ميزان الردع الاستراتيجي… «حرب النقاط وهندسة القوة»
نمر أبي ديب
يُسجّل للمقاومة، وبشكل خاص في لبنان، بـ استثنائية نشاطها الأمن عسكري وقدرتها على التكيُّف الميداني، وحتى التماهي، مع سلسلة المتغيِّرات العسكرية التي بلغت في حرب تموز 2006 نقطة تحوّل استراتيجي ساهمت في كسر قواعد الاشتباك الإقليمي، وفرض المتغيّرات ضمن مشهدية “صمود أسطوري” حاكت تفاصيلها جملة الوقائع الميدانية العديدة التي شكلت مع مجمل التراكمات الأمن عسكرية، مقدمة عملية لمستقبل الحروب الحديثة، وفارقة دولية لانتظام عسكري جديد، أدخلت من خلاله الدول الكبرى نماذج قتال جديدة، ذات طبيعة غير تقليدية، ومناهل ميدانية مستحدثة، لمجمل مدارسها الحربية، ما يحاكي من زوايا استراتيجية، جملة الهندسات الأمن عسكرية والتكتيكات، التي صاغها حزب الله، وكتبتها المقاومة بـ حبر التجارب الاستثنائية، في حرب تموز 2006 .
في سياقٍ متّصل يُسجّل لمحور المقاومة متغيّرات أكثر من استراتيجية، أصابت بـ”عمقها التكتيكي”، منظومات الوعي العسكري لدى الدول الكبرى على الساحتين الإقليمة والدولية، يسجَّل أيضاً، الانتقال مع حسابات الربح والخسارة العسكرية، إلى تراكم فعلي للنقاط، انطلاقاً من حقائق عديدة تتمثّل في افتقاد القوى العالمية مجتمعة، على اختلاف مقدراتها الأمنية والعسكرية قدرة حسم الحروب الكبيرة إضافة إلى “حروب الاستنزاف”، وغيرها من أفكار وطروحات تتعلق بـ خيارات “الضربة القاضية”، ما يؤكّد على سلسلة تحوّلات عسكرية، ألغت بعمقها الأمن استراتيجي، جملة المفاهيم القديمة، القائمة على امتيازات وجودية سابقة وفرتها استراتيجيات التسلّح في أزمنة سابقة، مع “الحروب الباردة”، التي سقط على مسارها التراكمي، دول عديدة، وامبراطوريات كبرى، في محطات مختلفة، وحقبات متتالية.
تجدر الاشارة اليوم إلى خطوات استثنائية متقدمة، بدا من خلالها “المحور الروسي الإيراني” متقدماً، في نواح ومجالات عديدة أبرزها: استراتيجية “حصار الغاز” أي “حرب الطاقة”، التي اعتمدها الرئيس فلاديمير بوتين في مواجهة أوروبا مجتمعة، وتلك صورة مصغّرة لواقع دولي متفاقم، عكست من زوايا مختلفة عمق المساحات الاستراتيجية الفاصلة، بين السلاح التقليدي، الذي يشكّل على مستوى سباق التسلح (منظومة الدول الكبرى) وبين أرضية المتطلبات الحالية، التي عجزت “الولايات المتحدة الأميركية”، ومعها أوروبا مجتمعة، إضافة إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، عن تسجيل حدّ أدنى، من الدخول العملي المشترك والفاعل، على خط ومسار الأزمات الوجودية المستدامة، كما العمل على سدّ العجز في الدرجة الأولى، وتأمين بدائل الطاقة، وسبل الصمود الاجتماعي، كما العسكري والسياسي، في حروب الغد المحتملة.
الحرب الروسية الأوكرانية تحت المجهر الدولي، ومن يترقب او يطالب من منطلق الاستراتيجيات السابقة، بـ حسم روسي سريع، لم يبلغ فيه الوعي العسكري مرحلة التلمّس الحقيقي لأبعاد وخلفيات “التحوّل الاستراتيجي”، القائم على انتظام عسكري جديد، يعمل المحور “الروسي الإيراني” على تعميمه انطلاقاً من أهداف مستقبلية، ورؤية عسكرية، تتخللها إدارة عملية لسير ومسار جبهات المنطقة، والميادين المشتعلة في كلّ من أوكرانيا وفلسطين، ولبنان، والعراق، وسورية، واليمن.
ما تقدَّم، لا يلغي مطلقاً حالة التفوّق التي يملكها الفريق الآخر، ولا حتى قدرته التدميرية الهائلة السارية المفعول وحرب غزة خير دليل على معادلتين: الأولى تتمثَّل في امتلاك “كيان الاحتلال الإسرائيلي” منظومة تدمير ما هو فوق المتوقع مدعومة بجبهة إسناد وحماية أميركية، ثانياً افتقاد المنظومة الأميركية، كما “الإسرائيلية” نفسها، لقدرة استثمار الأبعاد التدميرية الهائلة، ذات الطبيعة الدموية، الذي يفترض أن توفرها مجمل القدرات العسكرية، تحديداً المنظومة الجوية، على مسارات عدة نذكر منها الحسم السريع المرفق بـ توجيه ضربات قاسمة، لا بل حاسمة، للهيكلية الأمن عسكرية التي تشكلها حركة حماس في قطاع “غزة” والساحة الفلسطينية.
الجدير في الذكر، انّ ما تقدّم ساهم في صياغة مسار عسكري أمني، أنجز على المستوى الاستراتيجي “ملحق وجودي” لـ دول أساسية تصدّرت المشهد العالمي لسنوات طويلة، وهنا تجدر الإضاءة إلى عوامل عديدة أبرزها منظومة الردع كما المواجهة التي يملكها المحور الروسي بأبعاده “الايرانية كما اليمنية مع “حزب الله” القادرة على اختراق المحظور الأمني وحتى العسكري داخل كيان الاحتلال، وتوجيه ضربات أكثر من مباشرة للعمق الإسرائيلي، واستهداف (الوحدة 8200)، أيّ ما عرف بـ”عملية غاليلوت”، خير دليل على ما تقدَّم، في حين انّ منظومات المواجهة، التي تمتلكها دول عديدة كبرى لا بل أساسية، غير قادرة على مواجهة “الهدهد 1 و2 و3 و4″، إضافة إلى “منشأة عماد 4” وغيرها، من ما قد أعلن عنه سابقاً وما لم يعلن عنه بعد.
الأكيد حتى اللحظة، يكمن في مستقبل الحروب المبهمة في نتائجها، غير المرتبطة اليوم بثقل التجهيزات الآلية، ولا حتى بـ “سباق التسلّح” الاستراتيجي، ما قد ينهي فعلياً وبشكل شبه كامل معادلة “الحروب المحسومة سلفاً”، ومعها فرضية تأثير الحروب التدميرية، ذات الصبغة الأميركية/ الإسرائيلية على الانتظام العسكري العام لمجمل قوى وفصائل المقاومة في أي حرب اقليمية مقبلة.
الأكيد اليوم يتمحور حول هندسات عسكرية جديدة، تساوت من خلالها القوى العالمية تحت سقف ما يسمّى حرب الأدمغة التي وضعت محور المقاومة رغم الحالات الإعلامية الداعمة للمحور الأميركي، في مقدمة المرحلة، وعنوان استراتيجي أوَّل، على مسار “الانتظام العسكري الجديد”، وأيضاً على صفحات “الهندسات العسكرية” الحديثة، التي باتت تتطلبها عملية بناء وتثبيت، النظام العالمي الجديد، المتعدد الأقطاب والمرجعيات المالية لاحقاً.