الردّ الحاسم من حزب الله… وتل أبيب (يافا) تحت القصف
د. جمال زهران*
ليس مفاجأة لنا وللمهتمّين بشدة وبعمق، أن يقوم حزب الله، بالردّ على عملية الاغتيال للقائد السيد فؤاد شكر (قائد الجناح العسكري في حزب الله، والرجل الثاني في الحزب). فقد أعلن السيد حسن نصر الله في آخر خطبه، قبل الردّ، أنّ الردّ على عملية الاغتيال، حتميّ، ولا رادّ له على الإطلاق. ومن ثم، فإنه عندما يتحقق الردّ، من صاحب «الوعد الصادق»، يكون طبيعياً، وليس مفاجأة، ثقة في ما ذهب إليه من وعود، السيد حسن نصر الله، من قبل. إلا أنّ المفاجأة رغم التوقع في أيّ وقت، هو الميقات، وهو صباح يوم الأحد الموافق 25 أغسطس (آب) 2024م. وفي اليوم ذاته، وفي تمام الساعة السادسة مساءً، وبعد إتمام العملية بعدة ساعات، وقد تحدّد علناً، أن خاطب السيد حسن نصر الله، الرأي العام اللبناني والعربي والإسلامي، بأهمية ما حدث، وكيفية التخطيط والخيارات، ومضمون العملية وأهدافها، وهو خطاب يمثل إطاراً ومرجعية في التحليل الاستراتيجي والتكتيكي.
وقد فسّر السيد حسن، التأخير في الردّ، بإرجاعه لعدة أسباب أهمّها:
ـ هل الردّ يكون فردياً (أيّ أنّ كلّ طرف مقاوم يتصرّف ويردّ وحده)، أم الردّ يكون جماعياً (أيّ أنّ كلّ الأطراف المقاومة تقوم بالردّ معاً وفي وقت واحد)، وكان التوافق هو أن يكون الردّ لكلّ طرف مقاوم على حدة، كما حدث وبدأ حزب الله بالردّ ثأراً، للاغتيال الصهيوني للقائد السيد فؤاد شكر. وأنّ الأمر متروك في الردّ لإيران واليمن، ثم تستمرّ المقاومة وجبهاتها في الإسناد دعماً لغزة، وضدّ الكيان الصهيوني الذي يمارس عملاً إرهابياً، وإبادة جماعية ممنهجة ضدّ شعبنا العربي في غزة، وذلك حتى يتمّ حسم النصر للمقاومة.
ـ أما مضمون الردّ من حزب الله، وفقاً لما شرحه السيد حسن نصر الله، فقد تركز في إطلاق (340) صاروخاً دفعة واحدة بطول الشمال الفلسطيني المحتلّ وبطول الحدود اللبنانية والسورية مع فلسطين المحتلة وحتى الجولان، واستهدفت ضرب قواعد ومواقع عسكرية في طول هذه المساحة ولعمق نحو (20) كم، وقد استهدفت هذه الصواريخ تشتيت الدفاع الجوي للكيان الصهيوني، والتشويش على القبة الحديدية. في الوقت الذي كانت الطائرات المُسيّرة في طريقها للهدف الرئيسي وهو قاعدة الـ (8200) الصهيونية، الاستخباراتية المعدة لارتكاب جرائم الاغتيالات، وفقاً لقاعدة المعلومات المتوافرة لدى القوات العسكرية للحزب، وأنه قد حققت هذه الطائرات المُسيّرة أهدافها ضدّ هذه القاعدة والمسماة بـ (غليلوت). كما استهدفت هذه الطائرات أيضاً، قاعدة (عين شيمر)، للدفاع الجوي، وهي قاعدة عسكرية مهمة، ولكنها ثانوية في ما استهدفه الحزب. أيّ أنّ قاعدة (غليلوت)، هي الرأس المستهدف بجدارة.
أما ما حدث في ضربات أخرى ضدّ زورق في البحر المتوسط، أو مواقع أخرى قريبة من البحر، والتي أعلن عن مقتل شخص واحد، وإصابة ثلاثة، فهي فروع الفروع، وليست أهدافاً كبرى، مثل القاعدة (غليلوت).
وأشار السيد حسن نصر الله، أنّ الضربة العسكرية ثأراً لاستشهاد القائد السيد فؤاد شكر، قد انتهت، في حالة إذا ما اعترف الكيان الصهيوني بتفاصيل ما حدث. أما إذا لم يعترف، فإنّ الحزب يحتفظ لنفسه بالردّ مرة أخرى، ثأراً لاغتيال شكر. أيّ أنّ الردّ في حالة استمرارية، والكرة في ملعب الكيان الصهيوني، الذي يبدو التأثر الشديد على وجه عصابة الحكم في الكيان (النتن/ياهو – غالانت – سموريتش – بن غفير).
والسؤال: أين تقع هذه القاعدة الاستخبارية (8200)/ غليلوت؟ تقع عن بعد (120) كم، من حدود لبنان، وتبعد (1500)م، من قلب تل أبيب، أيّ أنها – وهي الهدف المركزي في ردّ حزب الله، في قلب تل أبيب. بينما القاعدة العسكريّة (عين شيمر) فهي تبعد (75) كم، عن حدود لبنان، (40) كم عن تل أبيب. أي أنّ الهدف المركزي هو الذي يقع في العاصمة تل أبيب (يافا الفلسطينية)، بينما يقع الهدف الفرعي خارج هذه العاصمة.
إذن: أصبحت تل أبيب (يافا) عاصمة الكيان الصهيوني، موقعاً للضربات والتدمير من المقاومة من كلّ اتجاه. فقد بدأتها المقاومة الفلسطينية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وازدادت في ما بعد «طوفان الأقصى»، وللآن، وآخرها ضربات من رفح، ومن خان يونس، ومن الشمال في غزة، الأمر الذي يؤكد أنّ تل أبيب، عاصمة تطالها المقاومة الفلسطينية أولاً.
ثم فوجئنا بضربة ثانية وقاتلة، أفزعت الكيان الصهيوني، من أنصار الله في اليمن، حيث ضربت قلب تل أبيب، وكانت ضربة مؤثرة هزّت الحكومة والكينست وعصابة الحكم والمحتلين ممن يسمّون أنفسهم شعب الكيان. وساد الفزع والخوف والرعب، الأمر الذي أدّى بعصابة الحكم في الكيان، بالإسراع في توجيه ضربة عسكرية كبرى ضدّ ميناء الحديدة، وعلى بعد (2200) كم، من تل أبيب، وبمساعدة دول كبرى، وصمت من دول إقليمية عربية، لا تزال من أسرار هذه العملية. وهو الأمر الذي استحلف معه اليمن، أن يردّ بضربة عسكرية ضخمة جاري الإعداد لها، لتكون مؤثرة وفعّالة ومرعبة للكيان الصهيوني، ولكنها ضربة حتميّة، كما قال السيد عبد الملك الحوثي.
وبهذا الشكل، فإنّ تل أبيب، العاصمة التي أشيع أنها تتمتع بحماية كبرى، لا تضارعها أي حماية لأكبر العواصم في العالم، أصبحت هدفاً للضرب والتدمير، الأمر الذي يصبّ في اقتراب نهاية الكيان الصهيوني، الذي دخل المربع الفعلي للزوال، وتصاعد الأمل بعد «طوفان الأقصى»، في السابع من أكتوبر عام 2023م، بعد أن أصبحت عاصمته مستهدفة بالقصف.
أما الضربة المقبلة من إيران، ثأراً لاغتيال السيد إسماعيل هنية، على أرضها، وانتهاك سيادتها وشرفها، فهي حتمية أيضاً، ولكن السؤال: هل ستستهدف تل أبيب العاصمة، أيضاً كما استهدفتها في الضربة الأولى في 12 إبريل الماضي؟ فإنّا لمنتظرون…
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس، جمهورية مصر العربية