أولى

الكيان على وشك الانهيار!

 د. محمد سيّد أحمد

تحدثنا كثيراً منذ بدء عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عن السيناريوات المتوقعة بعد انتهاء الحرب على غزة، وكانت هناك ثلاثة سيناريوات مطروحة على ساحة التحليل السياسي، الأول هو سيناريو الحرب الكبرى، والثاني هو سيناريو إقامة الدولة الفلسطينية، والثالث هو سيناريو تفكيك الكيان. وكانت قناعتي وقراءتي للمشهد تؤكد على استبعاد السيناريو الأول على الرغم من أنّ الكثير من المحللين السياسيين كانوا يؤكدون أنّ كلّ الشواهد تشير أننا ذاهبون لهذه الحرب الكبرى لا محالة، لكن رؤيتي كانت ترى أنّ هذا السيناريو معقد للغاية وهناك صعوبة في تحقيقه على أرض الواقع، خاصة أنّ القوى العظمى على المستوى الدولي سواء الولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو، أو القوى المنافسة والمناوئة لها والمتمثلة في روسيا والصين ومجموعة دول بريكس الذين يسعون بقوة لتأسيس نظام عالمي جديد ثنائي القطبية، ليسوا على استعداد لنشوب مثل هذه الحرب الكبرى، التي حتماً ستكون حرباً عالمية ثالثة مدمّرة، بل أكدتُ على أن الولايات المتحدة الأميركية ذاتها الداعم الأول للعدو الصهيوني لا تسعى لتوسيع دائرة الحرب في هذه المنطقة من العالم، فكلما تسارعت كرة اللهب التي يلعب بها بنيامين نتنياهو لقيام حرب إقليمية موسّعة تدخلت الولايات المتحدة الأميركية لتبريدها، ذلك لقناعتها بأن هذه الحرب الإقليمية الموسّعة يمكن أن تتحوّل لحرب عالمية كبرى، وهذا الأمر ليس في صالحها ولا صالح الكيان الصهيوني المزروع داخل منطقتنا لتنفيذ الأجندة الأميركية، فما زالت القوى الكبرى في العالم تخوض حرباً باردة، وما زالت القوى الإقليمية الكبرى هي الأخرى تخوض الحرب الباردة نفسها وليست لديها الرغبة ولا الإمكانية حتى الآن لتحويل هذه الحرب الباردة لحرب ساخنة ومواجهة عسكرية كبرى ومباشرة مع العدو الصهيوني، وهذا ما تأكد خلال الأيام الماضية بعد اغتيال القائد السياسي لحماس الشهيد إسماعيل هنية، والقائد العسكري لحزب الله الشهيد فؤاد شكر، فعلى الرغم من ردّ حزب الله وانتظار الردّ الإيراني إلا أنّ السجال بين المقاومة والعدو الصهيوني لا يُنذر بحرب كبرى رغم التهديدات المتبادلة.
وكانت ولا زالت قناعتي تستبعد أيضاً السيناريو الثاني المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية، فهذا السيناريو أشبه بالمستحيل. فالعدو الصهيوني ومن خلفه العدو الأميركي لن يسمحا بهذا السيناريو لأنه ضد العقيدة الصهيونية التي أنشئ الكيان من أجلها. فالمشروع الصهيوني قائم على فكرة «إسرائيل الكبرى» من النيل إلى الفرات، وأولى خطوات تحقيق هذا الهدف هو احتلال كامل الأرض العربية الفلسطينية، ثم التوجه بعد ذلك للمناطق العربية التالية سواء في مصر وصولاً للنيل أو في الأردن ولبنان وسورية والعراق وصولاً للفرات، وما يقوم به بنيامين نتنياهو من حرب إبادة لشعبنا الفلسطيني في غزة يؤكد ذلك ويدعمه، بل ما تؤكده أيضاً تصريحات دونالد ترامب المرشح الرئاسي الأميركي الذي أكد مؤخراً أن هذه الأرض التي يحتلها الكيان الصهيوني ضيّقة عليه ولا بدّ من توسعتها، لذلك سوف يساعد العدو الصهيوني بكلّ قوة لكي ينتصر في عدوانه على غزة، وبذلك ليس من المعقول لهذه العقلية الصهيونية التي تبيد الشعب الفلسطيني ومنعته عبر ٧٧ عاماً من إقامة دولته المستقلة أن يقيمها الآن.
وكانت ولا زالت قناعتي ترى أن سيناريو تفكيك الكيان وانهياره هو الأقرب للتحقيق على أرض الواقع، فالتربة مهيأة لتفكيكه لأنه لا ينطبق عليه مفهوم الوطن، والمستوطنون الصهاينة الذين تمّ جلبهم لهذه الأرض المغتصبة ليس لديهم أي انتماء فطري، ولا تاريخ مشترك، ولا يشعرون بالأمن والأمان، لذلك فرّ أكثر من مليون مستوطن منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى، وتؤكد المصادر الصهيونية أنّ 40% من المستوطنين يرغبون في الفرار والهرب من هذا الجحيم، وما يؤكد أن الكيان على وشك الانهيار ما حدث خلال اليومين السابقين من تظاهرات ضخمة بمئات الآلاف من المستوطنين ودعوات للإضراب الشامل في الكيان المؤقت، حيث أعلن الاتحاد العام للعمال (الهستدروت) تنفيذ إضراب عام سعياً لوقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى المحتجزين في قطاع غزة لدى حركة حماس، وذلك بعد إعلان الجيش الصهيوني العثور على جثث ستة منهم، وانضم للإضراب زعيم المعارضة يائير لابيد ومعه عائلات الرهائن وطالب بانعقاد جلسة خاصة للكنيست (البرلمان) لمناقشة صفقة وقف إطلاق النار في غزة وتبادل الأسرى مع حماس، وتشارك في الإضراب وزارات الدفاع والداخلية والمالية والاقتصاد والنقل والتعليم، وبالطبع يعدّ هذا هو التحرّك الأكبر في الداخل الصهيوني للضغط على بنيامين نتنياهو وحكومة اليمين المتطرف لوقف العدوان على غزة والذي فشلت فيه كل الحكومات حول العالم وكل القوى والمنظمات الدولية عبر الشهور الـ 11 الماضية.
ويمكننا القول إنّ صمود المقاومة الفلسطينية البطلة والشجاعة ومعها جبهات الإسناد في لبنان واليمن والعراق والتي كبّدت العدو الصهيوني خسائر هائلة منذ طوفان الأقصى هي التي استنزفت الكيان وهزمته بالنقاط، وهي التي ستدفع الكيان للانهيار، كما أكد سماحة السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير: «على هذا العدو أن يحذر جيداً حقيقة وطبيعة لبنان والمتغيرات الكبرى التي حصلت، فلبنان لم يعد لبنان الضعيف الذي تستطيعون اجتياحه بفرقة موسيقية، بل قد يأتي اليوم الذي نجتاحكم فيه بفرقة موسيقية». فالمقاومة أصبحت تمتلك من القوة التي تزلزل أركان الكيان وتدفعه دفعاً للانهيار، اللهم بلغت اللهم فاشهد…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى