الإصلاح ممنوع والنهب على غاربه
بشارة مرهج*
في إطلالة تلفزيونية قال أحد اللبنانيين إنه لن يبقى قطاع واحد واقفاً على قدميه «إذا فتحنا كلّ الملفات».
هذا نموذج للمنطق الذي تعتمده الفئات الحاكمة لتفادي كشف الحقائق التي من حقّ الناس معرفتها، كما لتبرير تخاذلها عن ملاحقة المختلسين والسارقين، وبالتالي إعادة أموال المودعين وسواها من الأموال العامة والخاصة المنهوبة الى أصحابها الشرعيين.
فمؤسسات الدولة الدستورية الممسوكة من قبل هذه الفئات الباغية ليس عندها سوى التضليل والتهويل على الناس لحملهم على السكوت والتوقف عن المطالبة بحقوقهم.
ولو افترضنا أنّ الانهيار المالي والمصرفي حدث عفواً عام 2019 فماذا عن السنوات الخمس الأخيرة التي لم تتخذ فيها هذه الفئات الحاكمة مبادرة واحدة لتصحيح الوضع وإيفاء الناس جزءاً من حقوقها.
وهنا بعض الأسئلة المشروعة التي تتوارد على ذهن القارئ… لماذا رفضت هذه الفئات كلّ خطط النهوض التي طُرحت من أوساط لبنانية ودولية تقرّ هذه الفئات بمكانتها ومرجعيتها؟ لماذا رفضت الحكومات مع المجلس النيابي مع زمرة المصارف إصدار القوانين اللازمة التي توافق عليها الخارج والداخل لأجل تمكين القطاع المصرفي من التعافي تدريجياً والخروج من الدور المشبوه الذي يمارسه القطاع المصرفي، والاستمرار في استباحة أموال المودعين تحت شتى العناوين وتحت بصر لجنة الرقابة على المصارف وأجهزة البنك المركزي؟ لماذا تخلّت المحاكم عن دورها الأساسي في مقاضاة المخالفين وإنصاف المظلومين، خاصة أنّ محاكم وهيئات قضائية أجنبية حاولت، حين أتيح لها، أن تلاحق عدداً من المعتدين على حقوق وأموال الناس وفي طليعتهم حاكم البنك المركزي السابق رياض سلامة وعصابته؟
إنّ كلّ هذا الامتناع الإرادي عن التقيّد بالدستور والقانون وأحكام العدالة لا يمكن تفسيره بالعجز أو تناقض النصوص القانونية، كما يدّعي بعض الإعلام المنحاز لأصحاب الأموال وآكلة الجنبة، وإنما بأنّ الذي اغتصب حقوق الناس، ولا يزال، لا يريد محاكم ولا هيئات رقابة ولا قوانين، وإنما يريد فلتان الأمور على غاربها والإفلات من العقاب، لذلك هو يعمل اليوم، وعلى مسرح تغمره الأضواء، على هدم مؤسسات الدولة وما تبقى منها لمحو كلّ أثر من آثار الماضي يدينه أو يرتب عليه مسؤولية. فهذه الفئات الباغية التي لم ترتوِ بعد من دماء اللبنانيين والمغتربين وسائر المودعين تصبّ اهتمامها اليوم على نهب ما تبقى لدى المواطنين من أموال أو ودائع بواسطة الضرائب والرسوم الانفجارية، كما بواسطة التضخم المالي ووضع اليد على الممتلكات.
فقد ثبت بعد كلّ التجارب الفظيعة التي مرّت، وتمرّ بها البلاد، أنّ هذه الفئات لا تعترف بقيمة أخلاقية أو خطوة مبدئية، فقلوبها من خشب وضمائرها من حديد. ولا يهمّها إنْ سرقت النوم من عيون الأطفال أو جعلتهم وجبة على موائدها…!
*وزير ونائب سابق