الحرب المفتوحة على الضفة الغربية
سعادة مصطفى أرشيد*
لم تتوقف الحرب في الضفة الغربية بين المقاومة الفلسطينية ودولة الاحتلال منذ عام 67 حتى الآن وإنما كانت تخبو أحياناً وتشتعل في أحيان أخرى. أما في السنوات التي سبقت السابع من تشرين الأول الماضي فقد كانت على قدرٍ عالٍ من الحرارة ولم تتوقف المواجهات خاصة في شمال الضفة الغربية، لكن حرب تشرين الثانية عادت وأضافت وقوداً جديداً للمقاومة من جانب، وشحنات من الحقد من قبل دولة الاحتلال من جانب آخر، فأعلنت منذ حوالي أسبوعين الحرب المفتوحة على الضفة وعلى شمال الضفة الغربية حرباً بلا قواعد وبلا ضوابط، بالضبط على الطريقة ذاتها التي دارت بها الحرب في غزة، وإنْ اختلفت في بعض التفاصيل أهمّها في جزئية واحدة حتى الآن وهي أنّ الآلية الأهمّ والأخطر من آليات جيش الاحتلال العاملة في شمال الضفة الغربية هي الجرافات الثقيلة لا الدبابات كما هو الحال في غزة.
ما فعلته دولة الاحتلال خلال أسبوعين في جنين وطولكرم يعادل، لا بل ربما يفوق، ما فعلته آلة الحرب في غزة في مثل هذه الفترة القصيرة. فمن يرى ما يجري في شوارع مخيم جنين وحارتها الشرقيّة كما في طولكرم يشعر أنّ زلزالاً كبيراً قد أصاب هذه المناطق التي لم يبقَ فيها شارع أو شبكة كهرباء أو ماء أو صرف صحي وصولاً إلى الاعتداء على المستشفيات وسيارات الإسعاف والمسعفين والمدارس والصحافيين وكلّ ما يتحرّك.
وفي حين يعبّر السلوك الدمويّ التدميريّ (الإسرائيليّ) عن نفسية الاحتلال الإجراميّة والقديمة المعروفة منذ نشأته من جانب، وعن الانتقام والثأر بسبب فشله في حرب غزة من جانب آخر، وكما تفعل شخصية الجبان من قسوة ورغبة في استعمال فائق القوة، إن امتلكت ذلك، إلا أن الجانب الثالث وهو الأهم والأول بترتيب الأهمية هو أن لكل هذا الإجرام وظيفة سياسية مدروسة وسابقة حتى للسابع من تشرين الأول الماضي .
تعود الوظيفة السياسية لما يجري في شمال الضفة الغربية للتفكير الجمعي للعقل السياسي (الإسرائيلي) للعام 1967. فقد كان أرباب حزب العمل يرون في الضفة الغربية حاجة استراتيجية، وهكذا أصبح السياسي (الإسرائيلي) يراها إما أرضاً (إسرائيلية) لأسباب دينية وتوراتية أو لأسباب جغرافية وجيو – استراتيجية، وكذلك كانت جميع التصوّرات تقوم على ضرورة عدم إعادة الضفة الغربية للمملكة الأردنية الهاشمية أو بالحيلولة دون إقامة كيان فلسطيني حتى ولو كان هزيلاً ولا يرقى لمستوى دولة وبلا سيادة وبلا سلاح. هكذا ذكر الاستراتيجيون في حينه وعلى رأسهم ايجال الون عام 1968. وبشكل أكثر حدة كتب نتنياهو في منتصف التسعينيات في كتابه «مكان بين الأمم» أنه لا يمكن التنازل عن الضفة الغربية ولا بأي حال من الأحوال.
هذه التصوّرات (الإسرائيلية) كانت على الدوام آخذة في التطوّر نحو مزيد من التطرّف والرغبة في الضمّ والسيطرة وهو ما عاد وعبّر عنه قبل سبع سنوات الوزير الحالي في خطته القاضية بضمّ 81% من الضفة الغربية على الأقل ودفع الناس للهجرة إلى الأردن ثم إلى جهات الدنيا الأربع، وإن كان لا مانع لديه من بقايا أعداد قليلة من الفلسطينيين ليعملوا حطابين وسقائين حسب النص التوراتيّ والذي يمكن ترجمته بلغة معاصرة بالقول في أعمال جمع النفايات. وهذه الخطة هي جزء مهم وأساسي في برنامج الحكومة الإسرائيلية الحالية.
قبل أيام عقد نتنياهو مؤتمراً صحافياً تصرّف فيه وكأنه ملك من ملوك «إسرائيل» التوراتيين تحدّى فيه الولايات المتحدة وخصومه في الداخل العاملين على إسقاطه لا بل وبعض أركان حكومته وعلى رأسهم وزير دفاعه غالانت، فحاول الظهور بمظهر القوي والوريث للملك شاوول التوراتي فكان يحمل خريطة (إسرائيل) التي تشمل كامل الضفة الغربية وتطرّق في حديثه الى أن الانسحاب من معبر فيلادلفيا في قطاع غزة غير وارد، فيما لحق بنتنياهو وزير خارجيته الذي قال إن على قرابة 700 الى 800 ألف فلسطيني يملكون أرقاماً وطنية أردنية أن يغادروا الضفة الغربية إلى الأردن بشكل نهائي.
الترجمة السياسية لما تقدّم تفيدنا أن نتنياهو وفريقه يرون ضرورة القفز على كل الاتفاقات التي عقدتها دولة الاحتلال لا بل وتمزيقها مهما تماهت معهم أطرافها وقدّمت من تنازلات تضم الضفة الغربية بالكامل يعني نهاية اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين والبقاء في منطقة محدودة، يعني أن لا قيمة لاتفاق كامب ديفيد بعد الآن وتهجير مئات آلاف الفلسطينيين ويعني نهاية اتفاق وادي عربة لا بل ونهاية الأردن كدولة بشكلها الحالي.
الحرب لا زالت قائمة ونجاح الخطة (الإسرائيلية) لن يكون إلا بهزيمة غزة وهو الأمر الممنوع حدوثه، لأنه لن يكون هزيمة للفلسطينيين فحسب وإنما هزيمة للمشروع المقاوم الذي عليه أن يدافع عن نفسه من خلال دفاعه عن فلسطين.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين – فلسطين المحتلة