عن أيّ تصعيد يتحدثون؟
يوسف هزيمة*
أعلن رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالأمس، قراراً يقضي بتصعيد الجبهة مع الجنوب اللبناني. وقال، إنه سيوسع العملية العسكرية على الجبهة الشمالية. إعلان نتنياهو، وقراره، وإنْ شكّل مفاجأة للعديد من المراقبين المحللين السياسيين، وكذا الإعلاميين، إلا أنه ليس الأول مطلقاً، فقد تراففت هذه التصريحات أو القرارات منذ الأيام الأولى لانخراط المقاومة في لبنان بجبهة الإسناد نصرة لغزة، حتى لتكاد تلك الإعلانات والقرارات، تصدر بشكل أسبوعي، وربما أكثر من ذلك بكثير، من نتنياهو، ومن القادة السياسيين الصهاينة كافة، الذين لم ينفكوا مهدّدين المقاومة ولبنان عامة، بالويل والثبور، وخاصة مع تعرّض كيانهم لضربات موجعة من قبَل المقاومة، حتى بات المراقبون يربطون تلك التهديدات بالخسائر الجسيمة، التي يتكبّدها الصهيوني، الذي وإنْ أخفاها وعتّم عليها إعلامياً، تأتي تصريحاته الوعيدية لتكشف حجم الضرر والوجع الذي ينتابه. وهكذا بات واضحاً للقاصي والداني، أنّ وعيد نتنياهو وزمرته، مردّه الوجع الذي تسبّبه المقاومة له.
بالعودة إلى تصريحات نتنياهو، فقد تحدث عن تصعيد من جهة، وتوسيع من جهة أخرى، ولو وضعنا هذين اللفظين على مشرحة اللغة والاصطلاح، لتبيّن انّ كلا اللفظين ينطوي على كثير من التعميم، وكذا الإبهام، فالتصعيد الذي أشار إليه نتنياهو، تشهده الجبهة الشمالية مع لبنان، منذ أكثر من ستة أشهر، يوم تجاوز الصهاينة أنفسهم بضرباتهم لِ تستهدف المدنيين، وكلنا يذكر استهدافاته للأطفال والنساء والعجزة في القرى الجنوبية، في عيناثا والجبَّين وطير حرفا وشيحين وميس الجبل وحولا…
إذن التصعيد وقع بعد أسابيع معدودة من 8 تشرين الأول، يوم انخرطت المقاومة في لبنان بجبهة الإسناد نصرة لغزة، ولم يأتِ نتنياهو بتصريحاته الأخيرة بأيّ جديد، لا من حيث الشكل ولا الجوهر.
أما بشأن كلامه حول التوسيع، فلعلّ ما ينطبق على التوسيع الذي هدّد به، ودائماً نتحدث عن نتنياهو، هو ما ينطبق على التصعيد، حيث أنّ الأول لجأ إليه الصهاينة مذ لجأوا إلى التصعيد، وهو جاء بعد مضيّ الأسابيع الاولى لانخراط المقاومة في لبنان بجبهة الإسناد، وكلنا يذكر استهدافات العدو لمناطق شمال الليطاني وصولاً إلى الساحل بين صيدا وصور، وحتى بين صيدا وبيروت وانتهاء بالبقاع غربه وأوسطه وشماله.
والسؤال الذي يُطرح هنا، لماذا يعاود نتنياهو، ومعه الساسة الصهاينة التهديد بالتوسيع والتصعيد؟ وعن أيّ تصعيد يتحدثون؟ وهل المقصود بذلك اللجوء إلى عملية برية؟ وتالياً هل يستطيع جيش العدو ان يبدأ عملية برية في الجنوب اللبناني؟ للإجابة على هذا، لا بدّ من التوقف عن الآتي:
1 ـ من المعروف في العلم العسكري أنّ أيّ عملية برية تحتاج في البداية إلى غارات جوية مكثفة، وبشكل عشوائي من قبَل أسراب من الطائرات، وهذا لم نشهده على مدى الشهور المنصرمة، رغم تهديدات الصهاينة.
2 ـ لم يستطع «الإسرائيلي» تنفيذ الغارات الآنفة، لأنها ستبقى مبتورة، ولن يلحقها ايّ هجوم بري لسببين اثنين:
أ ـ من المعلوم أنّ أيّ هجوم أو عملية برية ستعمتد في التوغل على سلاح الدبابات، وهذه يعاني منها الجيش الصهيوني نقصاً حاداً بسبب حربه على غزة.
ب ـ من المعلوم أيضاً انّ الهجوم البري يعتمد على العنصر البشري، عنينا به الجندي الصهيوني، والأخير منهك متعب مهزوم بعد سنة تقريباً من الاستنزاف في غزة.
3 ـ «الإسرائيلي» الذي لم يستطع، وبعد مضيّ حوالي سنة، حسم المعركة في غزة، هل يستطيع أن يغامر بالقيام بهجوم بري على الجنوب اللبناني، المختلف كلياً في تضاريسه ومساحته وقدرات مقاومته، وهو، أيّ «الإسرائيلي»، من خلال جيشه يرفع تقارير شبه يومية تؤكد عجز هذا الجيش عن القيام بأيّ عملية برية في لبنان.
من خلال ما تقدّم فإنّ جلّ ما يهدف اليه نتنياهو من خلال تهديده بالتصعيد، ما هو إلا رفع معنويات شارعه الصهيوني، الذي لم يعد يثق به ولا بجيشه الذي كان ذات يوم لا يُقهر فصار يُقهَر، وإنْ قصَف وضرَب وصعّد جوّاً وهذا ما يقصده نتنياهو وما هو متوقَّع، فإنّ المقاومة تقصفه وتضربه وتوجعه، مع فارق انّ الأخيرة تقاتل ومعها إنسانيتها، بينما هو يقتل ولم يعرف يوماً الإنسانية قطّ، ولن يعرفها أبداً…
*كاتب وباحث سياسي