أولى

خطاب نتنياهو: المأزق الوجودي

ربما يكون انتباه الكثيرين في خطاب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ليل أمس، عبر مؤتمر صحافي للمرة الثانية في يومين، استكشاف مصير المسار التفاوضي المغلق، ورؤية ما إذا كان هناك ما يبشر بحلحلة القضايا التي تعيق التوصل إلى اتفاق، لكن من استمع إلى كلام نتنياهو استطاع أن يقرأ بين كلماته اعترافاً تاريخياً بفشل كيان الاحتلال ومواجهته المأزق الوجودي.
أراد نتنياهو أن يبرر سبب تمسكه بمحور فيلادلفيا في مسارات التفاوض، فاضطر أن يعود الى الانسحاب من لبنان عام 2000، والانسحاب من غزة عام 2005، ليقول إن شراء الأمن للكيان عبر الهروب من المواجهة والتراجع أمام قوى المقاومة انتهى بفشل ذريع وتحديات لا قدرة على تحمل تبعاتها، مشيراً الى ما يمثله حزب الله شمالاً وما تمثله حماس جنوباً.
السؤال الذي لم يجرؤ نتنياهو على الإجابة عليه، هو لماذا لم يستطع الذهاب إلى شنّ حرب على لبنان، طالما هدد بها لوقف التحدي الجاري في شمال فلسطين المحتلة؟ ولماذا يقبل التفاوض مع حماس ويكتفي بطرح شرط تفصيلي بحجم الاحتفاظ بمحور فيلادلفيا، ولا يتبنى موقفاً علنياً برفض التفاوض ويقول إما نحن وإما هم على جبهتي لبنان وغزة؟
السياق الطبيعي للمقدّمات التي عرضها نتنياهو هو الحرب التي تنتهي بهزيمة كبرى أو نصر كبير، لكن نتنياهو يتفاوض مع حماس، ويتحدّث عن اتفاق تصنعه الوساطات لتخفيض التصعيد مع حزب الله بانتظار الاتفاق في غزة بما يوقف النار شمالاً، ولا يعترف بأن سبب ذلك هو أن الكيان فشل في ربح الحرب في غزة وعاجز عن خوض الحرب شمالاً.
ما يطلبه نتنياهو فعلياً هو هدنة مع أرجحية نقطة لصالحه تحفظ لكيانه التماسك المؤقت، وهو يدرك أن الحصول على تلك النقطة رهن بربح الحرب التي لا يستطيع ربحها، وإلا لما كان دخل مسار التفاوض، ولذلك ينتفض كيانه ضده، لأنه لا يرى أملاً من الفوز في هذه الحرب، والصراع الدائر في الكيان هو عملياً بين قبول هدنة تعبر عن موازين القوى التي لا يملك فيها الكيان فرصة ربح الحرب، وبين الدعوة لهدنة بشروط منتصر في حرب لمن لم ينتصر فيها.
مأزق الوجود هو هنا، العجز عن إنجاز تسوية من موقع الخاسر في الحرب، من قبل العاجز عن المضي بها إلى تحقيق النصر.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى