلي على الضاحية وليس رداً انفعالياً ومتهوّراً، وهو لم يستهدف المستوطنين المدنيين في كيان العدو ليس خوفاً بل لعدم منح حكومة الاحتلال ذريعة لتحريض الرأي العام الغربي وإعادة استقطابه لمصلحة “إسرائيل”، والسبب الثاني لحماية المدنيين في لبنان لا سيما في المدن”. وكشف المصدر أن “لدى قيادة المقاومة تأكيدات بوصول مسيّرات المقاومة الى مراكز الموساد في مرغليوت وسقوط خسائر”. وتساءل المصدر: لماذا لم تقدم “إسرائيل” أي دليل ينفي حصول خسائر أو صور حية وحديثة للقواعد المستهدفة أو على الأقل تنظيم جولة من إعلاميين يدورون في فلك الحكومة الاسرائيلية على هذه القواعد للتأكد من أنها لم تُصب بأي خسائر؟ ولماذا يفرض العدو رقابة عسكرية مشددة وطلب من الإعلام الالتزام بما يقوله الجيش؟
وفيما يتحدّث خبراء عسكريون عن احتمال أن تزوّد روسيا حزب الله بصور للأقمار الصناعيّة في الموقع المستهدَف في “تل أبيب”، تشير جهات استخبارية غربية لـ “البناء” الى أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية منعت أيّ مسيّرة أو جسم جوي من التحليق فوق مركز الوحد الاستخبارية 8200 التي استهدفها حزب الله.
وفيما تميل تقديرات جهات معنية بالحرب الحالية، الى التشاؤم حيال نتائج المفاوضات في القاهرة والدوحة لكون نتنياهو لديه مزيد من الأوراق والهامش للمناورة في ظل إدارة أميركية باتت ضعيفة أشبه بالرجل العاجز ولم تعُد تملك أوراق قوة للضغط على حكومة نتنياهو الذي يستفيد من دخول الكنيست الإسرائيلي في إجازة حتى تشرين، وبالتالي لا يستطيع سحب الثقة من الحكومة، ما يعني وفق الجهات أن الحرب ستطول حتى العام المقبل ومفتوحة على كافة الاحتمالات.
واستبعدت الجهات نفسها أن يبادر العدوّ لشن عدوان واسع على لبنان لأسباب تتعلّق بقدرة جيش الاحتلال على القتال على جبهة ثانية، وعجز الجبهة الداخليّة عن تحمّل مواجهة أخرى مع حزب الله، إضافة الى وجود إرادة في البيت الأبيض ترفض توسّع الحرب في المنطقة لأسباب متعدّدة.
وزعم وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت، أنه “وافقت على خطة للجيش بدءاً من الأسبوع المقبل لتشديد الإجراءات في المستوطنات الجنوبية والشمالية”، وقال: “سنزيد انتشار القوات في المستوطنات الشمالية والجنوبية لتأمين تنقلات طلاب المدارس”.
وكشفت أوساط دبلوماسية أوروبية مطلعة لـ”البناء” أن “الولايات المتحدة الأميركية تمارس ضغوطاً مكثفة على حكومة “إسرائيل” لفرض اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى قبل دخول الولايات المتحدة مدار الانتخابات الرئاسية”، لافتة الى أن الولايات المتحدة لا تريد للحرب أن تتوسّع وبذلت جهوداً كبيرة في هذا الإطار مع كافة الأطراف وهي الآن أكثر اطمئناناً بعد ردّ حزب الله والرد الإسرائيلي بأن التصعيد المتبادل لن يأخذ المنطقة الى حرب واسعة النطاق. كما كشفت الأوساط أن دول الاتحاد الأوروبي تبذل جهوداً دبلوماسيّة مكثفة للضغط على حكومة “إسرائيل” لوقف الحرب على غزة، وهي اتخذت إجراءات في هذا الصدد أهمها فرض عقوبات على الوزراء المتطرفين في “إسرائيل” لا سيما وزيري الأمن القومي والمالية وستتخذ إجراءات إضافية، لكن المشكلة تكمن في أن الاتحاد الأوروبي ضمن 27 دولة وكل دولة تملك حق الفيتو على أيّ قرار ما يصعّب اتخاذ قرار تصعيديّ موحّد ضد “إسرائيل”. لذلك يبقى الضغط الأميركي بحسب الأوساط هو الأكثر تأثيراً ويأتي بالنتائج المطلوبة.
ميدانياً، استهدفت غارة إسرائيلية منطقة كسارة العروش في مرتفعات جبل الريحان. وزعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه نفّذ غارات على مبانٍ عسكرية لحزب الله في كفركلا وقصف بالمدفعية مواقع في يارين. وكان طيران الاحتلال الحربي استهدف بلدة كفركلا بأربع غارات من دون تسجيل إصابات بشريّة. وعملت عناصر من الهيئة الصحية الإسلامية على فتح الطرقات التي قطعت بسبب تراكم الأنقاض. كما استهدف القصف المدفعي الإسرائيلي أطراف بلدة الوزاني وأطراف الجبين ويارين وعيتا الشعب وحلّق الطيران الإسرائيلي في أجواء القطاعين الغربي والأوسط من الجنوب، كما خرق جدار الصوت فوق مختلف المناطق اللبنانية. وأطلقت المدفعية الإسرائيلية قذائف على أطراف بلدة دير ميماس قرب بئر المياه تسببت بأضرار في ألواح الطاقة الشمسية.
في المقابل، أعلن حزب الله “اننا نفذنا هجوماً بأسراب من المسيّرات الانقضاضية على مقر قيادة فرقة الجولان 210 في ثكنة نفح مستهدفة أماكن تموضع واستقرار ضباطها وجنودها وأصابت أهدافها بدقة”.
سياسياً، استقبل مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان في دار الفتوى سفير جمهورية مصر العربيّة في لبنان علاء موسى، الذي أعلن بعد اللقاء أن “الفترة المقبلة ستتمّ إعادة الزخم في ما يخصّ الملف الرئاسي وإن كنا نحن كخماسية أو حتى أعضاء الخماسية يولون أهمية كبيرة لهذا الملف، وطبعاً ما حدث في المنطقة وجبهة الجنوب طغيا على هذه الأمور، لكن هذا لا يعني أن هذه الأمور على أهميتها لا نبحث فيها، وإن شاء الله الفترة المقبلة تشهد المزيد من التحرك الإيجابي في هذا الملف”، داعياً “الأطراف اللبنانية الى التجاوب مع هذا المسعى”.
وفي السياق نفسه، وخلال زيارة رعويّة لمنطقة دير الأحمر قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي “يوماً ما ستنتهي الحرب، وسيكون لدينا رئيس للجمهورية وتستقر الأمور، وهناك مساعٍ حثيثة لانتخاب رئيس للبنان، ورجاؤنا كبير بأن تعود الحياة الطبيعيّة إلى لبنان، وتنتهي الحرب، وتنتهي المأساة التي نعيشها”. وتابع: “أنتم في دير الأحمر عشتم مشاكل وظروفاً صعبة، وبعد ذلك عاشت دير الأحمر بفضل سيدة البرج التي صانت هذه البلدة، ورجاؤنا لا يتزحزح أبداً لا بالمسيح القائم من الموت، ولا بسيدة لبنان وبطوباويينا، وسنبقى ننظر إلى الأمام بالرغم من الإمكانيات الضعيفة”.