برّي جدّدَ الدعوةَ للتشاور وصولاً إلى رئيسٍ وطنيٍّ جامعٍ: سقوطُ غزّة سيكون سقوطاً للأمّة وتمهيداً للتقسيم… وسندافعُ عن لبنان وجنوبه مهما غلَت التضحيات
أكّدَ رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، أنَّ «ما يجري في فلسطين في هذه اللحظات هو امتحانٌ يوميّ للضمير العالميّ»، محذّراً من أنَّ «سقوطَ غزّة كما يُخطّطُ لإسقاطها رئيسُ وزراء العدوّ «الإسرائيليّ» بنيامين نتنياهو «سيكونُ سقوطاً مدوّياً للأمّة في أمنها القوميّ وفي ثقافتها وتاريخها ومستقبلها وسقوطاً لحدودها الجغرافيّة، تمهيداً لتقسيم المنطقة وتجزئتها إلى دويلاتٍ طائفيّة وعرقيّة متناحرة، تكونُ فيها إسرائيل هي الكيان الأقوى».
واعتبر رئيس المجلس أنَّ «ما يتعرّضُ له لبنان من بوابة الجنوب هو عدوانٌ إسرائيليّ مكتمل الأركان»، مؤكّداً «التزام لبنان بنود ومندرجات القرار الأمميّ رقم 1701 وتطبيقه حرفيّاً»، مشيراً إلى أنَّ «الطرفَ الوحيد المطلوب إلزامه هذا القرار هي إسرائيل» ودعا إلى «التشاور تحتَ سقف البرلمان، وصولاً إلى رئيسٍ وطنيٍّ جامعٍ يستحقُّه لبنان واللبنانيّون في هذه اللحظة الحرجة من تاريخه».
مواقفُ الرئيس برّي جاءَت خلال الكلمة المُتلفَزة التي وجّهها أول من أمس، إلى اللبنانيين بمناسبة الذكرى السنوية الـ46 لجريمة تغييب الإمام السيّد موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافيّ عبّاس بدر الدين .
وقال «هي المرّة الثالثة منذ 46 عاماً نُحيي فيها ذكرى جريمة إخفاء إمام الوطن والمقاومة ورفيقيه بعيداً عن بحرِ الناس الأوفياء لهذه القامة الشامخة الحاضرة أبداً ودائماً (…) نُحييها هذا العام على هذا النحو نظراً للأوضاع الراهنة التي تطلُّ على لبنان والمنطقة وتظلّله مشهداً دموياً وإرهابيّاً غادراً بفعل الحرب العدوانيّة التي تشنُّها إسرائيل منذ ما يقارب 11 شهراً متواصلاً ابتداءً من غزّة إلى لبنان وسورية واليمن والعراق وليس آخراً ما حصل في العاصمة الإيرانيّة طهران».
أضاف «وعليه وانطلاقاً من هذا المشهد ومن على منبر الإمام الصدر والذي للحقيقة ومنذ لحظة جريمة إخفائه الغادرة لم أجده قويَّ الحضور، كما حضوره في هذه اللحظة المصيريّة والدقيقة التي يمرُّ بها وطنُنا وأمّتُنا وإنسانُنا، حضوراً بطيفه وصوته وصرخته ورؤياه، وكأنّي به يحاولُ من دونِ يأس وقبلَ فواتِ الأوان، استنهاضَ الأمّة من سُباتها علّها تُنقذُ تاريخَها وتصونُ حاضرَها وتؤسّسُ لصناعةٍ مستقبلها».
وتابعَ «ليتهم يعودون إليه ولو لمرّة ليكتشفوا ويتلمّسوا خيطَ الحق المطلَق ببياضه، من الشرّ المطلَق بسواده، والمتمثّل بإسرائيل وعدوانيّتها وخطرِها. فمن نقاء ونورانيّة هذه القضيّة الإنسانية التي مثلّها وما زال يمثلها الإمام الصدر موقفاً وفكراً وسلوكاً ونهجاً سياسيّاً وجهاديّاً وثوابت وطنية، نُحيي الذكرى السنويّة السادسة والأربعين لجريمة تغييب الامام السيّد موسى الصدر ورفيقيه على أيدي الطاغية المقبور معمَّر القذافي».
وتابعَ «البداية باسمِ الإمام الصدر ومن على منبره نوجّه التحيّة، للذين يحترفون بحقّ فنّ الارتقاء والسموّ والرِفعة في زمنِ السقوط والانحدار نحوَ السحيق من الأودية، عنيتُ بهم الشهداء كلّ الشهداء المقاومين والمدنيين، ولا سيَّما الكوكبة المباركة من شهداء حركة أمل وكشّافة الرسالة الإسلاميّة، الذين ما بدلوا تبديلاً دفاعاً عن لبنان وعن جنوبه وكرامة إنسانه الشهداء: علي الحاج داوود، وسيم موسى موسى، أيمن كامل إدريس، علي خليل محمد، مصطفى عبّاس ضاهر، محمد ربيع المصري، حسن علي فرّوخ، موسى عبد الكريم الموسوي، محمد علي وهبي، محمد داوود شيت، حسن أحمد برجاوي، علي أحمد مهدي، حسن علي سكيكي، حسين علي عزّام، جعفر أمين إسكندر، محمد علي قميحه، حسين قاسم كرشت، موسى محمد سليمان، علي حسن عيسى، قاسم أسعد، محمد حسن سعيد، قاسم نزار برّو، والشهداء الرساليّون المسعفون: غالب حسين الحاج، حسين أحمد جهير، حسين عساف، محمد حمادي، سالي محمد سكيكي، غدير عبّاس ترحيني، غادة عبادي، حسين محسن والشهيدة الكشفيّة الطفلة أمل حسين الدرّ».
وأردف «والتحيّة أيضاً موصولة لكلّ الشهداء، لذويهم لعظيمِ صبرهم وكبير عطائهم، ولأهلنا الصامدين والنازحين من القرى الحدوديّة المتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلّة، من الناقورة غرباً الى أعالي العرقوب شرقاً في شبعا وكفرشوبا وقرى قضاء حاصبيا وما بينهما، أهلنا في القرى والمدن والحواضر في أقضية مرجعيون وصور والنبطيّة وبنت جبيل وجبل الريحان والبقاع وفي كلّ لبنان، ألفُ تحيّة لثباتهم وصمودهم وعمق وأصالة انتمائهم».
وعن قضية الصدر ورفيقيه، أكّدَ «عهد الوفاء والالتزام أن لا مساومة ولا مقايضة ولا تسوية إلاّ بعودتهم وكشفِ كلِّ ما يكتنفُ هذه الجريمة المتمادية منذ 46 عاماً من غموض»، لافتاً إلى أنّه «كلمّا طالَ أمدُها تترسّخُ لدينا القناعة بأنَّ من نفّذها ومن يتواطأ اليوم بعدم التعاون في حلّها إنَّما هو شريكٌ في ارتكاب هذه الجريمة التي لم يستفد منها سوى من كان يرى بالإمام الصدر ومشروعه النهضويّ والإنسانيّ خطراً عليه وعلى مشاريعه التقسيميّة والطائفيّة والعنصريّة، وفي مقدّمِ هذه المشاريع المشروع الإسرائيليّ الذي يتمظهرُ الآن بأبشعِ وأقبحِ الصور في غزّة والضفّة ولبنان وللأسف كان لهذا المشروع ولا يزال أدوات تنطق بالشهادتين وتلهجُ بلغةِ الضاد».
ورأى أنَّ «الإبادةَ التي تشنُّها آلةُ القتلِ الإسرائيليّة على الشعب الفلسطينيّ في قطاع غزّة وأيضاً ما يحصلُ في الضفّة الغربيّة ليس أقلّ خطورة مما يحصل في غزّة، يُضافُ إليهما الاستباحة للمقدَّسات الإسلاميّة والمسيحيّة في القدس الشريف وكنيسة القيامة فضلاً عن محاولات المستويين السياسيّ والعسكريّ الإسرائيليّ السعي الدؤوب لدحرجة كرة النار والدمار والقتل والإرهاب إلى أبعد من الجغرافيا الفلسطينيّة في خطوةٍ تُدلّلُ بما لا يقبل الشكّ، بأنّ ما حصل ويحصل فوق التراب الفلسطينيّ وتحديداً فوق رمال غزّة وفي مخيّمات النزوح حيث لم يكن أولها مجزرة المعمدانيّة وليس آخرها مجزرة مسجد التابعين بحقِّ المُصَلّين في صلاة الفجر، «وإنَّ قرآنَ الفجرِ كان مشهوداً»، وما بين هاتين المجزرتين ما يزيدُ عن 1500 مجزرة ذهبَ ضحيَّتها أكثر من 40 ألف شهيد، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير مُمنهج للمستشفيات ودور العبادة ومدارس أونروا، ناهيكَ عن أكثر من 150 ألف جريح يوازيها الجريمة السياسيّة التي ترتكبُها حكومةُ اليمين المتطرِّف برئاسة نتنياهو اغتيالاً لأيّ مسعى لوقف هذه الحرب التي لم تشهد البشريّة مثيلاً لها في عصرنا الحديث ويُخطئ الظنَّ من اعتقدَ أو لا يزالُ يعتقد، أنَّها كانت ردّاً على فعل فلسطينيّ مقاوم ومشروع لمجابهةِ الحصار والاحتلال».
وأوضحَ «أنَّ ما يحصلُ في غزّة وفي المنطقة وسطَ غيابٍ عربيّ وتواطؤ أو عجز دوليّ إذا ما أحسنّا الظنَّ، هو محاولةٌ مكشوفةٌ لفرضِ وقائع جديدة في جغرافيا الشرق الأوسط من بوابّة غزّة وفلسطين»،معتبراً أنّه «إذا سقطت غزّة كما يُخطّطُ لإسقاطها نتنياهو، سيكونُ هذا السقوط سقوطاً مدوّياً للأمّة في أمنها القوميّ وفي ثقافتها وتاريخها ومستقبلها والأدهى سقوطاً لحدودها الجغرافيّة تمهيداً لتقسيم المنطقة وتجزئتها إلى دويلات طائفيّة وعرقيّة متناحرة تكونُ فيها إسرائيل هي الكيانُ الأقوى».
وأكّدَ «إزاء المخاطر الكبرى المتأتية من استمرار الحرب العدوانيّة على قطاع غزّة» أنَّ «فلسطين في هذه اللحظات هي امتحانٌ يوميّ للضمير العالميّ، وأنَّ الوقوفَ مع الحقّ الفلسطينيّ المشروع في إقامةِ الدولة الفلسطينيّة المستقلّة وعاصمتها القدس الشريف وقبل أيّ شيء آخر، وقف المذبحة القائمة فوق رمال غزّة وشوارعها التي تحوّلت إلى قبورٍ جماعيّة هو امتحانٌ للإنسانيّة في إنسانيّتها، وامتحانٌ للعربِ في عروبتهم، وامتحانٌ للمسلمين في إسلامهم وللمسيحيين في مسيحيّتهم، والنجاحُ في هذا الامتحان لا يُمكن أن يتمّ إلاّ بتصعيد المقاومة للمشروع الصهيونيّ العنصريّ بكلِّ أشكال المقاومة المُتاحة دبلوماسيّاً وجماهيريّاً وثقافيّاً وبالسلاح مهما كان متواضعاً».
وقال «في العنوانِ المتصل بالحربِ الإسرائيليّة المفتوحة على لبنان ولا سيّما القرى الحدوديّة المتاخمة مع فلسطين المحتلّة والتي حوّلتها آلة الحرب الإسرائيليّة إلى أرضٍ محروقة، مستخدمةً الأسلحة المحرّمة دوليّاً ولا سيَّما القنابل الفوسفوريّة والانشطاريّة والارتجاجيّة، وتدميراً ممنهَجاً للمنازل والمرافق الحياتيّة وحرقاً للمساحات الزراعيّة والحرجيّة، فضلاً عن استهداف سيّارات الإسعاف وإستشهاد العشرات من المسعفين من كشافة الرسالة الإسلاميّة والهيئة الصحيّة، إضافةً إلى استهداف الإعلاميين وتوسعة كرة النار والعدوان أكثر من مرّة بإتّجاه العمق اللبنانيّ في الضاحية الجنوبيّة للعاصمة بيروت وفي صيدا وصور والبقاعين الغربيّ والأوسط وبعلبك والهرمل واستهداف المدنيين في النبطيّة وعيناثا وفي أكثر من بلدة على نحوٍ يكشفُ النيّاتِ الإسرائيليّة المبيَّتة إتّجاه لبنان، والتي تترافقُ مع تهديداتٍ يتبارى على إطلاقها ورفع سقوفها، قادةُ الكيان الإسرائيليّ على مدار الساعة، يهمُنا في حركة أمل تأكيد العناوين التالية:
أولاً: إسرائيل شرٌّ مطلَق والتعامُل معها حرام ونقطة على السطر .
ثانياً: التزامنا بنود ومندرجات القرار الأمميّ رقم 1701 وتطبيقه حرفياًّ وللإشارة هنا أنَّ كلَّ الموفدين الدوليين والأمميين ومنذ اللحظات الأولى لصدور هذا القرار، يشهدون أنَّ منطقة عمل قوّات الطوارئ الدوليّة منذ عام 2006 وحتّى السادس من تشرين الأول 2023، كانت المنطقة الأكثر استقراراً في الشرق الأوسَط، وفي هذا الإطار نؤكد أنَّ الطرف الوحيد المطلوب إلزامه بهذا القرار هي إسرائيل التي سجّلت رقماً قياسيّاً بانتهاك كلّ القرارات الأمميّة ذات الصلة بالصراع العربيّ الإسرائيليّ ومن بينها القرار 1701 الذي خرقته إسرائيل برّاً وبحراً وجوّاً بأكثر من 30 الف مرة.
ثالثاً: في ملفّ النازحين من أهلنا وما يرافقُ هذا الملف الإنساني والوطنيّ بامتياز من تداعيات لا بدَّ من توجيه الشكر والتقدير والامتنان لكلّ لبنانيّ أينما كان في الجبل الأشمّ، في الشَمال وجزين والبقاع والعاصمة الحبيبة بيروت، شكراً للذين شرّعوا قلوبَهم ومنازلَهم لإستضافة إخوانهم الوافدين من الجنوب، والشكر الجزيل جدّاً جدّاً، أيضاً لبعض اللبنانيين الذين تمنّعوا عن استقبال نظراء لهم في الإنسانية وفي المواطنية شكراً لهم و»شيمتُنا الصدرُ» حيالَ هذا التصرُّف، شيمتُنا، تعالياً وتجاوزاً للإساءات والتجريح، وتمسَّكاً أكثر من أي وقت مضى، بالوحدة الوطنيّة التي هي أفضل وجوه الحرب مع اسرائيل وبالتعايش الإسلاميّ المسيحيّ كثروةٍ لا يجوزُ التفريطُ بها».
ودعا الحكومةَ «ولا سيما الوزارات المختصّة إلى وجوب مغادرة مساحة الاستعراضات الإعلاميّة بإتّجاه إعداد الخطط والبرامج الطارئة والحضور اليوميّ في مراكز الإيواء، وتأمين أبسط المستلزَمات التي تحفظُ للنازحين كرامَتهم وعيشَهم الكريم».
ولفتَ إلى «أنَّ الذي يحصلُ في الجنوب أبداً ليس حوادث كما يحلو للبعض ويدعو هذا البعض أيضاً الحكومة إلى التبرؤ ممّا يحصل»، مؤكّداً «أنَّ ما يتعرّضُ له لبنان من بوابة الجنوب هو عدوانٌ إسرائيليّ مكتملُ الأركان، وما يقوم به دولةُ رئيس الحكومة وفريقه الحكوميّ هو واجبُ الوجوبِ وبمنتهى الصراحة والوضوح ولبعض الواهمين والمراهنين على متغيّرات يُمكنُ أن تفرضَ نفسَها تحت وطأة العدوان الإسرائيليّ نقول لهؤلاء: اتّقوا الله».
وفي ملف الإستحقاق الرئاسيّ، أكّدَ الرئيس برّي «باسمِ الثنائيّ الوطنيّ، حركةُ أمل وحزبُ الله، أنَّ هذا الاستحقاق هو استحقاقٌ دستوريٌّ داخليٌّ لا علاقةَ له بالوقائع المتصلة بالعدوان الإسرائيليّ، سواء في غزّة أو في الجنوب اللبنانيّ، بل العكس كّنا أول من دعا في جلسة تجديد المطبخ التشريعيّ وأمامَ رؤساء اللجان إلى وجوب أن تبادرَ الأطراف السياسيّة والبرلمانيّة كافّة إلى التقاط اللحظة الراهنة التي تمرُّ بها المنطقة من أجل المسارعة الى إنجاز الاستحقاق الرئاسيّ بأقصى سُرعة ممكنة تحتَ سقفِ الدستور وبالتشاور بين الجميع من دونِ إملاءٍ أو وضعِ فيتو على أحد».
أضافّ «واليوم نعودُ ونؤكّدُ على ما طرحناه في 31 آب من العام الماضي في مثل هذا اليوم، هو لا يزالُ دعوةً مفتوحةً للحوارِ أو التشاور، لأيّامٍ معدودة يليها دوراتٌ متتالية بنصاب دستوريّ من دونِ إفقاده من أيِّ طرفٍ كان. تعالوا غداً إلى التشاور تحتَ سقف البرلمان، وصولاً إلى رئيسٍ وطنيٍّ جامعٍ يستحقّه لبنان واللبنانيون في هذه اللحظة الحرجة من تاريخه».
وختمَ الرئيس برّي مجدّداً «العهدَ والوعدَ قولاً وعملاً جهاداً واستشهاداً دفاعاً عن لبنان وعن جنوبه مهما غلَت التضحيات، ومن أجل بقائه وطناً لجميع أبنائه، وطناً يليقُ بأحلام الشهداء وتطلّعات أبنائهم وآبائهم وكلّ اللبنانيين. وطناً قويّاً عزيزاً منتصراً».
على صعيدٍ آخر، استقبلَ الرئيس برّي في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة السفير السعوديّ لدى لبنان وليد بخاري، وكانَ بحثٌ في الأوضاعِ العامّةِ في لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائيّة بين لبنان والسعوديّة.