ماذا يعني تحذير واشنطن «إسرائيل» من مخاطر حرب واسعة وردّ نتنياهو بارتكاب جريمة وحشية ضدّ اللبنانيين
حسن حردان
“الذهاب إلى حرب، والقضاء على كلّ صواريخ حزب الله، وكلّ شيء سيكون على ما يُرام. الأمر ليس بهذه البساطة. لا يوجد حلّ سحري. لا يمكن القضاء على الجانب الآخر. قد ينتهي الأمر بـ “إسرائيل” بدفع ثمن باهظ بدون أن تحقق أهدافها”.
هذا الكلام لمسؤول أميركي كبير، هو منسق اتصالات مجلس الأمن القومي جون كيربي، جاء عشية بدء المبعوث الأميركي عاموس هوكشتاين زيارته “إسرائيل” الذي كرّر كلام كيربي عن قرب، لاحتواء التصعيد والحيلولة دون عدم تدحرج الأمور إلى حرب واسعة.. لكن رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو ردّ بتصعيد عدوانه على لبنان بارتكاب جريمة موصوفة ضد الشعب اللبناني، من خلال شن هجوم سيبراني، مديراَ الظهر لرسالة هوكشتاين.
ماذا يعني ذلك؟
أولا، ان التحذير الأميركي المرفق بتنبيه “إسرائيل” لمخاطر الحرب، يحصل لأول مرة بهذا الشكل الواضح والمباشر، مما يؤكد جملة من الدلالات خصوصا لناحية الحيثيات التي دفعت هذا المسؤول الأميركي إلى توجيه هذه الرسالة العلنية إلى المسؤولين الإسرائيليين:
الدلالة الأولى، إنّ واشنطن تبلغ حكومة نتنياهو بأنّ الولايات المتحدة لا تدعم توسيع دائرة الحرب مع حزب الله لتتحوّل إلى حرب واسعة، ليس حرصاً على لبنان، وإنما حرصاً على حبيب قلبها وطفلها المدلل “إسرائيل” من ان تلحق بها خسائر كبيرة لا قدرة لها على تحمّل عواقبها لأنها ستكون كارثية، “وقد لا يكون لدى الكثير من الإسرائيليين منازل للعودة إليها” في إشارة إلى تجسم حجم الخطر الذي ستتعرّض له “إسرائيل”، إلى جانب الأعداد الكبيرة من قتلى وجرحى ودمار..
الدلالة الثانية، تبلور قناعة لدى دوائر صنع القرار في واشنطن، معززة برؤية البنتاغون، بأنّ الحرب لن تمكن “إسرائيل” من القضاء على حزب الله وقدراته وتحقيق الأهداف “الإسرائيلية” منها، لأن الأمر من وجهة نظر واشنطن “ليس بهذه البساطة” التي يعتقدها من ينادون بالحرب.. فيما الجيش الإسرائيلي أخفق في تحقيق أهداف حربه في غزة وأصبح غارقاً في وحلها، رغم مضيّ نحو سنة على الحرب، وحيث الواقع والظروف والمعطيات أقلّ تعقيداً من لبنان من جميع النواحي.. لا سيما أنّ الجيش “الإسرائيلي” خاض عام 2006 حرباً ضدّ حزب الله وكانت نتائجها الفشل، فكيف به يذهب الآن الى حرب مماثلة، وحزب الله أصبح أكثر قوة وخبرة ويمتلك أسلحة متطورة.. من دون شك فإنّ من يضعون الخطط العسكرية في البنتاغون لشن الحروب، يعرفون جيداً مدى المخاطر التي ستواجه الجيش “الإسرائيلي” إذا ما ارتكب حماقة التورّط في حرب جديدة في لبنان.. لن تكون حرب تموز سوى نموذج مصغر عنها.. ويمكن لأيّ متابع ان يعود إلى الدراسة المقارنة التي نشرتها مجلة “فورن بوليسي” حول قدرات حزب الله، وسيناريو الحرب المتوقعة في حال حصولها، وما ستتعرّض له “إسرائيل” خلالها..
الدلالة الثالثة، وجود قناعة أميركية بأنّ ما ستؤول اليه الحرب لن يكون سوى عودة إلى البحث عن تسوية دبلوماسية مشابهة للتي يجري مناقشتها حالياً.. ما يعني ان لا جدوى من الذهاب إلى حرب لن تؤدي سوى إلى التدمير المتبادل وسوف تنتهي بالعودة الى نفس المسار الدبلوماسي لإيجاد تسوية سياسية، لعدم إمكانية ان يحقق ايّ طرف النصر في الحرب.. وهو اعتراف، يصدر بصورة غير رسمية عن الولايات المتحدة، بمدى القدرات التي بات يحوز عليها حزب الله، والتي أصبحت تشكل عامل ردع يجعل واشنطن تعمل على لجم ربيبتها “إسرائيل” من المغامرة بشن الحرب.
الدلالة الرابعة، إقرار أميركي بما تؤكد عليه المقاومة، بأن لا حلّ سياسي او تسوية سياسية تعيد الهدوء إلى الجبهة بين لبنان وكيان الاحتلال الصهيوني، قبل وقف حرب الإبادة التي يشنها جيش العدو ضدّ الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وتحقيق مطالب المقاومة الفلسطينية المعروفة.. وهذه الخلاصة التي باتت تعرفها واشنطن، هي التي دفعتها إلى اتخاذ قرار العودة لإرسال مبعوثها هوكشتاين لخفض مستوى التصعيد ريثما يتمّ التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب في غزة..
ثانياً، ومع ذلك فإنّ نتنياهو يدير الظهر لكلّ هذه النصائح والتحذيرات الأميركية، ويوغل في العدوان ويقدم على تصعيد خطير عبر ارتكاب جريمة وحشية موصوفة ضد لبنان وشعبه من خلال عدوان سيبراني واسع، فجّر أجهزة الـ “بيجر” التي يستخدمها الآلاف من العاملين في المستشفيات والمؤسسات الطبية وغيرها من المؤسسات والشركات المدنية، مما أدّى إلى استشهاد 9 مواطنين، وجرح أكثر من 2750 جراح بعضهم حرجة.. الأمر الذي ستردّ عليه المقاومة بما يجعل العدو ينال القصاص العادل على هذا العدوان الاثم، كما أكد بيان حزب الله.. لا سيما أنّ التجربة أكدت انّ العدو الصهيوني لا يقيم وزناً لأيّ قوانين وأعراف دولية او قيم إنسانية، ولهذا فهو لا يفهم سوى لغة المقاومة لوضع حدّ لعدوانه وردعه عن تماديه في حربه الإجرامية.. وهذا يعني انّ على العدو دفع الثمن الباهظ لعدوانه، وانّ عليه ان يدرك جيداً انّ المقاومة عندما تعِد بالقصاص فإنها توفي بوعدها، ولديها من الصدقية ما يؤكد ذلك.. وبالتالي على واشنطن تحمّل المسؤولية في عدم الضغط الفعلي على “إسرائيل” وإجبارها على وقف حرب الإبادة التي تشنها في غزة، مما جعلها تتمادى وترتكب الجريمة البشعة الجبانة ضدّ المواطنين اللبنانيين.. ولذلك فإنّ هذه الجريمة تمّت في ظلّ زيارة هوكشتاين وتحذيراته من التصعيد، بما يؤشر إلى أنّ نتنياهو، إما انه لا يقيم وزناً لوجهة نظر واشنطن ومبعوثها، أو انّ الأخيرة متواطئة معه في القيام بعدوانه لاستخدام ذلك وسيلة ضغط على لبنان ومقاومته كي ترضخ للضغوط الأميركية الإسرائيلية بالتخلي عن مواصلة دعم ومساندة غزة ومقاومتها…
في كلّ الأحوال فإنّ الجريمة الصهيونية، وردّ المقاومة المنتظر عليها يدخل المواجهة بين المقاومة والاحتلال مرحلة جديدة من التأجّج مفتوحة على كلّ الاحتمالات مرتبطة بالسلوك الصهيوني المقبل.