مقالات وآراء

الجبهة السورية بين الإسناد والاشتباك المباشر

‬ د. حسن مرهج*

بحكم موقعها الجيو استراتيجي، مثّلت سورية نقطة توازن إقليمي ومركزاً عسكرياً يُمثل جبهة متقدمة في المواجهة ضدّ «إسرائيل»، وبحكم الموقع والجغرافية والنظام السياسي في سورية، فقد تمّ بناء الجيش العربي السوري وفق عقيدة المواجهة، بغية الاشتباك المباشر مع «إسرائيل»، وهنا لسنا بصدد التعمّق بالحروب التي خاضتها الدولة السورية ضدّ «إسرائيل»، فالأمر يحتاج إلى مجلدات للبحث والتعمّق بها، خاصة أنّ تلك الفترة كان المناخ الإقليمي والدولي مغاير للواقع الحالي، لكن عندما تمّ بناء الجيش السوري، كان هدفه الأول والأخير هو هزيمة الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي دفع بالأخير إلى بناء عقيدة تتناسب وأهداف الجيش السوري، على إعتبار أنّ الأخير هو التهديد الوحيد في المنطقة، والذي تنظر إليه «إسرائيل» على أنه تهديد وجودي.
الأزمة والحرب التي شهدتها سورية، كان واضحاً منذ بدايتها بأنها حرب ممنهجة تهدف إلى القضاء على القوة النارية التي يتمتع بها الجيش السوري، لا سيما أن حالة الهدوء التي شهدتها سورية عقب حرب تشرين التحريرية، مكّنت قيادة الجيش السوري من بناء قدرات جديدة تواكب التطورات العسكرية، والعمل على تطوير أسلحة جديدة، مع استقدام أسلحة من روسيا وإيران وكوريا الشمالية، الأمر الذي أصبح بموجبه الجيش العربي السوري القوة العربية الوحيدة القادرة على مواجهة «إسرائيل» والتفوق عليها براً، مع امتلاك قدرات جوية قادرة على إيقاف «إسرائيل» وشلّ حركتها في السماء، من هنا فإنّ ما شهدته بداية الحرب في سورية، من هجمات إرهابية تركزت على قطاعات الدفاع الجوي، يترجم الرغبات الإسرائيلية بتحييد هذا السلاح الذي أخاف «إسرائيل» على مدى عقود.
في المقابل، فإنّ الجيش العربي السوري وبعد الحرب التي شُنّت على سوية، تمّ إعتماد استراتيجيات جديدة في التكتيكات الحربية، تعتمد على بناء جيش قادر على الدخول في حرب العصابات وحروب الشوارع، إلى جانب تعزيز مفاهيم الحروب الجديدة كـ جيش نظامي، وبناء على ذلك، فقد فرضت الحرب التي فرضت على سورية، تعاطياً عسكرياً مغايراً تُرجم على قاعدة حروب العصابات وحروب الشوارع، الأمر الذي فاقم من تعاظم قوة الجيش السوري والقطع التابعة له بمختلف أصناف الأسلحة.
الأمر الآخر فإنّ العقود الماضية دأبت القيادة العسكرية على بناء جيش يعتمد على العنصر البشري وبأعداد كبيرة، بينما اليوم نشاهد في سورية بناء جيش جديد لا يعتمد فقط على العنصر البشري، بقدر ما يعتمد على العناصر المدربة القادرة على. تنفذ عمليات الاقتحام في مناطق العدو، وعناصر خبيرة في حرب الشوارع، وغير ذلك فإنّ بناء جيش جديد يواكب التطورات الإقليمية بات رؤية خاصة للرئيس الأسد، من هنا فإنّ غاية الأسد ليست الاعتماد على العنصر البشري فحسب، بل غايته الأساس بناء جيش قوي وترميم قطاعات الجيش السوري التي أثرت بها الحرب، وتالياً فإنّ هذا الجيش الذي يُعمل على بناءه سيكون قادراً على مواجهة «إسرائيل».
الجيش السوري ووفق أخر الإحصائيات فإنه يضمّ حوالي 300 ألف جندي بالإضافة إلى ترسانة من الأسلحة التقليدية، مع التركيز على صواريخ أرض-أرض (SMS)، وصواريخ أرض-جو (SMS)، والصواريخ المضادة للدبابات، والمركبات الجوية غير المأهولة (المركبات الجوية بدون طيار)، والصواريخ الساحلية المتقدمة (TCM) وأنظمة الدفاع الجوي 693؛ حتى أنّ سورية تحوّلت إلى تطوير قدراتها الجوية لتأمين غطاء جوي يحمي القوات البرية في أي مواجهة ضدّ «إسرائيل»، وعليه فقد تمّ تعاظم قوة الجيش السوري من خلال شراء الذخيرة من دول أخرى وإنتاجها، فضلاً عن تعزيز قدرات مراكز البحوث العلمية في سورية، ورفدها بكوادر ذهبية قادرة على تصميم وإنتاج أسلحة فائقة التطور براً وجواً، الأمر الذي يُفسر استمرار «إسرائيل» في استهداف مراكز البحوث العلمية في سورية، للحدّ من تعاظم قوة الدولة السورية.
الأمر الهامّ فإنّ تطور التعاون العسكري مع إيران وروسيا وكوريا الشمالية بشكل كبير في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ساعد سورية على أن تصبح مركزاً للمعرفة في مجالات إنتاج السلاح ودقة الصواريخ؛ حيث تمّ توقيع العديد من الاتفاقيات العسكرية بين سورية وإيران وروسيا وكوريا الشمالية، لتعزيز شراكة عسكرية مؤسّسية طويلة الأمد للدفاع ضدّ «التهديدات المشتركة» لا سيما الولايات المتحدة و»إسرائيل».
وربطاً بكلّ ما سبق، فإنّ البعض قد يتساءل هل بإمكان الجيش العربي السوري مواجهة «إسرائيل» خاصة بعد الحرب التي شُنت على سورية؟ حقيقة الأمر إنّ الجواب بحدّ ذاته يمثل إشكالية متعددة الجوانب، فالبعض قد يظنّ أنّ الجيش السوري فقد قدرته على المواجهة أو الإنخراط في أي حرب مباشرة ضدّ «إسرائيل»، لكن ثمة حقائق تؤكد بأنّ القوات البرية للجيش السوري قادرة على إلحاق الضرر بالقوات الإسرائيلية، وصحيح بأنّ «إسرائيل» متفوقة في الجو على القوات السورية، لكن ما تملكه سورية من صورايخ أرض جو، قادرة على شلّ حركة الطائرات «الإسرائيلية»، وهنا قد يتساءل البعض لماذا لا تقوم سورية بإسقاط الطائرات «الإسرائيلية» التي تهاجمها بين الحين والآخر، وهنا نقول بأنّ ما حدث منذ ما يقارب ثلاثة أعوام عندما تمكنت القوات الجوية السورية من إسقاط طائرة F-16 الإسرائيلية، هو الجواب الشافي، واليوم سورية ترتبط بمحور يمتدّ من روسيا وإيران وصولاً لكوريا الشمالية، والأمور في هذا التوقيت تُقاس بميزان الذهب.
إذن فإنّ أيّ مواجهة عسكرية مباشرة سورية «إسرائيلية» بمعزل عن تدخل الولايات المتحدة، فإنّ سورية قادرة على إلحاق الضرر بـ «إسرائيل» براً وحتى جواً، لكن طبيعة المتغيّرات الإقليمية والدولية والإصطفافات الحالية، تُحتم على الدولة السورية بناء معادلة سياسية عسكرية أكثر عمقاً. هي معادلة ستُنتج واقعاً إقليمياً جديداً، لإعلان سورية وجيشها القوة العربية الوحيدة القادرة على تغيّر موازين القوى في عموم المنطقة.

*خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى