الإمام السيد موسى الصدر: رمز العدالة والوحدة
د. محمد قانصو
تحلّ الذكرى السادسة والأربعين لتغييب الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين. ويعود التاريخ ليذكّرنا بذلك الرجل الذي كان نجماً في سماء العدالة والوحدة. والذي زرع في قلوبنا بذور الأمل، ودعا إلى التآزر بين الطوائف، مبرزاً أنّ الاختلاف ليس عائقاً بل نعمة، وثبّت ذلك في مواقفه التي دعت إلى الوحدة بين الطوائف اللبنانية، حيث كان يسعى دائماً لتعزيز الروابط الاجتماعية والسياسية في مجتمع متنوّع. وكان صوته مدافعاً عن حقوق اللبنانيين جميعاً. لقد ترك بصمةً عميقة في الحياة السياسية والدينية، حيث كان ملهماً وقائداً حكيماً يجمع بين الحكمة والرؤية الثاقبة.
غياب الإمام السيد موسى الصدر، ترك فراغاً عميقاً في قلوب محبّيه وأتباعه. هذا الغياب لم يكن مجرد فقدان شخصية بارزة، بل أحدث صدمة في نفوس الناس، حيث فقدوا مرشداً وروحاً قادرة على توحيدهم في زمن الفتن.
غياب الصدر، كان له أثر عميق في النفوس، كأنه غيمة مظلمة حجبت نور الأمل عن قلوب الكثيرين. فقد كان رمزاً للإنسانية والتسامح، يمزج بين الإيمان والعدالة، وينادي بوحدة الصف اللبناني.
اختفاؤه لم يُنسِ إرثه، بل أضاف إلى رمزيته كقائد مقاوم فلم يكن مجرد زعيم ديني فحسب؛ بل كان قائداً شعبياً يجمع بين القلوب المتباعدة، ويزرع في النفوس روح الأخوة والتسامح. غُيّب جسداً، لكن أفكاره لا تزال حية في أعماق الذاكرة الجماعية تضيء لنا الطريق، حيث يسود العدل وتُحقَّق الوحدة، ولا تزال أفكاره ومبادئه تُلهم الأجيال، وتدفعهم للاستمرار في الجهاد من أجل العدالة والكرامة.
في ذكرى تغييبه، نتذكره كرمز للحرية والمقاومة، ونؤكد على أهمية قيمه في بناء مجتمع متماسك ومزدهر.
الحزن الذي يعتصر القلوب يُشعرنا بمدى الحاجة إلى قيمه وأفكاره، التي كانت تضيء دروبنا في أحلك الظروف. إنّ هذا الفراغ يعكس أيضاً توقنا إلى العودة إلى مسيرته، وإحياء مبادئه التي تنادي بالوحدة والعيش المشترك .
فلن يمحو الزمن هذا الحزن، بل يحفزنا للعمل من أجل بناء مجتمع يعكس رؤيته ويستعيد الأمل في غدٍ أفضل. فإرثه ينبض في كلّ زاوية من زوايا المجتمع. فقد كان صوتاً يصدح بالحق في وجه الظلم، ويداً تمتدّ لمساندة المظلومين والمحرومين الاهتمام بالفئات المهمّشة.
في هذه الذكرى، نتعهّد بالاستمرار على دربه، من أجل مجتمع يسوده الحب والاحترام. المتبادل.
سيظلّ الإمام موسى الصدر، بفضل رؤيته الثاقبة، رمزاً للكرامة والمقاومة، وتجسيداً للقيم النبيلة التي يجب أن نبقى متمسكين بها في وجه التحديات…
لقد كان الإمام موسى الصدر صوتاً مدوياً في الدفاع عن القدس، تلك المدينة المقدسة التي تمثل قلب الأمة العربية والإسلامية. لقد أدرك بألم عميق أنّ القدس ليست مجرد قطعة من الأرض، بل هي رمز للهوية والكرامة. وفي كلّ خطاب له، كان يذكر أنّ تحرير القدس هو واجب ديني ووطني، وأنها قضية كلّ الأحرار و»أنّ شرف القدس يأبى أن يتحرر إلا على أيدي المؤمنين الشرفاء». مؤكداً أنّ القدس لا تُحرّر إلا بتكاتف الجهود، وبأنّ الشعب الفلسطيني يستحق الدعم والتضامن. وكان يُشدّد على أهمية الوعي بأبعاد القضية الفلسطينية، معتبراً أنّ الجهاد من أجل القدس هو جهاد من أجل الحرية والعدالة لكل المظلومين.
هذه الكلمات تعبّر عن عمق إيمان الإمام الصدر بأهمية القيم الإنسانية والروحية في الصراع من أجل الحرية. فالقدس، بما تمثله من رمزية تاريخية ودينية، تحتاج إلى أبطال يحملون في قلوبهم قيَم العدل والإيمان. وهذا النداء يذكّرنا بأنّ التحرر ليس مجرد عمل عسكري، بل هو مسعى يتطلب نبل الروح وإيماناً راسخاً بقضية الحق…
لقد دعا الإمام الصدر إلى الوحدة بين جميع الفئات، وبكلماته الحماسية، زرع الأمل في النفوس، وحفز الجميع على الانخراط في القضايا الوطنية. ولم يكن موقفه مجرد كلمات، بل كان دعوة حقيقية للعمل من أجل القدس، لتظلّ دائماً في ضمير الأمة، رمزاً للمقاومة والصمود…
في ذكرى تغييب الإمام الصدر وأخويه، تتجلّى أمامنا قيم الوحدة والتآلف التي أكد عليها في خطاباته. إنّ هذه المناسبة ليست مجرد إحياء لذكرى غياب شخص، بل هي دعوة ملحّة للعودة إلى جوهر الرسالة التي حملها، والتي تدعو إلى تعزيز لبنان الواحد.
ففي خضمّ التحديات والانقسامات التي تعصف بنا، يصبح من الضروري أن نتجاوز كلّ ما يُفرّق بين أهله. وعلينا أن نتذكر أن تماسك عائلاتنا الروحية ونسيجنا الاجتماعي والوطني هو السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار.
في كلّ مناسبة، يتجدّد الحزن والأسى، لكننا نستمدّ من ذكراه القوة لنواصل الطريق الذي سطره مع حامل أمانته وصدى صوته دولة الرئيس الأستاذ نبيه بري. إنّ غيابه ليس نهاية، بل دعوة مستمرة لنا للتمسك بمبادئه والعمل من أجل وطن يحتضن الجميع.
لننطلق من هذه الذكرى لنؤكد على أهمية الحوار والتفاهم، ولنجعل من اختلافاتنا قوة تُثري مجتمعنا، بدلاً من أن تكون سبباً للفرقة. فلنستمدّ من فكر الإمام الصدر الإلهام لنُعيد بناء الثقة والمحبة بين جميع مكونات وطننا الحبيب.