أولى

قضية الحاكم تحت الامتحان

‭}‬ بشارة مرهج*
كما أنّ الدولة الأميركية لم تتخذ أيّ خطوة عملية لوقف حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها بنيامين نتنياهو والحركة الصهيونية ضد غزة والشعب الفلسطيني، بل تكتفي بتصريحات مبهمة وتواصل دعم الكيان العنصري، عسكرياً ومالياً وسياسياً، كذلك فإنّ الحكومة اللبنانية لم تتخذ أيّ خطوة منذ خمس سنوات لوقف الحرب الضارية على اللبنانيين، تلك الحرب التي تتسبّب بها منظومة الاحتكار والتسلط، التي دفنت كلمة «إصلاح» من قاموسها، واكتفت بمواقف لفظية أدّت الى مفاقمة الأوضاع الاقتصادية في ظلّ شلل قضائي وتداعٍ في بنية المؤسسات وتوغل في عمليات النهب والسلب المتصل برفع معدلات الضرائب والرسوم الى مستويات انفجارية لا يمكن أن يتحمّلها أيّ مواطن لا ينتمي لطبقة الخمسة بالمئة التي تحتكر الثروة والسلطة.
وإذ أمَر بالأمس مدعي عام التمييز بتوقيف أحد الرؤوس الكبيرة المسؤولة عن جريمة العصر التي تعصف بلبنان وأهله حتى اليوم، توالت ردود الفعل المؤيدة لهذه المبادرة التي فتحت نافذة في جدار الفساد وطرحت إمكانية نهوض القضاء واستنهاض الدولة للقيام بأبسط واجباتها وسط ضغوط محلية وخارجية تهدف إلى إسقاط لبنان نهائياً من لائحة الدول القابلة للحياة وإدراجه في القائمة الرمادية وإغراقه في بحر من الفوضى والإجرام.
ومقابل إيجابية الخطوة التي اتخذها القضاء بحق رياض سلامة منسّق عام منظومة التسلط والفساد تساور العديد من المتابعين والخبراء الشكوك من محدودية هذه الخطوة واقتصارها على نواحٍ ضيقة لا تؤثر في مجرى الأحداث ولا تمسّ فعلياً بملفات الاختلاس والتهريب وتبييض الأموال، ولا تحقق في العلاقات المشبوهة بين المصارف وحاكم مصرف لبنان السابق ولا في الأرباح الخيالية التي حققها الحلف الجهنمي الذي استباح البلاد وثرواتها وودائعها دونما حسيب أو رقيب.
إنّ الجرائم المرتكبة في ملف المصارف والتي دمّرت حياة اللبنانيين وجعلتهم أسرى المرض والخوف والفقر والجوع، خاصة جرائم الاختلاس وإساءة الأمانة ومعها الهندسات المالية والتلاعب بالقيود المحاسبية وتزوير الموازنات المالية والسرقة الصريحة لأموال المودعين، لا يجوز إهمالها أو التغطية عليها والتركيز على شخص واحد هو نقطة في بحر تتحكم فيه حيتان المال والفساد. فالحاكم السابق لم يكن الوحيد الذي حوّل بلدنا الى غابة تسكنها الوحوش الضارية وتخضع لشريعة القوة، بل كان ولا يزال جزءاً من منظومة كبيرة شاركته «فضائله» واستفادت من ألاعيبه التي أدهشت العالم.
اننا إذ ننظر بإيجابية الى قرار مدعي عام التمييز القاضي جمال الحجار بحق رياض سلامة مهندس الاحتكار ومبتكر الهندسات المالية نحذر من محاولات المنظومة السياسية – المصرفية الحاكمة لإفراغ هذا القرار من إيجابياته واستخدامه، بعد ذلك، للتضليل والتمويه وترسيخ الجريمة والإفلات من العقاب.
وفي المقابل فإننا أمام فرصة لإطلاق عجلة التصحيح والإصلاح ولا يجوز إهمالها أو التغاضي عن إمكانية تطويرها تحت سقف القانون. لذلك ندعو كلّ الفئات الديمقراطية والشعبية والنقابية والحزبية الحريصة على حقوق المواطن وسمعة لبنان الى التفاعل والتلاقي لدعم القضاء في كلّ عمل صالح يبادر إليه خاصة في ما يعود الى ملاحقة المجرمين ورفع راية العدالة واستعادة الثقة بمؤسسات الدولة وفرض سلطة القانون على الجميع بدون استثناء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى