مقالات وآراء

الديمقراطية الشّاردة…!

د. عصام درويش*

لم تصل المجتمعات الإنسانيّة حتى يومنا هذا إلى نظام الحكم الأمثل.
وتشكُل الدّيمقراطية وما يُفترض ان تحمله من حكم الشعب ذي المصلحة الحقيقيّة من هذا الحكم وهو الغاية المنشودة في كلّ المجتمعات،
انطلاقاً من المدينة الفاضلة لأفلاطون إلى يومنا هذا،
ولكن كلّ مآسي الشّعوب والويلات عبر التّاريخ امتطت عناوين جميلة وبرّاقة،
وحتّى الأديان وما جاء به الرّسل والأنبياء تمّ تجييرها، والفظائع الكبيرة عبر الأزمنة، ارتكبت باسمها، وتحوّل سيف القوّة الذي تمارسه السّلطات الدّينيّة مشرّعاً في وجه الحقوق في معظم الأحيان، فصار حقّ القوّة أمضى بكثير من قوّة الحقّ …
ولعلّ أخطر ما فعلته الأديان أو القائمين عليها، هو تحويل السّطور إلى سواطير تتناقلها الأجيال، انطلاقاً من نشر الأديان بالسّيف مروراً بالأمويين والعبّاسيّين وحجّاجهم ابن يوسف الثّقفي والفظاىع المرتكبة من الصٌليبيين وشارلمانهم ثمّ المغول والعثمانيّين وصولاً إلى مملكة الشّر أميركا التي لا تخلو ثقافة رؤساها من (الإيمان)!
وهذه الأخيرة التي حوّلت العالم إلى مسرح للجرائم المركّبة، هي ماضية باتّجاه نهاية العالم كما يريد منظّرها (فوكوياما) مع الإشارة للجذور الدّينيّة لنهاية العالم، ولو لم يكن معتمداً على تلك الجذور …
كلّ تلك الفظائع ترتكب باسم الدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان!
وبعد أن فرغت أميركا من (تحقيق الدّيمقراطيّة) لديها
ذهبت باتّجاه نشرها في العالم، ولأنًها ليست منضبطة، تحوّلت إلى ديمقراطيّة شاردة …
وهنا بيت القصيد، الدّيمقراطيّة الشّاردة الضّارية
التي ذهبت وانتشرت وبدأت تعضّ من يقف في طريقها ومن لا يقف!
فصرنا بأمسّ الحاجة لمواجهتها، والعمل على مقاومتها وبكلّ الوسائل المتاحة وغير المتاحة والتي تقتضي ابتكار علاجات جديدة لمواجهة هذا المرض العضال .
وإذا كان داء الكلب من أخطر الأمراض والذي يستحيل معالجته في كثير من الأحيان، فإنّ اللقاح قد يقدّم الحلّ ولو جزئيّاً، وهو عبارة عن حقن متكرّرة تعطى بعد التّعرّض لعضّة كلب، هذا بعد إعطاء اللقاح للحيوان كي لا يصبح مسعوراً!
المشكلة مع الدّيمقراطيّة الشّاردة تتجلّى بكيفيّة الإمساك بها لإعطائها هذا اللقاح، بعد التّسليم بإمكانيّة تطوير اللقاح المناسب، والمشكلة الأكبر في طريقة إعطاء هذا اللقاح في حال توفّره، فإذا كان لقاح الكلب يعطى في البطن، فإنّ لقاح الدّيمقراطيّة الشّاردة يعطى في الدّماغ، والسؤال المطروح من يجيد إعطاء هذا اللقاح، وزمن إعطائه، وعدد الجرعات، ودراسة آثاره الجانبيّة…
أملاً بانتصار العقل والمنظومة القيمية التي راكمها الإنسان عبر التّاريخ، وما يرتبط بها من انفعالات مرتبطة بالضّمير، أيّ (العقل الذي يضبطه القلب) في معركته مع الدّيمقراطيّة الشّاردة …
وبانتظار إنجاز ذلك اللقاح، لا أحد يدري في أيّ طريق نحن سائرون؟!

*طبيب أطفال، عضوقيادة فرع حزب البعث العربي الاشتراكي في اللاذقية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى