نقاط على الحروف

هل يملك الكيان قوة كافية للهجوم؟

ناصر قنديل

السيناريو المتداول لفرضية هجوم إسرائيلي على المقاومة في لبنان، والذي يتضمّن خططاً افتراضية لفصل الجنوب عن بيروت والجنوب عن البقاع وبيروت عن دمشق وعملية جراحية في جنوب سورية، تطال محافظات القنيطرة والسويداء ودرعا، وصولاً الى أطراف دمشق، هذا السيناريو يستحق النقاش ليس لواقعيّته بل بسبب حجم انتشاره وتداوله، واهتمام الوسط السياسي والدبلوماسي والإعلامي بالتعامل معه.
المساحة الافتراضية للعمليّات وفق السيناريو المتداول تصل إلى خمسة آلاف كلم مربع وحدّها الأدنى ثلاثة آلاف كلم مربع، ومنها في لبنان بالحدّ الأدنى 2000 كلم مربع لإقامة أحزمة بعمق بين 5-10 كلم وأطوال تزيد في مجموعها عن 200 كلم بين الجنوب وبيروت وبين الجنوب والبقاع وبين بيروت ودمشق، وبحساب بسيط تبدو مساحة العمليات بحدها الأدنى أكثر من خمس مرات مساحة قطاع غزة، حيث كانت القوات الإسرائيلية التي تعمل في شهر كانون الأول من العام الماضي في مساحة 200 كلم مربع من القطاع، أي 10% من المساحة المفترضة للعمليات المقترحة لهجوم على لبنان، تزيد عن 100 ألف جنديّ كما كتب الصحافي نظير مجلي في صحيفة الشرق الأوسط نقلاً عن مصادر عسكرية واستخبارية في جيش الاحتلال، ما يعني أن الحد الأدنى للحد الأدنى المطلوب للعملية المفترضة هو فقط العدد ذاته الذي كان يقاتل في غزة في نهاية شهر ديسمبر 2023 كما كتب مجلي في الشرق الأوسط “ووفق تقارير عسكرية تنشرها وسائل إعلام عبرية، فإن عدد الجنود الإسرائيليين الذين دخلوا غزة منذ الاجتياح البري في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بلغ نحو 100 ألف جندي وضابط، من القوات النظامية وقوات الاحتياط”.
السؤال الأول هو من أين تأتي قوات الاحتلال بـ 100 ألف جندي ليس بين أيديهم مهام لا تترك ويمكنهم تنفيذ عملية بهذا الحجم، بينما هي تتحدّث كلما أرادت الانتقال من مرحلة الى مرحلة في عمليات غزة، أنها تنقل قواتها من الضفة أو جبهة الشمال لتعزيز قواتها في غزة، وهي قد استغرقت فيها أحد عشر شهراً، وفشلت في فرض السيطرة عليها. وتكفي نظرة بسيطة الى المشهد العسكري في الميدان لمعرفة أن الجبهات في ذروة الفاعلية بحيث لا يمكن سحب أي جزء من القوات من أي منها، والقضية هنا هي سحب عشرات الآلاف وليس بضع مئات أو بضعة آلاف، ما يستدعي إخلاء الضفة الغربية وغزة من قوات الاحتلال البالغ عديد قواتها البرية النظامية 110 آلاف أصلاً، يفترض مشاركة نصفهم في أي عملية نوعية وتدعيمهم بالباقي من الاحتياط، وقد فقد جيش الاحتلال العديد من كوادره المحترفين الذين تعطّلت بسبب خروجهم من الميدان وحدات قتالية، فهل تحتمل جبهة غزة أو جبهة الضفة الغربية، ترك الجغرافيا للمقاومة والعملية المفترضة ليست أشد أماناً وأعلى ضماناً من عملية غزة، وقد تستدرج عبرها قوات جيش الاحتلال إلى مستنقع يشبه ما حدث في غزة، وتستمر العملية شهوراً، وتسيطر المقاومة على غزة والضفة، وتتسع منهما دائرة الهجمات المعاكسة، وصولاً لخطر شن هجوم تحرير شامل او جزئي او اقتحام مناطق من الأراضي المحتلة خارج الضفة والقطاع. وإذا أضفنا ما يتداوله خبراء الكيان عن التحدي الجديد للحدود الأردنية والحاجة لحشد فرقتين لتغطية المخاطر الأمنية عليها، يصبح الحديث عن تجهيز عديد القوة اللازمة للعملية، ولو بنصف الحجم المقترح، مستحيلاً.
إذا قارنا شروط القتال في مسرح العمليات المقترح مع غزة، سوف نكتشف بمقارنة تضاريس الجغرافيا، وحجم الأنفاق المفترضة، وعديد القوى المقاتلة ونوعيتها وتسليحها بالنسبة للمقاومة، ومحدودية القدرة على استخدام القوة التدميرية دون تعريض عمق الكيان لخطر، فإن الاستنتاج البسيط هو أن استهلاك احد عشر شهراً دون تحقيق الهدف في غزة سوف يعادل استهلاك إحدى عشرة سنة في منطقة العمليات دون تحقيق الهدف، واذا كانت النتيجة في مواجهة غزة 10 آلاف إصابة و3 آلاف قتيل، فيفترض توقع خمسة أضعاف العدد من القتلى والجرحى، في ميدان العمليات الأشدّ قسوة والأكثر تجهيزاً وقدرة قتالية، وبالنتيجة الفشل الأكيد، وإذا كان هناك أحمق يتحدّث عن مثل هذه الخطة داخل الكيان فهل هناك أحمق يصدقه خارج الكيان؟
بقياس ارتدادات مثل هذه العملية الافتراضية، فإن الاحتلال يخترق عبرها قاعدتين من قواعد الاشتباك، كشرط لنجاح هجومه المرتقب، الأولى هي قصف العمق والثانية هي تجاوز الحدود الجغرافية، والعبث بالجغرافيا والديمغرافيا سوف يقابله عبث مقابل، وكل يعبث بما يلائمه. وجيش الاحتلال يعلم أن المقاومة في لبنان قد أعدّت خططاً ونظمت مناورات للعبور إلى داخل حدود فلسطين، وأنها تملك قدرات نارية تتيح لها تهديد عمقه السكني والمدني ومنشآته الحيوية وإلحاق الدمار بها بمثل ما يستطيع أن يفعل في لبنان. وبالتالي فإن بدء العملية المفترضة سوف يعني تحوّل منطقة جغرافية على طرفي الحدود تتداخل فيها القوات المهاجمة والمدافعة، وقتال عن قرب بين الجنود ومستوطنات يتحول سكانها إلى أسرى، وربما دخول الى عكا، يقابل الوصول إلى أطراف راشيا وحاصبيا.
هل أقام الذين يصدّقون سيناريو العمليات المفترض تمريناً ذهنياً حول مقارنة عناصر القوة والضعف للمقاومة وجيش الاحتلال مع عام 2006 للإجابة عن سؤال، ماذا اكتسب الاحتلال من مصادر قوة لم تكن عنده عام 2006 وماذا فقدت المقاومة كي تتغير النتيجة؟ أم أن العكس حصل، فهو فقد مزيداً من عناصر القوة والمقاومة هي التي كسبت منها المزيد؟ وسؤال مشابه عن العام 1982 وسبب فشل التقدم الإسرائيلي نحو الحدود السورية وقطع طريق بيروت دمشق سواء من ضهر البيدر بعد توقف التقدّم في عين زحلتا وتقدم التوقف نحو منطقة المصنع عند السلطان يعقوب، وكان يومها القتال مع الجيش السوري الذي يخطئ مَن يعتقد أن قدراته القتالية كانت أفضل من اليوم أو أن التنسيق بينه وبين المقاومة الفلسطينية كان أفضل من تنسيقه مع المقاومة اللبنانية.
لعل انسحاب حاملات الطائرات الأميركية من بحار المنطقة يقول عكس ما يُشاع عن الاعتراض على العملية الإسرائيلية، بمقدار ما يقول إنها لن تتم وإن الحديث عنها غير واقعي لأن واشنطن لن تترك تل أبيب تواجه قدرها، ومهما كان الحديث عن خلاف بينهما فهو يبقى تحت سقف إدراك المصير المشترك في السيطرة على المنطقة والمواجهة مع قوى المقاومة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى