صرخة فلسطين في غزة والضفة… وسط «الإرهاب الصهيوني»
د. جمال زهران*
صرخة فلسطين.. وشعبها في الضفة الغربية، وغزة، وكل الأرض فلسطين المحتلة.. والفلسطينيون في الشتات مشردون يصرخون أيضاً. إنها الصرخة المدوية في كل أنحاء المعمورة، ولا يزال رجع الصدى يتأتى، مع كل صرخة، من وجع الإبادة الجماعية (Genocide)، التي يقوم بها الكيان الصهيوني، بالأصالة والوكالة، بل والتوحّد، مع شيطان العالم المسمّى بـ «أميركا»!
بعد عام كامل، أوشك أن ينتهي (12 شهراً – 365 يوماً – 8760 ساعة)، لا تزال غزة – ومعها الضفة – تصرخ، ولا يزال شعبها يتألم جوعاً ومرضاً، وفقداً، بعد أن ذاق «الأمرّين»، أيّ ذاق كلّ أنواع الظلم والبطش. فليس هناك من مجيب، من أقرب الأقربين، عرباً ومسلمين، البالغ عددهم (2) مليار نسمة (ربع سكان العالم)!
هل من العدل والمعقول، أن تمارس عصابة الكيان الصهيوني (النتن/ياهو، وأعضاء العصابة)، إبادة جماعية، خلال عام كامل، ودون توقف، راح ضحيتها (50) ألف فلسطيني، (250) ألف جريح ومصاب (وفقاً لإحصائية وردت على لسان القيادي في حماس (د. أسامة حمدان) منذ عدة أيام، وباقي شعب غزة كله تحت الحصار، بلا مأوى، وبلا طعام، وبلا علاج، وبلا تعليم، وبلا أي شيء، بل هم المشردون من شمال غزة إلى جنوبها، ذهاباً وإياباً!
وهل من العدل والمعقول، أن يقوم قادة العدو الصهيوني، بهدم مساكن المدنيين، والمستشفيات، والمدارس، والجامعات، والمخابز، والإسعاف، والمؤسسات المدنية الحاكمة، ويحوّلوا غزة، إلى جحيم، ووفقاً لهدفهم، فإنهم يصرّون على جعل الحياة مستحيلة فيها، حتى يجبروا شعب غزة الصامد، على الرحيل القسري، وبهذا فهم يُجبرون مصرّ والأردن على قبول استقبال هؤلاء المرحّلين جبراً وقسراً، لكي يتمكن الكيان الصهيوني من ضمّ غزة، ثم ينتقل إلى الضفة، لتوسعة الكيان، وإتاحة الفرصة أمام المستوطنين لكي ينتشروا! فهل هذا من العدل والمعقول؟
والسؤال: مَن يوقف هذه الهمجية الصهيونية، وهذا الإرهاب الذي لا مثيل له في التاريخ الإنساني الحديث؟! أليست هناك من قوة كبرى تردع هذا العدو الصهيوني، وتوقف آلة القتل والتدمير والخراب، تحت سمع العالم كله وبصره؟! لقد فشلت الأمم المتحدة ومؤسسات العدالة الدولية (العدل الدولية، والجنايات الدولية)، في إيقاف العدوان، وإجبار الكيان الصهيوني، على التوقف الفوريّ عن استخدام قواته التي تستخدم كل ما لديها من قدرات عسكرية، توفرها لها الولايات المتحدة الأميركية (شيطان العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في 1945م، وحتى الآن)!! فماذا نحن فاعلون؟!
لقد قام العدو الصهيوني، بالقتل العمدي، للصحافيين والإعلاميين، ووصل عدد هؤلاء إلى ما يقرب من (200) مراسل وصحافي ومصوّر، في جريمة إضافية، يحاكم فيها كل من شارك وخطط في هذه الجرائم؟! ولو تمّت محاكمة من قتل شيرين أبو عقل، (مراسلة الجزيرة)، وآخرين، ما كان قد جرؤ هذا المجرم (النتن/ياهو) وعصابته، على الاستمرار في ارتكاب جريمة واحدة ضد الإعلاميين. لكنها القوة الغاشمة، التي لا تُحاسب على أفعالها الإجرامية، وهي حماية أميركا وإدارتها الفاشلة، التي تشجع على الأعمال العدوانية والإرهابية ضد الشعب العربي في غزة، والضفة، التي سبق لها تدمير العراق، وسورية، واليمن، وليبيا، وإشعال الحرب في السودان. إنها تكره فكراً وواقعاً، منطقتنا العربية الغنية بمواردها، وتسعى ليل/ نهار، لاستمرار إخضاعها لنفوذها، وسيطرتها على النظم الحاكمة، لاستمرار نهب موارد الشعب العربي في كل الأقطار العربية، للحيلولة دون تقدم هذه البلدان. وبالنهب، تعيش شعوب أميركا وأوروبا في رغد من العيش وتقدم، بينما نرزح تحت الفقر والمرض والجهل والتخلف، واستبداد الحكام وقهرهم للشعب العربي!
ففي الوقت الذي يحمون غالبية الأنظمة العربية الحاكمة، الحليفة معهم، ويقهرون النظم المعارضة لهم، في الوقت الذي يستثمرون ذلك في حماية الكيان الصهيوني، منذ كامب ديفيد وتأميم الإرادة المصرية الرسمية، وما تلى ذلك في الأردن، والسلطة الفلسطينية، ودول عربية أخرى (الإمارات – البحرين – السودان – المغرب)، بينما هناك دول عربية أخرى لها علاقات غير رسمية مع الكيان، الصهيوني، بتعليمات أميركية، وبالقواعد الأميركية المنتشرة في الإقليم كله! وقد أصبح «التطبيع»، ذلك المصطلح البغيض شعاراً للمرحلة، حتى عصف به، «طوفان الأقصى»، الذي كان بداية للمعركة الكبرى، وحرب التحرير والاستقلال، وإنهاء الوجود الصهيوني في الإقليم إلى غير رجعة، وقد أصبح لدينا زعماء للمقاومة، وقد أعادوا إنتاج «صلاح الدين الأيوبي»، الذي حرّر بيت المقدس من الصليبيين، ومن بعده القائد، سيف الدين قطز، الذي قاد موقعة «عين جالوت»، ضد المغول الذين احتلوا العراق والشام وفلسطين، وعندما اقتربوا من مصر، كانت الواقعة الكبرى! لعلّ مصر تعود لممارسة دورها العربي، والقيام بمسؤوليتها العربية، بجيشها العروبي الذي أسّسه الزعيم جمال عبد الناصر.
وهناك مثل يقول: «لا يفلّ الحديد إلا الحديد»، وهو أساس ومقوّم من مقوّمات العلاقات الدولية، وهو «القوة». فالحق الذي لا تسنده قوة، ضائع، وقال ناصر: «ما أخذ بالقوة.. لا يُستردّ بغير القوة».
كما أنّ فلسطين، لن تتحرّر إلا بالقوة المسلحة، ولن يخرج المحتل الصهيوني من فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر، إلا باستخدام القوة العسكرية، وهو ما تفعله المقاومة الفلسطينية، والمقاومة العربية (لبنان – العراق – سورية – اليمن)، وكذلك الدور الداعم لإيران والراعي لمحور المقاومة، بارك الله في مقاومتنا التي هي السند الحقيقي للشعب العربي، وعليها وحولها، يتوحد كل هذا الشعب من المحيط إلى الخليج، وهو قادم، وآراه قريباً جداً بإذن الله.
إن شعب غزة الأبي، وشعب فلسطين كلها، تحمّل الكثير، ليس في العام الأخير منذ طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023م، وحتى الآن، وصمد صموداً أسطورياً، فقط، ولكن عبر (76) سنة وعدة شهور، ولذلك لن يأتي العام الـ (77) من نكبة احتلال فلسطين، إلا وكلّ فلسطين قد تحررت من النهر إلى البحر، بفضل المقاومة. وستسقط بالتتابع كل النظم العربية العميلة، حليفة الشيطان الأكبر والأقذر في العالم وهو أميركا، وستنسحب أميركا من الإقليم، جبراً، وليس خياراً فحسب، إلى غير رجعة، وستتنفس منطقتنا العربية الصعداء، حرية، ووحدة، وتقدماً، بإذن الله.
وختاماً: إنّ صرخات غزة والضفة وكلّ فلسطين، لن تضيع هباءً، مع الصمود الأسطوري، وبسالة المقاومة، ووقفة أحرار العالم في أفريقيا وأميركا اللاتينية وآسيا، بل وفي داخل بلدان القوى الاستعمارية في أميركا وكندا وأوروبا. وسيكون النصر هو حليف المقاومة، وميلاد عصر جديد، فلنستبشر خيراً، والله هو الوعد الحق، والسقوط للإرهاب الصهيوني ومشروعه الاستعماري، وهو الأمر المؤكد بإذن الله.
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية،
جامعة قناة السويس،
جمهورية مصر العربية