خطة نتنياهو: عودة للأيام القتالية؟
ناصر قنديل
– عملياً ما دام بنيامين نتنياهو مقتنعاً بأن القبول بشروط المقاومة لوقف الحرب على غزة وإنجاز تبادل الأسرى وانسحاب الاحتلال من قطاع غزة، رغم الطابع التكتيكي للتنازلات التي يتضمّنها، يشكل هزيمة استراتيجية للكيان بفتح الباب أمام معادلات إقليمية وفلسطينية ترجّح كفة المقاومة كخيار ومحور، وما دام يملك في الكنيست الأغلبية التي تحمي بقاء حكومته، فإنّه معني بتقديم بدائل للاتفاق الذي يتحول تدريجياً الى قناعة داخل الرأي العام والمؤسسات العسكرية والأمنية في الكيان، وعلى مستوى الغرب وأميركا أيضاً، ما دام خيار الحرب الكبرى فوق طاقة الكيان وطاقة الغرب وأميركا، فما هي خطة نتنياهو؟
– حاول نتنياهو إيجاد نظير راهن للنظرية التي اعتمدها جيش الاحتلال تحت عنوان المعركة بين حربين التي شكلت الإطار النظري لشن الغارات المستمرة على أهداف في سورية خلال سنوات، ومثلها النظرية التي لم يتم اختبارها عن الأيام القتالية في لبنان والتي منعت تهديدات المقاومة بتحويلها إلى حرب كبرى من وضعها قيد التنفيذ. ومَن يتابع مراحل الحرب في غزة يدرك أنه مع نهاية شهر تشرين الثاني من العام الماضي كان قد تبخر الأمل بتحقيق النصر المطلق الذي رسمت تفاصيله في التفاهمات الأميركية الإسرائيلية غداة طوفان الأقصى وأقرّه أعلى مستوى قيادي عسكري سياسي أميركي إسرائيلي، بعدما ثبت ان القضاء على المقاومة وحركة حماس بصورة خاصة فوق طاقة العملية العسكرية المصممة في غزة، رغم القتل والتدمير وحشد 100 ألف جندي وضابط و1000 آلية عسكرية. وهذا هو مبرر الدخول في تفاوض مع حماس طلباً للهدنة وتبادل الأسرى. ومنذ ذلك التاريخ ليست هناك استراتيجية للحرب، سوى الهروب من القرار الصعب بقبول شروط المقاومة وتجرُّع كأس الهزيمة.
– منذ ذلك التاريخ وحرب نتنياهو تقوم على ابتكار بدائل تمثل عناوين حروب صغيرة دون الحرب الكبرى، مثل مراحل حرب غزة وتسمياتها والآمال التي رسمت حول كل منها للحسم وتحقيق النصر، منذ شعار الدخول الى مجمع الشفاء الطبي حيث الأسرى، وبعده شعار الوصول الى يحيى السنوار في خان يونس، وبعدهما شعار في رفح النصر المطلق، وقد حازت جميعها التأييد الأميركي ولو بعد محاولات تعديل أو ممانعة، لكن النتائج كانت دائماً مخيبة للآمال الأميركية الإسرائيلية، وسبباً لمزيد من تآكل قدرة جيش الاحتلال القتالية، وتفكك الكتلة التي أيدت الحرب في البدايات، وتفاقماً في المشهد الدولي الذي ضاقت شوارعه ذرعاً بالدلال الغربي للإجرام الإسرائيلي وضاقت حكوماته ذرعاً بالعار اللاحق بها بسبب هذه الجرائم، وهي تسلّح وتموّل الكيان طلباً لقتل نظيف بلا صخب ولا ضجيج.
– على ضفة قوى المقاومة كان واضحاً حجم الجهد المبذول لعدم التورط بحرب كبرى، كما كان واضحاً الحرص على رفع وتيرة حرب الاستنزاف، على كل الجبهات، والسعي لتأكيد معادلة خلق العقد المستعصية بوجه الكيان كتجمّع وجيش وقيادة، والضغط عليها وتعزيزها للقول إنها عقد ليس بيد الكيان ولا بيد أميركا حلها بالقوة، وهي عقدة الأسرى وعقدة عبور السفن في البحر الأحمر وعقدة مهجّري مستوطنات الشمال، وقد مضت عليها جميعها شهور كافية لإثبات استعصاء هذه العقد وتفاقمها ومحدودية قدرة الكيان وأميركا على حلها بالقوة. وتسبب هذا الاستعصاء المتمادي بخلق قناعة آخذة في الاتساع تضغط على عنق نتنياهو مع العقد نفسها، جوهرها أن الحل الوحيد هو اتفاق يُنهي الحرب في غزة، وقد نجح محور المقاومة بتفادي الضغوط وتجاوز الترغيب والترهيب للتراجع عن هذا الحل وقبول تجزئة الساحات بدلاً من وحدتها، وصولاً إلى النجاح بجعل كتل وازنة من الرأي العام في الكيان وقادة المؤسسات العسكرية والأمنية يقولون بذلك، إلى أن وصلت واشنطن للقول بأن التوصل الى اتفاق في غزة يضمن وقف النار في جبهتي لبنان واليمن.
– ذهب نتنياهو في تموز الماضي الى واشنطن وفي جعبته خطة، محورها اغتيالات الضاحية وطهران واستخدام الردع الأميركي وغطاء الدعوة للتفاوض ومحاولة العبث بتركيبة حركة حماس بعد اغتيال قائدها إسماعيل هنية، للوصول إلى اتفاق يحرّره من قلق الهزيمة الاستراتيجية، وشكل البقاء في محور فيلادلفيا كلمة السر في الشروط الجديدة للاتفاق، لكن الخطة كلها مُنيت بالفشل وبقي منها الحديث عن محور فيلادلفيا على الطاولة فقط، حيث قطعت حركة حماس الطريق على التلاعب بتركيبتها وبالمسار التفاوضيّ بإجماعها على تسمية قائد المقاومة يحيى السنوار خليفة لهنية، ورفض البحث بأي شروط جديدة للتفاوض، ثم جاء رد حزب الله والضربة اليمنية، ليضيفا إلى العقد المستعصية عقدة جديدة، هي أمن تل أبيب الذي ظهر مكشوفاً مع امتلاك قوى المقاومة تقنيات حديثة قادرة على تفادي الرادارات وصواريخ الدفاع الجوي والقبب الحديدية.
– بعد الكلام المردوع الذي صدر عن نتنياهو تعليقاً على عملية حزب الله، والقول لا نريد الحرب ولا نريد التصعيد، ثم قول وزير حربه يوآف غالانت إن الحرب على حزب الله ليست الآن بل في المستقبل البعيد، كان على نتنياهو اختيار أحد الملفين اللذين يشكلان حالة واسعة التأثير في الرأي العام الضاغط، ملف الأسرى أو ملف المهجرين، والتعهد بالقدرة على حله بالقوة، في مواجهة الدعوات المتصاعدة للذهاب لاتفاق في غزة يشكل حلاً سحرياً لكل العقد، وكان الخيار الأول لحل قضية الأسرى بالقوة من خلال عمليات بالمفرق تقول نحرّرهم ولو حرّرنا منهم كل شهر عشرة، فجاءت النتيجة الكارثية بمقتل ستة منهم بأول عملية عسكرية لتطبيق الحل، فاستدار نحو قضية المهجّرين ليقول إنه سوف يحلها بالقوة، وهو يدرك أنه عاجز عن القيام بعمل بري جدي وحقيقي، وعاجز عن تحمل تبعات حرب تبادل النار على العمق والبنى المدنية والخدمية، فما هي الخطة؟
– الخطة تصعيد التبادل الناري تحت سقف قواعد الاشتباك، ولكن بكمية مضاعفة مرتين أو ثلاث وبعض العمليات النوعية إذا توافرت ظروفها، وهذا نمط من مفهوم الأيام القتالية الذي وضعه رئيس الأركان السابق لجيش الاحتلال عام 2020 أفيف كوخافي، تحت عنوان فتك أكثر وخسائر أقل، وبأسرع ما يمكن، وأجابت المقاومة يومها بلسان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، أن لا أيام قتالية بل حرب شاملة، وربما لا يزال جوابها صالحاً؟