الحرب سجال…
سعادة مصطفى أرشيد*
على مدى أكثر من أسبوعين واصلت الفضائيات والمواقع الإخبارية التابعة للاحتلال وتلك الموالية لها عربياً وعالمياً نشر أخبار تشيطن بها سورية ولبنان، كما حصل في مصياف، وكما يُقال عن وجود أعداد غفيرة من المقاتلين اليمنيين على الأراضي السورية واللبنانية وكان ذلك واضحاً أنه مقدمة لعدوان واسع من خارج صندوق قواعد الاشتباك المعمول بها. وهو ما حصل أول أمس الثلاثاء.
ما حصل كان نقطة مهمة وضربة لصالح العدو الذي أصابنا فيها إصابة مباشرة ومؤثرة. وفي هذه الحالة المثيرة لأعلى درجات السخط والغضب نجدها تستدعي منا التعامل بعقلانية. فالحكمة هي في فهم ما جرى والحذر من أن لا يجري مرة أخرى وبناء الردّ المطلوب بموجب ذلك، أما الحديث الانفعالي أو تعظيمنا المصيبة أو التبسيط منها والقول بأنها حدث عابر، فذلك ليس من الحكمة بشيء والردّ المؤلم لا يكون متسرّعاً وانفعالياً وإنما مدروس بعناية.
طيلة أيام الحرب التي تقارب 350 يوماً شاركت المقاومة في لبنان شأنها شأن المقاومات العراقية واليمنية في مساندة المقاومة الفلسطينية في غزة وفي مشاغلة العدو، الأمر الذي أدى إلى إرهاقه عسكرياً واقتصادياً واجتماعياً. فالمقاومة اللبنانية استطاعت تهجير معظم المستوطنين المقيمين في شمال فلسطين المحتلة تاركين وراءهم مصانعهم ومزارعهم ومصالحهم لدرجة أصبحوا فيها عبئاً على كيان الاحتلال وعلى باقي المناطق، في ما يرون هم أن دولة الاحتلال هي العاجزة عن حمايتهم والمقصرة في رعايتهم وأثار ذلك كثيراً من النقاشات والخلافات في أوساط السياسة والأمن والعسكر الذين يختلفون حول التفاصيل، ولكنهم يتفقون حول ضرورة الاشتباك مع المقاومة اللبنانية إن لأسباب قديمة وإن لأسباب تتعلق بالحرب الدائرة في جنوب فلسطين المحتلة.
الأسباب القديمة تلك التي ترى أولاً حاجة دولة الاحتلال لمياه نهر الليطاني فقد كانوا يطمحون بأن تكون جزءاً من الأرض التي ستُمنح للدولة العبرية في مرحلة ما بعد انهيار الدوله العثمانية. وفي ختام مؤتمر بازل عام 1897 ألقى ثيودور هيرتسل خطاب انتهاء المؤتمر، وأكد في خطابه حتمية قيام الدولة اليهودية في فلسطين، مشدّداً على أنّ حدّها الشمالي سيكون نهر الليطاني دون أن يوضح حدودها الشرقية والجنوبية. من جانب آخر يدرك أهل السياسة والأمن في تل أبيب أنّ المقاومة اللبنانية تمثل تهديداً وجودياً لدولة الاحتلال وأن صراعها معها له شكل تناحريّ أما الأسباب المستحدثة المتعلقة بالحرب فهي في الرغبة شبه المعلنة لحكومة بنيامين نتنياهو التي تريد زجّ العالم الغربي في أتون الصراع. فهذا العالم الذي تقوده الولايات المتحدة لا يرى ضرورة توسيع الحرب فلديه أولويات غير أولويات تل أبيب كالحرب الروسية الأوكرانية وتايوان والسيطرة على بحر الصين، لكن تل أبيب تدرك أنّ الحرب انْ وقعت فإنّ واشنطن لن تكون خارج دائرة الصراع وإنما ستقدم أقصى ما لديها للدفاع عن (إسرائيل).
قبل عملية الشيطنة هذه وعلى مدى أشهر أعادت تل أبيب النشاط لبعض قوى المعارضة السورية المرتبطة (إنْ جازت تسميتها بقوى معارضة) بها في الشمال السوري، حيث أظهر أولئك ابتهاجهم بما قيل إنه الهجوم “الإسرائيلي” على مركز البحوث في مصياف وإنه قد ترافق مع إنزال جوي بري وإنه أدّى إلى خطف أو قتل ضباط إيرانيين، وإن في حوران والجبل المجاور لها حيث تنشط قوى مشبوهة في تحويل حراك مطلبيّ إلى حراك سياسيّ وانفصاليّ لإقامة دولة طوائف هناك.
تأمل دولة الاحتلال من خلال عدوانيتها، كما حدث في عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قلب طهران، وفي اغتيال قائد كبير في المقاومة اللبنانية في الضاحية الجنوبية لبيروت، كما في قصف ميناء الحديدة في اليمن، ثم ما حدث أول أمس باستنفاد الصبر الاستراتيجي لدى قوى محور المقاومة والوصول إلى هجوم واسع يتدحرج إلى أن يصل إلى الحرب الشاملة والمفتوحة.
جميع قوى محور المقاومة تجمع على أنها لن تسمح بهزيمة المقاومة الفلسطينية، ولكن من الطبيعي أنّ الحرب بطبيعتها قاسية وتحمل أوجاعاً وآلاماً حتى ولو كانت نتيجتها النصر. وهذا على الجميع الاستعداد لاحتماله والصبر عليه. وتؤكد قوى المقاومة أنها مع عدم رغبتها في توسيع الحرب إلا أنها لم تهَبْها وستكون على أتمّ جاهزية لها إن فرضت عليها.
ولكن المحور المقاوم يدرك أنّ اشتعال الحرب الواسعة أمر سوف يستدعي مزيداً من البوارج وحاملات الطائرات والعساكر على الأرض الأمر الذي ستكون له مفاعيل غير محسوبة بدقة.
أصحاب القرار في محور المقاومة يملكون ثقة جمهورهم الذي وإنْ أبدى استعجالاً للردّ وبعض التبرّم إلا أنّ الثقة كبيرة بأنّ المحور وقيادته قادران على الردّ المناسب والذي لن يطول، والأيام مقبلة…
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير ـ جنين ـ فلسطين المحتلة