مقالات وآراء

الاستشفاء والدواء: إجراءات ترقيعيّة تُبقي الفقراء في الدّوامة…!

‬ هَدا عاصي*

يُعاني القطاعُ الصّحي في لبنان «أزمة وجوديّة» حادّة متعدّدة الأبعاد، معظمُ أسبابها ناتج عن أداء الدولة، أيّ الحكومات المتعاقبة، والذي أوصلَ البلاد إلى حافّة الانهيار في كلّ قطاعاتها، لكنّ أبرزَها تمثّل في القطاع الصحيّ ونظامه الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالنظام الاقتصاديّ الاجتماعيّ في أيّ دولةٍ في العالَم.
وبالرغمِ من أنَّ كلفة الطبابة وأسعار الدواء المرتفعة نسبيّاً مقارنةً مع الدخل الفرديّ، كانت همّاً مقلقاً لذوي الدخل المحدود، إلاّ أنّ حدّة هذه الأزمة اشتدّت مع الانهيار الماليّ للدولة منذ عام 2019، بعضُها بفعلِ سياسات مصرف لبنان التي فاجأت القطاعات المرتبطة أو التي تُعتبر من المداميك الأساسيّة للنظام الصّحي في لبنان، كالدواء والغذاء والوقود والكهرباء والمياه والصرف الصحيّ، وذلكَ برفعِ الدعم الماليّ عن بعض هذه القطاعات والتأخُّر أو رفض فتح اعتمادات لبعضها الآخر، ما أدّى بالتالي إلى مضاعفة الأعباء على المستشفيات والمراكز الصحيّة، إضافةً إلى تزايد أعداد المرضى بمختلف أنواعهم.
ونتيجةً لذلك، عمدَت المستشفيات الخاصّة إلى رفعِ تعرفة الطبابة ورفض استقبال أيّ مريض مهما كانت حالته الصحيّة قبلَ الدفع المسبَق، كما ارتفعت أسعار الأدوية بشكلٍ فاحشٍ واختفى أغلبُها من الصيدليّات، حتّى وصلَ سعرُ بعض الأدوية إلى ما يوازي الحدّ الأدنى للأجور، بالرغمِ من الرقابة المشدّدَة لوزارة الصّحة العامّة على الصيدليّات والمستودعات.
وقد انعكسَ هذا الواقع المتردّي على المستشفيات الحكوميّة ومراكز العلاج الحكوميّة (المستوصفات) التي تحوّل إليها المرضى من ذوي الدخل المحدود والتي هي أصلاً تعاني من ضعف موازناتها ونقصٍ في كوادرها الطبيّة بعد هجرة عددٍ كبير من أطبائها والجهاز التمريضيّ.
وإزاء هذا الواقع، عمدَت وزارة الصحّة إلى رفع التعرفة الطبيّة للمستشفيات إلى خمسين في المئة مع وعدها بدفع الفروقات عن المريض، لكنّ المستشفيات بالرغمِ من التعبير عن رضاها بهذا الحلّ، ربطت هذا الأمر بشرطِ الدفعِ المسبَق، ما أبقى المرضى من ذوي الدخل المحدود والفقراء في الدّوامة ولا سيَّما مرضى السرطان والكلى والقلب وغيرهم من المُصابين بأمراضٍ خطيرة، فضلاً عن الأطفال المحتاجين إلى الرعاية والحصول على اللقاحات خصوصاً في المحافظات المحرومة من الاهتمام الحكوميّ.
وفي حين لم تحلّ الإجراءات الترقيعيّة الأزمة التي ما زالت تتفاقم على المستوى الشعبيّ، يقترحُ المعنيّون بالنظامِ الصحّي وقطاعاته، حلولاً تُسهمُ في تحسين القطاع على المستوى البنيويّ والخدماتي والوظيفيّ، أبرزها زيادة موازنة وزارة الصّحة لتعزيز قدرات المستشفيات والمراكز الصحيّة الحكوميّة وإنجاز البطاقة الصحيّة الشاملة التي تقلّل من النفقات الاستشفائيّة واستعادة الدعم ولو بشكل جزئيّ للدواء مع توسيع مجالات تصنيعه في لبنان.
وهذه أمر متاحة وممكنة، لا سيما أنّ هناك عروضاً كثيرة للمساعدة من دول صديقة، لكن الأمر يحتاج من المسؤولين إلى بعض الجرأة وبعض الترفّع عن المصالح الخاصة…

*رئيسة مركز هَدا عاصي للعلوم والتنمية الاجتماعية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى