مقالات وآراء

بين الثابت والمتغيّر

صادق القضماني

مما لا شك فيه، أنّ قراءة المشهد يجب أن ترتكز على أساس الثابت والمتغيّر، حتى نستطيع تحديد هل أنّ المشهد يجسد القوة أو الضعف، وهذا كي نستطيع توجيه الفعل إلى حقيقته العميقة، وأثره على مستقبل هذه الحرب أو المعارك التي ما زالت مستمرة منذ شهور طويلة.
الثابت، أنّ ما يحدث في فلسطين مشهد مكرّر من حيث طريقة تنفيذ الهدف (الذهنية الصهيونية)، لكنه أكثر إجراماً ووحشية، وهذا يعود إلى الخطر الحقيقي الذي تمثله المقاومة كذهنية وفعل في الميدان من ناحية، والمتغيّرات العالمية تجاه مشروعية الكيان كما تم تسويقه خلال عقود.
المتغيّر، أنّ هذا المشهد المكرّر خلال عقود كانت “إسرائيل” المسيطرة فيه على النتائج، أما الآن فهي مفعول بها أيضاً. مفعول بوجودها وصورتها وقوّتها واستدامتها، وهذا ما نراهن عليه، لأنّ معادلة النصر الاستراتيجي في حرب الوجود هذه بتعدد تسمياتها أو منطلقاتها، ليست مرهونة فقط بصمود وبسالة الشعب الفلسطيني والمقاومة فيه فقط، بل بملايين المؤمنين بالحق العربي الفلسطيني، وهم الآن محور مقاوم على إمتداد ساحاته.
فرغم أنّ قادة الكيان وواشنطن ينفذون مخططات تشير أو توحي بأنهم قادرون، إلا أنّ الحقيقة، تؤكد بأنّ “إسرائيل” تتآكل ولن تستطيع الصمود لسنوات في معارك استنزاف كما يعتقد من يراهن عليها من حكام عرب وغير عرب.
بين الثابت والمتغيّر، أنّ المتغيّر الإيجابي (قوة المقاومة) جعل من “حلم توسع الكيان، إسرائيل الكبرى”، نقطة ضعف حقيقية للعدو. ويتمّ طرحه من الناحية الإسرائيلية كتعبير كاذب بهدف تثبيت القوة ورسالة طمأنة لمجتمع مستوطنيه عن حتمية مستقبلهم كأسياد للمنطقة (بروباغندا داخلية).
ومن الناحية الأميركية، للحقيقة فإنّ واشنطن تستغلّ أوهام وأحلام يقظة قادة الكيان، لتحارب بها في منطقتنا، (واشنطن كما حاربت في سورية بأدواتها وليس بجيشها، تحارب الآن بإسرائيل كأداة) فهي أُسّست وصُنعت من أجل هذا، حيث تعتقد واشنطن أنّ نصر الكيان مفيد وضروري استراتيجياً، وخسارتها ليست كارثة عليها.
فهنالك كيانات أخرى كـ “إسرائيل” ومن نسيج المنطقة ستقوم بدورها إذا خسرت “إسرائيل” هذه الحرب. فآليات الصراع في العالم الآتي ليست بحاجة لكيان باتت شعوب العالم تكرهه بوعي، وثقيل على حكومات الغرب وبلا نفع استراتيجي، والبدائل حاضرة.
هذه الشعوب ستعبّر عن رأيها الحقيقي في المستقبل القريب مما سيجعل من الكيان قاعدة عسكرية إرهابية تهدّد أمن واستقرار حتى الدول الغربية تلك، حيث ستصدح أصوات صهيونية من داخل قادة الكيان، بالتهديد والوعيد لكل حكومة غربية تغيّر نهجها تجاه الكيان، وسيكون النووي سلاح التهديد.
الثابت، أنّ ما يحدث الآن في فلسطين إجرام ممنهج نشهد وضوحه، بغطاء دولي ومن بعض الدول العربية.
من ناحية أخرى، فالمتغيّر أنّ ما تفعله المقاومة من الناحية الوجودية في الاحتلال أعمق أثراً وأكثر فتكاً، وعلى هذا الرهان لموعد الضربة القاضية، إن لم تنتصر بالنقاط.
الثابت أنّ كلّ احتلال إلى زوال حتى لو بدا قوياً. وإحدى دلائل ضعفه أنه لم يتعلم من تجاربه السابقة، وما زال يعتقد أنه يستطيع تركيع شعبنا بالقوة مسنوداً لِبَث وهم الاستقرار الآتي المبني على سيطرته المطلقة في المنطقة.
المتغيّر، أنّ هذا الاحتلال المغشي على عيونه، وتقوده ثلة من الفاسدين الإرهابيين بدعم من منظمة النهب الدولية، بدأت تزول مقوّمات وأسس وجوده وأوّلها دوره الوظيفي خدمة لتلك المنظومة الاستعمارية. وهذا بفعل المقاومة ومحورها، وبثبات الشعب الفلسطيني العظيم وكل عربي ومسلم رهن نفسه من أجل هذه القضية العادلة فعلاً وليس قولاً.
إنّ الرهان في معادلة النصر ليس مرهوناً لقدرة الكيان العسكرية ومن خلفه، بل لملايين من المؤمنين ذوي البأس الشديد، الذين لن يستسلموا أو يتنازلوا عن تحرير فلسطين. وهم الآن قادرون عسكرياً وأمنياً وإعلامياً واجتماعياً. والمؤمنون هم كلّ إنسان رهن نفسه وعقله وسلوكه من أجل إحقاق الحق بغض النظر عن الانتماءات الدينية والفكرية والسياسية، فالجميع ومهما تعدّدت الساحات، يجتمعون في هدف الوصول إلى ساحة واحدة تجمعهم، تسمّى فلسطين وكلّ أرض محتلة، كقضية عادلة بجميع المقايس.
الثابت، أنّ أدوات الاستعمار تقوم بدورها كما خُطط لها.
المتغيّر، أنّ فلسطين باتت القضية الإنسانية الأولى على مستوى شعوب العالم، وفي الميدان هنالك من يكسب النقاط في جولات مرهقة، ولن يستسلموا حتى تحقيق نصر حقيقي وحاسم.
والجدير ذكره، أنّ توسيع نطاق المواجهة وتحديداً توغل العدوان في الضفة الغربية، تحت هدف استئصال المقاومة وتحقيق أهداف أساسية بالقضاء نهائياً على أية إمكانية لدولة فلسطينية حتى لو كانت على حدود عام 1967، سيُدخل (إسرائيل) في أزمة لا تستطيع الخروج منها متى تشاء، إلا إذا أعلنت الهزيمة وهذا ما لن يحدث. فسيكتشف قادة الكيان أنهم في معارك لا يحدّدون مناطقها سلفاً، ولا يستطيعون النصر فيها بتاتاً. فالمقاومة باتت مجتمعاً كاملاً يمارس دوره في كافة الأشكال.
مما لا شك فيه، أنّ غباء ذهنية قادة الاحتلال مستمدة من القناعة بالفوقية الكاذبة، وبذات الوقت من دعم أدواتهم من العرب وتشجيعهم على تصفية القضية الفلسطينية. لكن هذا النهج وإنْ دلّ على شيء، فيدلّ على غشاوة بصيرة صنّاع القرار داخل الكيان، وبوهم أنّ أدواتهم لن يديروا ظهرهم، وهذا ما لن يحدث مستقبلاً تحت حتمية أنّ تلك الأدوات ستدافع عن بقائها كأنظمة بتغير خطابها ونهجها.
إنّ الكيان الصهيوني ورغم ما نراه من مشاهد توحي بدوام قوته، إلا أنه ضعيف ومهزوز وجودياً أمام شعبنا الفلسطيني ومقاومته. وهذا هو ميزان الرعب الحقيقي في معادلة صراع الوجود التي باتت فوبيا حقيقية جعلت من قادة الكيان يشرعون في تنفيذ مخططاتهم الكبرى، لعلهم يسابقون الزمن. والزمن ليس في صالحهم. فالشرط لزوال هذا الكيان بات أقوى بكثير من قدرتهم على تثبيت أعظم كذبة في التاريخ (إسرائيل الوطن القومي للشعب اليهودي)، مقابل فلسطين دولة عربية وقبلة دينية في أرض فلسطين للمسلمين والمسيحيين منذ آلاف السنوات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى