عبقرية الربح بالنقاط
ناصر قنديل
– ستدخل نظرية الربح بالنقاط التي ابتكرها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، تاريخ نظريات الحروب والاستراتيجيات المبتكرة، ذلك أن الأسبوع الماضي قد تُوّج بحدث كبير ليل أمس، هو إعلان الإضراب المفتوح حتى التوصل الى اتفاق يُنهي ملف الأسرى، المرتبط عضوياً بوقف حكومة بنيامين نتنياهو للحرب وموافقتها على الانسحاب الكامل من قطاع غزة، بعدما كان الحدث الذي أسس للتداعيات تجسّد بالردّ النوعيّ لحزب الله الذي استهدف الوحدة 8200، على التجاوز الإسرائيلي للخطوط الحمر التي عبّر عنها انتهاك أمن الضاحية الجنوبية لبيروت واغتيال القائد المقاوم فؤاد شكر، وجاءت الحرب على الضفة الغربية بين الحدثين تضيف الى عناصر مأزق نتنياهو ما يزيد تأزماً.
– كان الحديث عن الربح بالنقاط الذي افتتح به السيد نصرالله مقاربته الاستراتيجية للحرب بعد طوفان الأقصى، يعني للبعض تهرّباً مما يعتقدون أنه طريق نصرة غزة وشعبها ومقاومتها والمتمثل باستهداف عمق الكيان ومنشآته الحيوية بالصواريخ، ويصفون هذه الاستراتيجية المبتكرة برفع العتب، ويتجاهلون أن السيد نصرالله وضع شرطاً للمضي بهذه الاستراتيجية هو الاحتمالات المفتوحة، أي فرضية الذهاب للتصعيد الكبير وربما الحرب الكبرى، دفاعاً عن المدنيين إذا تجاوز الكيان قواعد الاشتباك باستهداف العمق السكاني والخدمي للبنان، أو إذا تعرضت حركة حماس لخطر الهزيمة في غزة. كما كان الحديث عن الحرب الكبرى ابتداء يعني ضعفاً فكرياً يتجاهل حجم ما تجمّع للكيان من عناصر قوة، لا يمكن تبديدها إلا باستراتيجية الربح بالنقاط، خصوصاً حجم الإجماع الداخلي على الحرب، او حجم الحشد الدولي المساند شوارع وحكومات على مستوى الغرب. وها هي عناصر القوة تتبدّد، والكيان يخسر في المجالين، ويدخل مأزق العجز عن تسييل قوة الغرب في حربه، بينما بدأ الانفجار في الجبهة الداخلية يبلغ مرحلة الغليان، مع إعلان الإضراب المفتوح.
– لم يعرف الذين أخذوا استراتيجية الربح بالنقاط باستخفاف أن وراءها قاعدة فكرية صلبة كان السيد نصرالله قد صاغها قبل ربع قرن، يوم أعلن من ساحة بنت جبيل يوم تحرير الجنوب معادلته الشهيرة، «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت»، وهي ليست شعاراً تعبوياً فقط، ولا معادلة سياسية أيضاً، بمقدار ما هي قراءة نظريّة عميقة لعدم التناسب واللاتماثل بين جبهة المقاومة الداخلية الشعبية وجبهة كيان الاحتلال، وفهم للمنهجية التي يجب اعتمادها في الحرب مع الكيان بما يجب أن يوصل قيادة الكيان الى اليأس من أمرين، القدرة على تسييل فائض القوة الغربيّ في هذه الحرب، والقدرة على استرداد قوة الردع من يد المقاومة. وها هو يبلغ اليأس من الأمرين، بينما تبلغ قدرة الجبهة الداخلية في الكيان على تحمّل تبعات الحرب وتداعياتها، مرحلة العجز. وهذا معنى الإدارة الباردة للحفاظ على الضغط الذي تمثله ثلاثية ملف الأسرى وملف مهجّري مستوطنات الشمال وملف منع السفن من عبور البحر الأحمر، وتحوّلها الى تحديات لا حلّ لها عسكرياً، ولها ممر إلزامي هو التوصل إلى اتفاق ترضاه المقاومة في غزة.
– جاء هروب نتنياهو نحو حرب الضفة الغربية تعبيراً عن التسليم بفشل اللعب على حافة الهاوية مع حزب الله حول قوة الردع، وهروباً من العودة للتفاوض، والتمهيد لهذه العودة من موقع قوة يسمح بتعديل موازين المفاوضات من جهة، والحفاظ على تماسك حكومة ثلاثي بنيامين نتنياهو وايتمار بن غفير وبتسلئيل سموترتش من جهة مقابلة، عبر تقديم معادلة السيطرة الكاملة على الضفة الغربية مقابل اتفاق غزة، لكن ما جرى من استعصاء في القدرة على تحقيق إنجاز في الضفة الغربية، وظهور احتمالات انفجار كبير يصعب توهّم السيطرة عليه، بالتزامن مع عودة جثث الأسرى القتلى من غزة، لتبدأ خيوط العنكبوت بالتفتق، ويظهر الوهن.
– ما تبلغه الحرب مع التطوّرات الجارية في الكيان إنجاز لطوفان الأقصى، وثمرة دماء غالية بذلها الشعب والمقاومة في غزة، صمود وتضحيات وبطولات، وإنجاز يحققه صمود محور المقاومة، وخصوصاً ثبات سورية ودعم إيران وقبولها للتحدّي، لكنه نصر لليمن الذي عبر البحار بالصواريخ والطائرات المسيّرة وملأ الساحات والميادين بالملايين تهتف لفلسطين، لكن النظرية التي تنتصر هي نظريّة السيد نصرالله بالربح بالنقاط مضمّخة بدماء قادة ومقاومين قدّموا أرواحهم كي تنتصر غزة ومقاومتها وشعبها وتنتصر بهم فلسطين.