أولى

فرضية عمل عسكري برّي على لبنان وسورية؟

– تنقل أوساط دبلوماسية وأمنية للمسؤولين اللبنانيين تقارير ومعلومات عن سيناريوات لعمليات عسكرية كبرى تستهدف لبنان طالما أن حزب الله يرفض الانفتاح على تفاوض حول جبهة لبنان قبل أن تتوقف الحرب على غزة بموجب اتفاق تقبل به قوى المقاومة هناك، وربما يفسر ذلك بعض المواقف التي أثارت الاستغراب حول استعداد لبنان للتفاوض على قرار بديل عن القرار 1701 تفادياً لمخاطر التصعيد، لكن هل هذه التقارير واقعية أم هي جزء من الضغط النفسي لفتح الطريق للتفاوض السياسي؟
– في المقاومة لا استخفاف بأيّ فرضية بما فيها الفرضيات الأسوأ على قاعدة عدم استبعاد الحماقات في طريقة اتخاذ القرارات لدى كيان الاحتلال وليس لافتراض فرص فوز الاحتلال في تحقيق السيناريوات كما يرسمها. كذلك موقف حازم ثابت لا يقبل النقاش حول ربط أي تفاوض على ترتيبات مفترضة على جبهة لبنان، بإنهاء الحرب على غزة أولاً، ولا تدخل المقاومة في مناقشة مدى إمكانية حدوث فرضيات معينة أو سواها، بل تعتبر أنها معنية بالاستعداد لكل احتمال بما في ذلك ما قد يبدو منها جنونياً.
– النقاش في مدى واقعية هذه الفرضيات يجري بمعزل عن موقف المقاومة كما شرحناه، فهل يمكن تخيل هذا السيناريو واقعياً، سيناريو تتحرك خلالها جماعات لبنانية وسورية مناوئة للمقاومة في تقطيع أوصال جغرافيا المقاومة في لبنان، وبين لبنان وسورية، وداخل سورية نفسها؟
– واقعياً يبدو أن تفكير قادة الكيان في تنفيذ مثل هذا السيناريو يحتاج أن يكون كيان الاحتلال قد قرّر اعتماده في اليوم الأول بعد طوفان الأقصى، وأن تكون واشنطن شريكاً ميدانياً قتالياً في تنفيذه، لأنه وببساطة كي يفكر قادة الكيان بفعل ما لم يفعلوه أو ما لم يستطيعوا فعله في حرب 2006، يجب أن يكون لديهم فائض قوة لم يكن لديهم في 2006، يعادل ما أضافته المقاومة لقوتها ويشكل فائضاً عنه، بينما هم اليوم أضعف مما كانوا في 2006، لمواجهة تلك المقاومة التي واجهوها في الحرب في 2006، وليس المقاومة بقوتها الراهنة وهي أضعاف ما كانت عليه، وهم يأتون إليها بجيش متهالك فاقد للروح القتالية وللكثير من كفاءاته البشرية التي فقدها في الحرب، فهل يمثل الرهان على ما يمكن تحقيقه عبر إشراك جماعات لبنانية وسورية في الأعمال الحربيّة تغييراً في الموازين؟
– الشيء الذي يجب أن ينتبه له كل من يعتقد بواقعية هذا السيناريو، هو أن خطاب الانتقاد الصادر عن بعض اللبنانيين الداعمين للكيان يلقى بعض القبول في دوائر معينة لأنه يدغدغ خوفهم من الحرب، فهل يعقل أن تبنى عليه فرضية دعوة اللبنانيين لقبول الانخراط في حرب، وما هو حجم وجغرافية الجماعات التي سوف ترتضي الشراكة في هذه الحرب، وقدرتها على التأثير في مجرى المعارك، والجغرافيا التي يجري الحديث عنها خالية تقريباً من قوى سياسية يمكن توقع انخراطها في هذه الحرب؟
– أما الجماعات السورية فإن قدرتها على تقديم إسناد حقيقي في عمل عسكري داخل لبنان مشكوك بها كثيراً، سواء لخرائط تمركز النازحين السوريين، او لغياب أشكال منظمة لاستخدام من يمكن تسليحهم من النازحين للانخراط في حرب كهذه، وهو عمل يفترض تحضيراً يسبق الحرب بسنوات، ويبني قدراً من الاستقلال بجغرافيا تشبه ما كان عليه حال المخيمات الفلسطينية قبل الحرب الأهلية، أما الحديث عن جغرافيا جنوب سورية كميدان لجزء من الحرب فيفترض موقفاً مناوئاً للمقاومة يجمع طائفة ويعسكرها بوجه المقاومة، يكون شبيها بالموقف المناوئ للمقاومة لمرجعية كبرى في هذه الطائفة بخلاف موقفها اليوم، والمرجعية المعنية هي زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، وبدونه يصبح الرهان على عمل وازن في جنوب سورية ضئيلاً جداً.
– يبدو تسريب هذه السيناريوهات امتداداً لحرب نفسية ضمن عمليات الضغط المخطط للتفاوض، والمقاومة بالمناسبة تقول قد يكون المشروع صحيحاً لكننا نتعهد بقتاله وإسقاطه، وقد لا يكون صحيحاً إلا كضغط للتفاوض، لكننا نقول ونعيد بأننا لن نتفاوض قبل أن تتوقف الحرب على غزة.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى