17 ـ 18 أيلول… خطيئة «إسرائيل» التاريخية
نمر أبي ديب
بلغت الخطيئة «الإسرائيلية»، مرحلة الخروج الفعلي من دائرة العدوان المستمر، إلى مستوى «جرائم حرب» موصوفة، في تعبير استثنائي أطلقه الرئيس نبيه بري، الذي حرص على تسمية الأمور بـ أسمائها في مرحلة تجاوزات أمنية وعسكرية، حاول من خلالها كيان الاحتلال حجب الانكشاف الأمني الذي تعرّض له وما زال الداخل «الإسرائيلي»، دون أن يعني ذلك مطلقاً التخفيف أو حتى التقليل، من حجم وقيمة «الجريمة الموصوفة»، التي نقلت المواجهة العسكرية، من مراحل «تسجيل النقاط، وتغيير قواعد الاشتباك» إلى مرحلة العبث الإسرائيلي بالمحرمات، وتوجيه حدّ أدنى من الضربات القاسمة، وحتى الموجعة، في حين يدرك بنيامين نتنياهو، ومعه كبار القادة «الإسرائيليين»، حجم «المأزق الوجودي» الذي دخلت به «إسرائيل»، إضافة إلى جملة من المؤثرات السلبية، التي يمكن أن يتركها المأزق «الإسرائيلي» على الأمنين الاستيطاني من جهة، والوجودي في بعديه الاجتماعي والكياني، يُضاف إلى ذالك ما بات إلزاماً عليها أيّ «اسرائيل»، دفعه من ضريبة وجودية كبرى، ثمن الأخطاء الكارثية التي أمعن رئيس وزراء «إسرائيل» بنيامين نتنياهو في ارتكابها، وفي مقدمتها تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية «بايجر».
وبعيداً عن حسابات الربح والخسارة العسكرية ومفاعيلها المستقبلية على مجمل مسارات الصراع القائم اليوم في المنطقة، حملت جريمة تفجير أجهزة الاتصالات علامة فارقة غير إيجابية، عكست على أكثر من مستوى حجم الخرق الأمني الذي ذهب ضحيته عشرات الشهداء على مسار الحياكة المبكرة لأرضية الحرب المقبلة، التي كانت بعيدة في نظر كثيرين، قبل ارتكاب كيان الاحتلال «الإسرائيلي» الخطيئة التاريخية)، وهنا تجدر الإشارة، إلى ضعف الموقف الإسرائيلي، غير القادر على دخول حرب كبرى، متلازمة بـ المنحى الاستراتيجي، مع «الانكشاف الأمني» الذي يعيشه كيان الاحتلال «الإسرائيلي».
ما تقدَّم لا يعني مطلقاً تفوّق الكيان «الاسرائيلي»، في معركة فصل لم يحن تاريخها بعد، في حين يتعيَّن على المقاومة بجميع تشكيلاتها العسكرية، ووحداتها الأمنية واللوجستية، إعادة تقييم، وهندسة واقعها الأمني وحتى العسكري، لتحديد الخسائر، كما الحجم الفعلي والحقيقي للاختراق الأمني، قبل المباشرة بردّ فعل عسكري يُراد من خلاله صياغة لا بل تثبيت قواعد اشتباك جديدة، ضامنة للردع العسكري والتفوّق، قائمة على خارطة مواجهة استراتيجية ضمن موازين عسكرية جديدة يمكن من خلالها العودة بالأمن العسكري والسياسي إلى ما قبل 17/9/2024، «جريمة تفجير أجهزة الاتصالات، على قاعدة، ما حدث في 17 أيلول، كشفت من حيث النتائج حجم الخرق الذي حققه بنيامين نتنياهو، دون أن يعني ذالك خروج الكيان «الإسرائيلي» من دائرة «الانكشاف الأمني»، ما يؤكد بالرغم من دموية الحدث وقساوة اللحظة، استمرار المعركة الأمن عسكرية المفتوحة، بين كيان الاحتلال وحزب الله رغم التطورات المتسارعة أمنياً وعسكرياً في كلا الساحتين.
نتيجة القراءة الأولية لمجريات الحدث الأمن عسكري سجّلت المعطيات المتوفرة فشل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع تفجير أجهزة الاتصالات في قلب الطاولة العسكرية على الجبهة الشمالية لفلسطين المحتلة، انطلاقاً من جملة عوامل أساسية أبرزها… أولاً: مجمل الأرقام المسجلة تعود لعناصر مختلطة مدنية وعسكرية ذات حضور استثنائي، من خارج الصفين الأول والثاني، ما يؤكد في الدرجة الأولى على «سطحية الاختراق»، رغم الحساسيات الأمنية العديدة، التي وفَّرها الخرق، إضافة إلى أعداد المصابين الهائلة، من حزبيين ومدنيين.
ثانياً ما تقدَّم لم يسهم في استحداث «فراغات تكتيكية»، ذات جوانب استراتيجية نشطة، لا بل مؤثرة، تلامس من زوايا أساسية، الهيكليات السياسية كما العسكرية «لفرق النخبة وألوية الصف الأول»، ما يؤشر رغم الفاجعة الكبيرة، على جملة عوامل أساسية أبرزها الجهوزية العسكرية قائمة، اليوم كما سابقاً، في أعلى مستوياتها الميدانية،
ثالثاً: توازنات الردع أيضاً قائمة، انطلاقاً من حقيقة عجز الكيان عن دخول الحرب المفتوحة، أو اعتماد خيارات مواجهة من بينها «الاجتياح البري»، نتيجة موازين ردع استراتيجية حدّدت أطرها الميدانية عملية «غاليلوت» إضافة إلى عوامل إقليمية داعمة في مقدمتها القدرات الصاروخية اليمنية الفرط صوتية التي يمكن من خلالها إصابة العمق الإسرائيلي بشكل مباشر، تحديداً «تل أبيب».
لبنان في خضمّ معركة مفصلية، مع كيان عنصري، قائم على طبيعة بحت عدوانية، الحروب الاستباقية بعد 17 أيلول ضرورية، في توقيتها الاستراتيجي، إذ تعتبر حق من حقوق المقاومة العسكرية.
ما تقدَّم بلغ حدّ الفصل الميداني الكامل الممنهج بين ما بات يعرف بتراكم النقاط العسكرية من جهة، وتسجيل الأهداف الميدانية من جهة أخرى، انطلاقاً من أنّ ما في جعبة حزب الله كثير جداً، وما حدث في بيئة المقاومة خطير جداً، وبين هذا وذاك جولات «أمن/ عسكرية» مقبلة، مرفقة بـ هندسات عسكرية مختلفة، مع إرادة مواجهة صلبة، ويقين بـ حتمية النصر، وزوال «إسرائيل»…