حسم الصراع يتجاوز المسألة الفلسطينية
سعادة مصطفى أرشيد*
ليس سرّاً أن الولايات المتحدة بإدارتها الديمقراطية الحالية لا تريد للمنطقة أن تدخل في حرب واسعة تشمل الإقليم، وإيران بدورها لا تريد توسيع الحرب وكذلك اليمن والمقاومتين اللبنانية والعراقية، هذا وإن كان محور المقاومة لا زال يرى ضرورة الاستمرار في المواجهة مع المحافظة على إيقاعها الحالي المقتصر على الإسناد والمشاغلة، ولكن الحكومة (الإسرائيلية) ليست وحدها لا بل ومعها كثير من القوى السياسية في داخل الكيان الغاصب يريدون الحرب وتوريط جميع الأطراف فيها وإن كانوا يدعون كذباً أنهم ليسوا مع توسيع الحرب.
لا تريد الولايات المتحدة الحرب لأسباب تتعلق أولاً بأولوياتها الاستراتيجية في بحر الصين وتايوان وفي الحرب الروسية – الأوكرانية، وثانياً بأنها لا تريد الاشتباك مع إيران في مغامرة غير محسوبة وإنما تفضل التفاهم معها كما حصل في ولاية الرئيس الأسبق أوباما، بما يضمن بقاء المشروع النووي الإيراني تحت السيطرة من حيث نسبة تخصيب اليورانيوم، وعدم تحويل المشروع النووي ليعمل لأغراض عسكرية، وثالثاً لأن هذه الحرب شأنها شأن كل الحروب غير مضمونة النتائج ومن شأنها وفي حال كانت نتائجها في غير صالح واشنطن، وهذا الغالب، أن تؤثر سلباً على حظوظ المرشحة الديمقراطية كمالا هاريس في سباق تشرين الثاني الرئاسي نحو البيت الأبيض.
محور المقاومة أيضاً لا يريد الحرب، وتحديداً طهران التي تخشى من أن يؤدي تدحرج القتال والوصول الى الحرب الشاملة، أن يكون مدعاة لمزيد من البوارج والعسكر إلى المنطقة، وهي مسألة إن حصلت فسيكون الخلاص منها صعباً ومحاصرة نتائجها البعيدة أصعب، كما حصل إثر احتلال العراق للكويت وما تبع ذلك من حشود ومن نتائج عسكرية وسياسية.
الدول العربية الدائرة حول المركز الأميركي الغربي قلقة جداً على بقائها أو للدقة على بقاء أنظمتها وحكامها، لا بقاء الأوطان، وهي أنظمة لا زالت قائمة خاصة في مشرق العالم العربي منذ انهيار الدولة العثمانيّة واتفاق سايكس بيكو الذي قسم الهلال السوري الخصيب إلى كيانات وزرع تلك الأنظمة وفي القلب منها الكيان الغاصب المعادي.
لكن الحكومة (الإسرائيلية) تريد الحرب وهي كعادتها تبدأ في إرسال إشارات عبر المنصات الإخبارية التابعة لها تشيطن فيها الخصوم كمقدّمة لتبرير حربها وجرائمها وفي محاولة استباقية لإعطائها سبباً أخلاقياً حتى وإن لم يصدّقه أحد. وهذا ما يجري بحق اليمن والعراق وإيران ولبنان وسورية أخيراً.
تريد حكومة الاحتلال زج العالم الغربي بأسره في أتون الحرب وتريد وضع أصدقائها العرب في مواقف علنية محرجة غير مكتفية بالدعم الذي يقدّمونه لها وهو نصف معلن وسر أصبح يعرفه الجميع، ولكن الأهم هو في الفكرة المركزية التي تقود الرؤية الرسمية لدولة الاحتلال والقائلة بحسم الصراع لا إدارته والذي كان قبل السابع من تشرين الأول الماضي ينصّ على حسم الصراع مع الفلسطينيين في الضفة الغربية أساساً، إلا أنه مع تطورات الأحداث أصبح المطلوب حسم الصراع مع الجميع في محور المقاومة وبكامل أطرافه الممتدة من صنعاء إلى طهران وبغداد والضاحية الجنوبية وصولاً إلى غزة، ولكن الحسم سوف يصل أيضاً وربما يسبق مع من سبق له أن عقد المعاهدات مع دولة الاحتلال في عام 1978 في كامب ديفيد وفي عام 1993 في أوسلو وعام 1994 في وادي عربة، واستباحة أراضيها وأنظمتها حتى ولو كانت موالية له، وذلك أيضاً ما أصبح بدوره سراً معلناً رآه الجميع في الخريطة التي كان يحملها نتنياهو في مؤتمره الصحافي الأخير والتي لا وجود للضفة الغربية بها (والتي تستهدف منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة المنبثقة عنها) وفي تصريحات وزير خارجيته المتعلقة بالتهجير من الضفة الغربية (التي تستهدف الأردن) وفي ردود نتنياهو على موضوع الانسحاب من محور فيلادلفي (والتي فيها نهاية اتفاق كامب ديفيد). هؤلاء المستهدفون من نتنياهو لم ينفعهم صمت بعضهم أو مجاملة بعضهم لسياسات الاحتلال.
مسألة حسم الصراع بشكله الإقليمي مرشحة لأن تأخذ دفعاً إضافياً وقوياً في حال فوز دونالد ترامب في مقعد الرئاسة، إذ يبدو أنها مسألة كان قد اتفق عليها مع نتنياهو أثناء زيارة الأخير لواشنطن والتي سيعملان على تنفيذها في حال الفوز في الانتخابات، ترامب صرّح أكثر من مرّة مؤخراً أن “إسرائيل” دولة صغيرة الحجم ولا بد لها من أن تتوسّع بمزيد من الأرض.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة