الضفة الفلسطينية… من الجنرال دايتون الى أبي شجاع ومن «السور الواقي» إلى «رعب المخيمات»
معن بشور
فيما تواصل المقاومة الفلسطينية بكافة فصائلها وكتائبها مواجهاتها البطولية للعدوان الصهيوني على الضفة الفلسطينية واقتحامات المسجد الأقصى يستعيد المتابعون ذكرى (عملية السور الواقي) التي انطلقت في ربيع عام 2002 (29 آذار/ مارس) واستمرت حتى 10 (أيار/ مايو) حيث استشهد المئات من المقاومين والمدنيين الفلسطينيين، ولا سيّما في ملحمة جنين التي يمكن اعتبار أبطالها الشهداء مؤسّسين للعديد من المواجهات التي عرفتها فلسطين المحتلة على مدى أكثر من عشرين عاماً.
ولعلّ نتنياهو يحاول اليوم ان يستعيد صورة شارون قائد عملية «السور الواقي» والتي، وانْ نجحت في تحقيق أهدافها الآنية آنداك، لكنها لم تستطع ان تحقّق أهدافها الاستراتيجية بالقضاء على المقاومة المسلحة، بل اضطرت الى بناء «الجدار العازل» كتعبير عن شعور بالعجز على القضاء على هذه المقاومة..
ويذكر المتابعون للحرب الإسرائيلية الدائرة اليوم على الضفة الغربية، استكمالاً للعدوان المستمر منذ 11 شهراً على غزة، أيضاَ اسم الجنرال الأميركي كيث دايتون الذي نصت الاتفاقات المتصلة باتفاق «أوسلو» المشؤوم على توليه زمام إدارة الأمور الأمنية في الضفة لتهيئة الأمور نحو «سلام شامل» و «أمن كامل» للاحتلال الصهيوني.
دايتون الذي جاء الى رام الله عام 2005، بُعيْد استشهاد الرئيس ياسر عرفات، أطلق شعاراً لمهمته وهو بناء «الفلسطيني الجديد»، وذلك عبر خطة تربوية واقتصادية واجتماعية متكاملة تجعل الفلسطيني ينصرف عن قضيته الوطنية ويتخلى عن فكرة الصراع مع المحتل الصهيوني.
وتأتي المواجهات التي تشهدها هذه الأيام مدن الضفة الغربية وبلداتها وقراها ومخيماتها، لتكشف للعدو وداعميه انّ عملية «السور الواقي» لم تستطع ان توفر للاحتلال أيّ وقاية، إلاّ في فترات محدودة كانت المقاومة فيها تسعى لإعادة بناء منظومتها الجهادية، وإنّ «الفلسطيني الجديد» الذي وعد به دايتون قد بات اليوم جيلاً جديداً من المقاومين الفلسطينيين الذي استطاع ان يؤكد انّ لديه من الإرادة والمقاومة ما يواجه بها المحتلّ في مقابل التفاوت الكبير موازين القوى العسكرية، ولعلّ أوضح نماذج هذا الفلسطيني تلك الكوكبة من شهداء المقاومة في الضفة وأخرهم الشهيد القائد أبو شجاع.
ويبقى السؤال هل يستطيع نتنياهو أن يحقق اليوم ما عجز عنه الجنرال دايتون قبل عشرين عاماً؟
وهل يستطيع جنرالات تل ابيب أن يحققوا بعدوانهم عن تحقيق ما عجزت عن تحقيقه عملية «السور الواقي».
وإذا كانت الإجابة على هذه الأسئلة تحتاج الى المزيد من الوقت لمتابعة تطورات الميدان، لكن هناك حقائق لا بدّ من أخذها بعين الاعتبار:
أولى هذه الحقائق انّ المقاومة التي واجهت عملية «السور الواقي» كانت وحيدة في ظلّ هيمنة أميركية كاملة على العالم وموقف رسمي عربي لا يختلف عن الموقف اليوم خصوصاً انّ الأنظمة كانت تنتظر حرباً أميركية على العراق وتتعامل معها إما كمتواطئة أو خائفة من تداعيات تلك الحرب عليها، فيما اليوم لا يستطيع أحد أن ينكر أنّ المقاومة في الضفة هي امتداد لمقاومة أسطورية في غزة مستمرة منذ السابع من أكتوبر 2023 ومتكاملة مع جبهة مقاومة ممتدة من جنوب لبنان الى اليمن وإيران مروراً بالعراق وسورية.
ثانية هذه الحقائق أنّ مجازر الاحتلال في عملية «السور الواقي» كانت محاطة بصمت مطبق على المستوى الدولي، حيث الحكام في عواصم الغرب متواطئون، والرأي العام صامت او مخدوع، فيما نجد اليوم شعوب العالم برمتها تتحرك تنديداً بحرب الإبادة الجماعية وتأييداً للحق الفلسطيني، وأنّ الكيان الصهيوني معزول بل ومنبوذ دولياً، بل ومصدر إحراج لأقرب داعميه.
وإذا كانت نتائج التعاطف الشعبي الدولي لم تثمر حتى اليوم إلا بقرارات دولية ومواقف كلامية، فإنّ مثل هذه الإدانة الشعبية الدولية تحتاج الى بعض الوقت لتفرض نفسها على صناع القرار الرسمي وإن أخذت ملامح التحول تظهر ولو بشكل محدود.
الحقيقة الثالثة هو أنّ المقاومة الفلسطينية، ومعها قوى المساندة، قد نجحت عبر السنوات الماضية في بناء منظومات قتالية وقدرات تصنيعية عسكرية بما يمكّنها من شنّ حرب استنزاف عرفتها كل حروب الشعب في العالم، كما عرفت ان نتائجها كانت دائماً لمصلحة الشعوب ضدّ المستعمرين والمحتلين.
الحقيقة الرابعة انّ هناك وحدة شعبية وميدانية فلسطينية لم تشهدها المقاومة الفلسطينية منذ سنوات، وان أجواء الانقسام التي سادت العلاقات الفلسطينية على مدى عشرين عاماً آخذة بالانحسار في الميدان عبر وحدة مقاتلي التنظيمات كلها، وحيث بات العدو مرتبكاً في تصويب نيرانه أمام فصائل ظنّ انه نجح في الإيقاع بينها واستخدامها في صراعات داخلية غير مدرك انّ الغالبية الساحقة من الفلسطينيين هدفها الجوهري هو تحرير بلادهم ومقاومة الاحتلال، وانّ كلّ خلاف او تباين يتراجع في معركة المصير.
الحقيقة الخامسة انّ التطورات التي تجري على المستوى الدولي تشي بوضوح أن عصر الأحادية في النظام الدولي يتراجع أمام نظام أكثر توازناً وعدلاً، وأنّ الهيمنة الأميركية على العالم تتراجع أمام جملة تطورات داخل الولايات المتحدة الأميركية ذاتها على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما خارج الولايات المتحدة من تنامي قوى التحرر من الهيمنة واتساع دور المنظومات الإقليمية والعالمية المستقلة عن النفوذ الأميركي ناهيك عن تلك الإجراءات التي تشي بالتخلي عن « الدولار الأميركي» ذاته الذي لم يعد عملة التبادل الوحيدة في العالم كما لم يعد السلاح الأفعل بيد واشنطن للضغط على حكومات العالم.
الحقيقة السادسة انّ العدوان على الضفة الغربية هو عدوان على دولة تحت الاحتلال، بل دولة نالت اعتراف أكثر من 145 دولة في الأمم المتحدة، وهو عدوان مخالف لكلّ المواثيق والأعراف والقوانين الدولية، بل هو عدوان على العالم بأسره المدعو اليوم أن يبادر الى إدانة هذا العدوان واتخاذ القرارات الملزمة لوقفه.
وإذا كان مجلس الأمن عاجزاً عن اتخاذ قرار ملزم تحت الفصل السابع بسبب الفيتو الأميركي، فإنّ الجمعية العامة للأمم المتحدة تملك صلاحية إصدار مثل هذا القرار تحت بند «الاتحاد من أجل السلام» الذي تمّ في ظله اتخاذ قرارات ملزمة لوقف الحرب في كوريا عام 1950، وخلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، والذي كانت دولتان تملكان حق الفيتو مشاركتين في ذلك العدوان آنذاك وهما بريطانيا وفرنسا.
الحقيقة السابعة وهي انّ الدول العربية والإسلامية التي كانت تتذرّع لتبرير صمتها او تواطئها مع العدوان على غزة بحجة انها حرب على منظمة فلسطينية يتهمها العدو بأنها إرهابية، كحماس، فما حجة هذه الأنظمة اليوم امام عدوان على الضفة الغربية التي تحكمها دولة معترف بها في جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي و 145 دولة في العالم.
انّ هذه الأنظمة مدعوة اليوم الى اتخاذ قرارات رادعة للكيان الصهيوني، لعلّ أبسطها طرد سفراء هذا الكيان من بلادها وإلغاء اتفاقات التطبيع، وفرض إجراءات عقابية اقتصادية وسياسية على داعمي الكيان ناهيك عن دعم المقاومة التي لا تدافع عن فلسطين وحدها، بل عن المنطقة بأسرها.
فاليوم يستهدف العدوان الضفة الفلسطينية، وغداً الأردن ولبنان ومصر وسورية والعراق في مشروع لا يخفيه أصحابه.
هذه الحقائق، وربما غيرها ممن ستأتي به «الأيام والليالي والميدان»، حسب ما قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، تؤكد دائماً انّ «السور الواقي» عام 2002، لن يتكرر عام 2024 وانّ «الفلسطيني الجديد» الذي وعد به دايتون هو الفلسطيني المصمّم اليوم على المقاومة حتى النصر أو الاستشهاد…