مقالات وآراء

إلى متى تحصون الأيام وكأننا أرقام…

شيماء ناصر الدرة

الوقت لم يعد سيفاً، الوقت موت وموت..
هناك في غزة، لا وجود لما يسمّونه «حقوق الإنسان»، ولا قيمة لما يُعرف أممياً باسم «القانون الدولي الإنساني» ولا مكان إلا للمجازر الوحشية، والمقابر الجماعية، لا تكاد تجفّ دماء مجزرة، حتى نتابع أخرى، أكثر بشاعة منها، دون أن يستيقظ ضمير العالم، ودون أن يتحرك النظام الرسمي العربي، لإيقاف المذابح.
هناك يتواصل التوحش الكيان الإسرائيلي ضدّ غزة المنكوبة، أكثر من (45 ألفاً) روح فلسطينية بريئة فتكت بها حكومة التطرف الكيان الإسرائيلي، كما سُوّيت أحياء سكنية كاملة بالأرض، خلال تفجيرات عدوانية متعمّدة قام بها جنود الاحتلال خلال اقتحاماتهم للمربعات المدنية والحضارية كما المستشفيات والجامعات والمدارس وجميع المؤسسات لسحق كلّ مظاهر الحياة الفلسطينية، كما هناك قام الجنود الصهاينة، بإحراق المباني، وإضرام النيران في المساكن عمداً، لجعلها غير صالحة للسكن، بناء على أوامر مباشرة من قادتهم، تطبيقاً لسياسة الأرض المحروقة.
هناك الجموع الفلسطينية متأثرة، الأشلاء متناثرة، الأجساد متحللة، الأجسام متفحّمة، نهشت الكلاب الضالة ضحايا الأبرياء… ولا شيء في غزة، غير رائحة الدم! كما هناك الجروح لا تلتئم، الإصابات لا تندمل، الأوجاع لا تتعافى منذ أكتوبر المنصرم والمعاناة الإنسانية لا سقف لها، ومواكب الشهداء لا نهاية لها.
والمؤلم إلى أقصى درجات الألم، أنّ القصف «الإسرائيلي» المتواصل منذ أكثر من أحد عشر شهراً، تسبّب في حدوث كارثة إنسانية، لا يمكن تخيّلها، ومجاعة غذائية لا يمكن تحمّلها، ومعاناة بشرية لا يمكن وصفها، ولا يمكن قبولها، ولا يمكن تمريرها، ولا يمكن تجميلها، ولا يمكن التسامح معها، ولا يمكن السماح بها.
فكلنا شهود عيان على ما يحدث في قطاع غزة المقطوع الأوصال، وأيضاً في مخيمات الضفة الغربية، شمالاً، في طولكرم، وطوباس وجنين، حيث تتوسع الهجمات العدوانية التي ترتكبها وحدات الجيش الكيان الإسرائيلي، ضدّ المدنيين، بمشاركة قطعان من المستوطنين.
فاليوم تشهد قضية فلسطين، أخطر مراحلها، وتعيش أصعب فصولها، منذ نكبة 1948، مع إصرار الإرهابي نتنياهو، وحكومته المتطرفة، على إلغاء الوجود الفلسطيني عبر تدمير وتهجير الفلسطينيين، في محاولة صهيونية، للتخلص منهم، ومن مقاومتهم، ومن حقوقهم، ومن قضيتهم إلى الأبد.
والمعيب، ولا أقول العجيب، أنّ الإدارة الأميركية، التي صدّعتنا بخطابها «الزئبقي»، عما تسمّيه «حقوق الإنسان» بعدما نصّبت نفسها، للدفاع عن «حريات الشعوب»، تتجاهل استغاثات الفلسطينيين، وصرخات المنكوبين، ونداءات المستضعفين في غزة! فلا ترى المشهد الفلسطيني الدامي، إلا بعين الكيان الصهيوني، ولا تسمع إلا بأذن نتنياهو، ولا تنطق إلا بلسان حكومته المتطرفة.
وما من شك، في أنّ هذا التصعيد، على كلّ صعيد، تتحمّل مسؤوليته الولايات المتحدة، بالدرجة الأولى، التي يبدو أنها لا تريد تغيير الواقع الاستعماري، الاستيطاني، غير الإنساني في الأراضي المحتلة، ولهذا تسعى واقعياً وعملياً وفعلياً وميدانياً، لتثبيت الاحتلال، وانتهاك حقوق الفلسطينيين، من خلال قيامها بتوفير الدعم العسكري، والحماية السياسية، للكيان الصهيوني، ليواصل حربه ضدّ الشعب الفلسطيني.
ما من شكّ في أنّ نجاح الوساطة التي تقوم بها الدوحة من أجل تقليص الفجوات وإزالة العقبات لإنجاح صفقة لوقف إطلاق النار في غزة، في هذه اللحظة المفصلية، بل المصيرية، وسط ظروف إقليمية بالغة التعقيد، ومتغيّرات ميدانية بالغة التصعيد، يرتبط بضرورة خفض التصعيد العسكري «الإسرائيلي» الوحشي لمتصاعد، في القطاع الفلسطيني المقطع.
وتتعطل العديد من المحاولات، التي بُذلت حتى الآن، وفي سياق ذلك التعثر السياسي، والتبعثر الدبلوماسي، الذي تقوده الولايات المتحدة، المنحازة لعدو قولاً وفعلاً وتفاعلاً، تواصل آلة الحرب «الإسرائيلية»، غاراتها وتوغلاتها وتغوّلاتها، على جميع فئات ومكونات الشعب الفلسطيني.
ولا أدري كيف تهدأ التوترات في الشرق الأوسط، مع استمرار الولايات المتحدة، تزويد الكيان الإسرائيلي، بالسلاح الأميركي المدمّر، الذي تستخدمه حكومة الإرهاب الصهيوني، لقتل الفلسطينيين؟
وكيف يمكن أن تتوقف الاضطرابات في المنطقة، مع إصرار واشنطن على استخدام «الفيتو»، في مجلس الأمن، لإجهاض أيّ قرارات أممية تدين الكيان «الإسرائيلي»؟
وكيف يمكن أن يتحقق «الاستقرار الإقليمي»، بعد إعلان حكومة التطرف «الإسرائيلي»، أنّ «إسرائيل» لن تنسحب من المواقع «الاستراتيجية»، التي احتلتها، وسيطرت عليها، خلال حربها على قطاع غزة، وتحديداً محور «نتساريم»، الذي يقسم القطاع المقطع، إلى قسمين: شمالي وجنوبي.
بالإضافة، إلى سيطرتها على محور «فيلادلفيا» المعروف فلسطينياً باسم «صلاح الدين»، الذي يستمدّ أهميته الاستراتيجية، من احتضانه «معبر رفع»، المنفذ الرسمي الحيوي الوحيد، على الحدود الفلسطينية المصرية.
ونشر قواتها على طوله، مثل «ورم سرطاني» مما يشكل تهديداً مستمراً للأمن القومي المصري، بعد اقتحامه «بالدبابات الإسرائيلية،» وإحكام قبضتها العسكرية عليه، في انتهاك سافر غادر، لمعاهدة «السلام» الموقعة عام 1979، بين القاهرة وتل أبيب.
يحدث هذا الانتهاك الصهيوني، في ظلّ وقوف الولايات المتحدة، موقف المتفرج على ما يجري في المنطقة المضطربة، رغم أنها الراعي الرسمي، والضامن السياسي الدولي، لاتفاقية السلام المثيرة للجدل الموقعة بين مصر والكيان الإسرائيلي .
وستبقى محاولاتكم «الرخوة»، لوقف إطلاق النار، مجرد غطاء لتحقيق أهداف نتنياهو، وحكومته المتطرفة، المتعطشة لسفك المزيد من دماء الفلسطينيين.
ومع عدم ظهور أيّ مؤشرات إيجابية حتى الآن، ولا إشارات عملية في المفاوضات، تشير إلى قرب التوصل إلى اتفاق أو صيغة أو«صفقة» لوقف الحرب المسعورة، ستبقى الكارثة الإنسانية، التي يعاني منها أهلنا في غزة، تعكس حالة غير مسبوقة، من الظلم الأميركي، والضيم الدولي، وكما تعكس حالة مخزية، ولا أقول مخجلة، من الخنوع والخضوع والعجز العربي، ممثلة في «الجامعة العربية»، العاجزة عن التحرك، أو حتى إطلاق حراك دبلوماسي، لوقف انتهاكات العدو «الإسرائيلي».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى