أوكرانيا والتدخل في الملف السوري
د. حسن مرهج*
في سياق التدخلات الإقليمية والدولية المتعلقة بالملف السوري، والمؤثرة على أسس وماهية الحلّ وما يريده السوريون، يبدو واضحاً أنّ هناك معطيات جديدة تؤطر الأزمة السورية، والتي يبدو أنها ستدخل في نطاق المصالح الجديدة، ولا يُخفى على أحد، أنّ الجميع وفي هذا التوقيت يحاولون استثمار ما حققته الدولة السورية من عناوين سياسية جديدة، تتعلق بحالة الانفتاح على دمشق، والحديث عن رغبات تركية بإعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق، لتأتي تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في توقيت إقليمي ودولي مؤثر، خاصة أنّ لافروف أعطى ملامح جديدة للملف السوري، أبرزها لقاء قريب سوري ـ تركي، ونصائح لـ «قسد» بفك إرتباطها بالولايات المتحدة.
ما سبق يبدو أنه أثار حفيظة المتأثرين سلباً بالوصول إلى حلّ للأزمة السورية، وبطبيعة الحال فإنّ كلّ التقارير التي تتعلق بـ سورية، وما يتمّ تداوله في سياقات متعددة، يجب التعمق بها ومقاربتها وفق ما يمكن تسميته بـ الواقع السوري الجديد. وعليه فإنّ التقارير التي تحدثت عن قيام أوكرانيا بزيارة سرية إلى إدلب، واللقاء الذي جمع ضباط أوكران مع عناصر من الحزب التركستاني الإرهابي، وتزويد الأخيرة بمُسيّرات انقضاضية لاستخدامها ضدّ القوات السورية والروسية على السواء، كما تحدثت التقارير عن تعاون بين قوات «قسد» وأوكرانيا بغية مهاجمة القوات الروسية في سورية.
المعطيات السابقة يجب مقاربتها وفق منظورين:
الأول: من المعروف للجميع بأنّ إدلب وعموم مناطق الشمال السوري تخضع للنفوذ التركي، وبمنطق الأمور فإنّ كلّ ما يحدث في إدلب يتمّ تحت أعين تركيا ورجب طيب أردوغان، وبالتالي فإنّ الحديث عن زيارة ضباط أوكران إلى إدلب، لا يخرج عن المنظور التركي، وتظهير التقرير للإعلام، فإنّ الغاية من ذلك هو توجيه رسالة إلى كلّ من دمشق وموسكو على السواء، بأنّ تركيا قادرة على توظيف أوراقها بما يزعج سورية وروسيا، وبالتالي قد يكون ذلك رغبة تركية بتسريع المصالحة مع دمشق بناء على الواقع الجغرافي الراهن، ومن ثم التباحث في انسحاب القوات التركية من سورية، وبذات الإطار فإنّ «قسد» لا تبدو بعيدة عن هذا الإطار، لتكون زيارة ضباط أوكران إلى مناطق «قسد»، عنواناً أميركياً بضرورة إعادة التواصل بين دمشق وكردها، لكن وفق المطالب الأميركية.
الثاني: بصرف النظر عن صحة ما ورد في التقرير، إلا أنّ توقيته يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار، خاصة أنّ هناك معلومات تؤكد بأنّ روسيا وإيران عازمتان على تحقيق المصالحة السورية التركية قبيل الانتخابات الرئاسية المرتقبة في الولايات المتحدة، فضلاً عن رغبة روسية بضمان تحقيق عودة العلاقات السورية التركية بما ينعكس إيجاباً على الملف السوري، وبما يحقق أيضاً أرتياحاً روسياً في أوكرانيا، ونتيجة لذلك فإنّ ما ورَد في التقرير وبصرف النظر عن مدى صحته، إلا أنه تلميح واضح أميركي تركي، يطال روسيا وإيران وسورية، هدفه الأول تعقيد المعطيات السورية.
إذاً ثمة محاولات أميركية وتركية لتعقيد الملف السوري ومحاولة خلط أوراقه، والواضح أنّ تركيا تحاول اللعب على حبال متعددة، وكعادة أردوغان الذي يحاول الاستثمار في الملف السوري، واستثمار ما يملكه من أوراق قوة، بما يحقق له غايات سياسية في الداخل التركي، وابتزاز روسيا وإيران، وإجبار دمشق على قبول إعادة العلاقات وفق الرغبات التركية.
والأمر الآخر فإنّ الولايات المتحدة أيضاً لا ترغب بإعادة العلاقات بين دمشق وأنقرة، فهذا التموضع الجديد سيكون له تأثيرات كبيرة على الولايات المتحدة ونفوذها في سورية، وهذا الأمر لا تريده واشنطن في التوقيت الحالي، من هنا فإنّ واشنطن تعمل على العبث بالجغرافية السورية، ولا ضير من تحريك ورقة الإرهاب ضدّ الجميع.
ختاماً، يبدو أنّ الأزمة السورية وربطاً بمحاولات خلط أوراق الملف السوري، فإنّ هناك مساراً جديداً يتمّ التحضير له، ولعلّ البحث عن محدّدات إنهاء الأزمة سواء في الإصلاحات الداخلية في سورية، أو المسارات السياسية الخارجية تجاه سورية، فإنّ كلّ ذلك يُقلق واشنطن وأنقرة، ولا بدّ من الإسراع في استثمار الواقع السوري، للحصول على مكاسب متعددة من الجغرافية السورية، لكن يبقى أن نقول بأنّ دمشق أيضاً لديها أوراق بعضها ظهر، والآخر ينتظر موعداً استراتيجياً ليتمّ إظهاره، وبظهوره ستكون المفاجآت…
*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية