مقالات وآراء

هذيان «إسرائيلي» وردع متآكل !

‭‬ خضر رسلان

من السمات الأساسية للردع القدرة على المنع، أو الحرمان وأيضاً سلوك عملية الردّ والعقاب وتسعى استراتيجيات الردع بالمنع أو الحرمان إلى صدّ أيّ إجراء، وإفشاله من أن ينجح؛ وبالتالي حرمان العدو من الثقة بتحقيق أهدافه؛ ومن ناحية أخرى، يهدّد الردع بالردّ القاسي الذي يرفع كلفة الهجوم والتي بموجبه يرتدع العدو عن القيام بمثله.
يمكن القول إنّ “الردع” بنوعيه، الممتدّ والمباشر بين الكيان الإسرائيلي وجبهات المقاومة قد بدأ بالتآكل. بداية بعدما سقطت أهداف الاجتياح «الإسرائيلي» للبنان في العام 1982 أولاً عبر تفاهم نيسان العام 1996 الذي وضع قيوداً رادعة للصهاينة جنّب فيه التعرّض للمدنيّين مروراً باندحاره عن معظم الأراضي اللبنانية العام 2000 وصولاً الى عدوان تموز 2006 حيث استطاعت فيه المقاومة الإسلامية في لبنان تثبيت قواعد ردع بالحديد والنار رسمت معه معالم مرحلة جديدة من الصراع ليس فقط في الداخل اللبناني بل امتدّت الى كامل الإقليم حيث بدت صورة الكيان الصهيوني مهشمة سواء على الصعيد الخارجي حيث أصيب دورها الوظيفي التي أنشئت على أساسه بخلل شديد لم تسعفها كلّ محاولات الرتوش والمساندة من ترميم صورتها الى الارتدادات الداخلية التي أصابت مختلف شرائح المجتمع الصهيوني والذي بانت هشاشته وهزاله والخلافات الجوهرية بين أطيافه سواء منها العرقية والدينية والسياسية والتي سادت بين أدبياته عناوين منها ما هو كارثي يصيب أصل وجود واستمرارية الكيان بالحديث الواسع عن دنوّ حصول الخراب الثالث ومنها ما هو دينية في ما يسمّى «يهودا والسامرة» وأخرى علمانية في ما يسمّى «تل أبيب» وباقي المناطق، هذا فضلاً عن التآكل الحزبي وتشتت المستوى الاجتماعي وامتناع بعض أطيافه لأسباب دينية من الالتحاق بالجيش. وفي ظلّ هشاشة هذا المجتمع الاستيطاني الملوّن المتناقض وقعت أحداث 7 أكتوبر من خلال طوفان جرف معه كلّ المنظومة الأمنية والعسكرية والمجتمعية الصهيونية التي باتت مردوعه مكبّلة ولم يكن من المستبعد انهيارها لولا مبادرة أميركا وحلفائها الى مساندتها والدفاع عنها، ويبدو أنّ الولايات المتحدة الأميركية وحلفاءها، كانت تستهدف – بنشر أساطيلها قبالة سواحل فلسطين المحتلة ولبنان، منذ أكتوبر الماضي – تطبيقَ مفهوم “الردع الممتدّ”؛ ريثما تستطيع «إسرائيل» تحقيق أهدافها في قطاع غزة. الى ذلك ظهر جلياً أنّ المساعي الأميركية لم تنجح في ثني – حزب الله – عن إعلانه فتح جبهة مساندة لقطاع غزة وشنّه للهجمات على طول الحدود مع فلسطين المحتلة فارضة عليه قواعد اشتباك تمّ رسمها وفق معادلة ردع مستمرة منذ ان نجحت المقاومة في تثبيتها في ما يُعرف بتفاهم نيسان 1996 .
وفي سياق متصل وعلى رغم الحشد العالمي والغطاء الأميركي والفبركات الإعلامية التي صاغتها المجاميع المعادية لأصحاب الأرض وبالرغم من فداحة وعظيم التضحيات والدماء والمجازر التي ارتكبها ولا يزال الصهاينة عقب طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي وذلك محاولة منه لإعادة السطوة والهيبة المهدورة إلا أنّ هذه المحاولات لا سيما نظرية “الردع الممتدّ” قد زاد تآكله بمرور الوقت، ويعود ذلك لسببَين على الأقل، وهما:
1 ـ محدودية النتائج التي حققها الجيش الصهيوني وبالأخص في هدفَيه المعلنَين منذ بداية الحرب، وهما القضاء على حركة حماس، واستعادة أسراه من القطاع، على الرغم من كلّ أشكال الدعم التكنولوجي والعسكري والاستخباراتي المقدّم لها من الغرب كافة وهو مؤشر واضح في حجم التآكل في الردع الإسرائيلي وعدم قدرته على الحسم في قطاع محاصر منذ سنوات طويلة.
2 ـ استمرار قواعد الاشتباك معمولاً بها بعد ما يربو على السنة له أهمية خاصة في سياق الحديث عن جبهة المساندة اللبنانية مع قطاع غزة رغم انّ المواجهات المتبادلة والمستمرة عبر الحدود فضلاً عن فرار مئات آلاف المستوطنين من شمال فلسطين المحتلة.
كلها مؤشرات ووقائع تحدث عنها العديد من الخبراء ومراكز الدراسات ترجّح فشلاً «إسرائيلياً» استراتيجياً ويمكن ان يكون مدمّراً في حال جنحت آلته العسكرية باتجاه حرب واسعة لا سيما منها على جبهة الشمال مع لبنان فإنّ نتائجها في حال حصلت في حدها الأدنى ستعود وتؤكد قواعد الردع والاشتباك بين حزب الله و»إسرائيل»، واللافت في هذا الصدد خشية الكثيرين من الجنرالات الصهاينة لا سيما السابقين منهم وممن خبروا الحرب في لبنان من نتائج كارثية تصيب «المجتمع» الصهيوني تعيد الزخم والحديث بعناوين تقلق الصهاينة ومنها الخراب الثالث وسقوط الهيكل، وأبرز هذه المؤشرات :
قدرة مقاومي غزة والضفة الغربية على المناورة وإنزال الضربات بالجيش الصهيوني، فشل القباب الحديدية ومختلف وسائل الدفاع الجوي الصهيوني في إسقاط المُسيّرات والصواريخ اللبنانية والإيرانية وأخيراً الصاروخ الفرط صوتي اليمني الذي إذا ما دخل في أيّ مواجهة كما غيره من منظومات جبهة المساندة في ظلّ هشاشة الدفاعات الجوية الصهيونية سيجعل مصير أيّ مغامرة صهيونية رغم الخطابات الجوفاء لقادة العدو كارثياً على واقع الكيان ودوره الوظيفي وعندها يصبح الخطر الوجودي للكيان الصهيوني حقيقة واقعية كواقع الخراب الثالث المنتظر…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى