غارة للاحتلال على حي الجاموس تدمّر بنايتين سكنيتين وتقتل القيادي إبراهيم عقيل / مكتب الخامنئي: الردّ على اغتيال هنية قريبٌ… واشنطن تُعيد حاملاتها إلى المنطقة / ترقّب لردّ حزب الله… واتساع نيران جبهة الجنوب… والكيان يلوّح بمرحلة جديدة
كتب المحرر السياسي
قال البيت الأبيض منتصف ليل أمس، إن واشنطن لا زالت تأمل بالتوصل الى حلول دبلوماسية بين «إسرائيل» ولبنان، وإنها لا تشارك «إسرائيل» رأيها بأن التصعيد الجاري مع لبنان سوف يُعيد المهجرين من شمال فلسطين المحتلة، وإنها تعمل على خط التوصل إلى اتفاق في غزة وقناعتها بأن هذا الاتفاق هو الطريق لعودة المهجّرين.
تعليق البيت الأبيض جاء إثر مناخ من التصعيد الذي ترتب على غارة إسرائيلية مزدوجة استهدفت مبنيين سكنيين في حي الجاموس من الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث استشهد 14 شخصاً منهم عدد من القادة الميدانيين في المقاومة يتقدّمهم القيادي الجهادي الكبير إبراهيم عقيل، الذي وصفه بيان النعي الصادر عن حزب الله بعاشق فلسطين والأقصى.
بعد ضربة أمس المؤلمة للمقاومة تشخص العيون إليها بانتظار الردّ الذي يردّ الاعتبار لمعادلات القوة، علماً أن ما كان يجري على جبهة الحدود طيلة أيام أمس وأول أمس وما قبلهما، أظهر أن هذه المقاومة قوية مقتدرة ومؤهلة لمواجهة التحديات وإثبات نجاحها بتجاوز الصدمات والأزمات.
على إيقاع المشهد التصاعدي بين المقاومة والاحتلال، أعلن مكتب الإمام السيد علي الخامنئي أن ردّ إيران على اغتيال القائد الشهيد إسماعيل هنية سوف يتمّ قريباً، فيما قرّرت واشنطن إعادة توجيه إحدى حاملات طائراتها والسفن العسكرية المرافقة لها نحو المنطقة. ومثلما ربطت المصادر المتابعة بين ما أعلنته إيران، والضربات الإسرائيلية ضد حزب الله، ربطت بين الرد الإيراني القريب وإعادة توجيه حاملات الطائرات نحو المنطقة.
وبعد يومين على مجزرتي «البيجر» و»اللاسلكي» وأقل من 24 ساعة على خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، نفّذ العدو الصهيوني عدوانًا في وضح النهار وفي منطقة حيويّة في منطقة القائم في الضاحية الجنوبية لبيروت، إذ شنّ غارة جويّة استهدفت شقة سكنيّة، ما أدّى الى استشهاد أربعة عشر شخصاً وأكثر من ٧٠ جريحاً، وفق ما أعلن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة العامة، حيث توقعت فرق الإنقاذ العاملة على الأرض وجود المزيد من الشهداء الذين قضوا تحت الأنقاض، وسط استمرار عمليات رفعها حتى ساعة متأخرة من ليل الأمس.
وزعم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بحسب ما نقلت القناة 12 الإسرائيلية، أن «أهدافنا واضحة وأفعالنا تتحدّث عن نفسها»، وأفادت صحيفة «يسرائيل هيوم»، أن نتنياهو «أرجأ زيارته إلى نيويورك يوماً واحداً ويصل إليها الأربعاء بدل الثلاثاء». بدوره، قال وزير حرب العدو يوآف غالانت تعليقاً على ضربة الضاحية الجنوبية لبيروت: «سنواصل تعقب عدونا لحماية مواطنينا». وزعم غالانت بأن «سياق الأحداث في المرحلة الجديدة سيستمرّ حتى نحقق هدفنا وهو العودة الآمنة لسكان الشمال إلى منازلهم».
ونقلت شبكة «سي إن إن» الأميركية عن بعثة «إسرائيل» في الأمم المتحدة، بأنها ستبلغ مجلس الأمن بإغلاق النافذة الدبلوماسيّة لحل الصراع مع لبنان.
وأشارت «يديعوت أحرونوت» نقلاً عن مسؤول إسرائيلي، الى «أننا في مرحلة جديدة من الحرب، ونحن مستمرّون في ملاحقة حزب الله وكل السيناريوهات مطروحة على الطاولة». فيما أفادت القناة 13 الإسرائيلية، أن «نتنياهو دعا وزراء وقيادات عسكرية وأمنية لمشاورات أمنية هاتفية عاجلة».
وبعد منتصف ليل أمس، أعلن حزب الله في بيان أن «القائد الجهادي الكبير الحاج إبراهيم عقيل (الحاج عبد القادر) التحق بموكب إخوانه من القادة الشهداء الكبار بعد عمر مبارك حافل بالجهاد والعمل والجراح والتضحيات والمخاطر والتحديات والإنجازات والانتصارات، وهو كان دائمًا لائقًا لنيل هذا الوسام الإلهي الرفيع وكانت القدس دائمًا في قلبه وعقله وفكره ليل نهار، كانت القدس عشق روحه وكانت الصلاة في مسجدها حلمه الأكبر. وبكل اعتزاز وفخر تُقدّم المقاومة الإسلامية اليوم أحد قادتها الكبار شهيدًا على طريق القدس وتعاهد روحه الطاهرة أن تبقى وفية لأهدافه وآماله وطريقه حتى النصر إن شاء الله».
وأضاف البيان: «نعزي ونُبارك لمولانا صاحب الزمان عليه السلام ولسماحة القائد الخامنئي دام ظله ولجميع المجاهدين والمقاومين في كل الساحات ولجمهور المقاومة الصادق والوفي بشهادة هذا القائد الجهادي الكبير وكوكبة من إخوانه الشهداء، ونتوجّه خصوصًا إلى عائلاتهم الشريفة فردًا فردًا ونسأل الله تعالى أن يمنَّ عليهم بالصبر الجميل وحسن ثواب الدنيا والآخرة ويتقبّل منّا ومنهم هذا العزيز ويحشره مع رسول الله وأهل بيته الأطهار عليهم السلام، وأن يلحقه بقافلة شهداء كربلاء النورانية».
وأشارت مصادر مطلعة في فريق المقاومة تعليقاً على التطورات العسكرية الأخيرة الى أن «العدوان الجديد على لبنان حلقة في مسلسل الاعتداءات الذي بدأه العدو يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، لليّ ذراع المقاومة ووقف جبهة الإسناد الجنوبية لغزة، لكن وبعدما تمكنت المقاومة وحزب الله ولبنان من احتواء الضربة الأليمة والقاسية لبنية الحزب وبيئته اللصيقة وبعدما حسم السيد حسن نصرالله رفض الحزب لفك الارتباط بين الجبهتين اللبنانية والفلسطينية وخاض التحدي مع نتنياهو حول عودة المهجرين المستوطنين إلى مستعمراتهم كمعيار للنصر والهزيمة في هذه الحرب، قرّر العدو توجيه ضربة جديدة للحزب في رهان جديد على دفع الحزب للرضوخ للحل الدبلوماسي للمواجهات على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة». ولفتت المصادر الى أن «كيان الاحتلال انتقل الى مرحلة جديدة من الحرب والمواجهة وستنهار خلالها قواعد الاشتباك والخطوط الحمر تدريجياً وقد تكون المرحلة الأصعب والأعنف والأطول والأخطر وسترسم نتائجها مسار الحرب ونهايتها وتداعياتها على مصير القضية الفلسطينية والمنطقة». وشدّدت المصادر لـ «البناء» على ما أعلنه السيد نصرالله بأن حزب الله لن يوقف جبهة الإسناد رغم كل العدوان والتضحيات والمجازر بل يعمل على الاستعداد على ثلاث جبهات: الأولى تفعيل العمليات العسكرية في الجبهة الجنوبية كماً ونوعاً وجغرافية، الثانية التخطيط للردّ على مجزرتي الثلاثاء والأربعاء وعدوان أمس بشكل متناسب ومؤلم ونوعيّ ورادع للعدو، والثالث استكمال التحضير وإعداد العدّة للحرب الشاملة التي تأخذنا حكومة العدو إليها».
وبرأي خبراء عسكريين واستراتيجيين فإننا «أقرب من أي وقت مضى للدخول في الحرب المفتوحة والشاملة»، ولفتوا لـ «البناء» الى أن حزب الله كان يراعي في ردوده على الاعتداءات الإسرائيلية قواعد الاشتباك والضوابط، لكنه اليوم إزاء هذا العدوان المتمادي والمفتوح، فإنه سيتحرّر من القيود والضوابط التي ضبط عملياته وردوده على ساعتها.
وفي مؤشر على التصعيد، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إرسال حاملة طائرات وفرقاطات عسكريّة إلى المياه الإقليميّة في شرق المتوسط.
وفيما كان العدو يعيش نشوة باستهداف الضاحية الجنوبية، كانت المقاومة تكثّف ضرباتها النوعية ضد مواقع وتجمعات العدو في شمال فلسطين المحتلة، ما ألحق دماراً هائلاً في المستعمرات، إذ ذكر مراسل قناة «كان»، في الجبهة الشمالية، روبي هامرشلاغ أن أكثر من نصف المنازل في مستوطنة المطلة تضرّر منذ بداية الحرب، وبعضها دُمّر كليًا. وأشار الى أنه في صلية الصواريخ، مساء يوم أمس، شُخّصت إصابات مباشرة بنحو 30 منزلًا في المستوطنة الشمالية.
وأضاف هامرشلاغ: «مساء يوم أمس (أمس الأول) أطلقت صلية صواريخ ثقيلة على المطلة، وشُخّص سقوط سبعة صواريخ، ونتيجة لذلك أُصيبت عضو مجموعة التأهب في المطلة بجروح طفيفة في قدمها، واندلعت عدة حرائق ولحقت أضرار بنحو 30 منزلًا». بدوره؛ وجّه رئيس مجلس المطلة دافيد أزولاي بيانًا للمستوطنين؛ جاء فيه أنه: «خلال ساعات الليل واصلنا إطفاء الحرائق وإحصاء الأضرار.. ما نزال نقوم بجولات ونبحث عن الأضرار.. كل منزل نعلم أنه تضرّر نقوم بإبلاغ أصحابه، ونقدّر أنّ نحو 30 منزلًا قد تضرّر».
واستهدف مجاهدو المقاومة نقطة تموضع لجنود العدوّ «الإسرائيلي» في موقع المطلة بصاروخ موجه وأصابوها إصابة مباشرة، والقاعدة الأساسية للدفاع الجوي الصاروخي التابع لقيادة المنطقة الشمالية في ثكنة بيريا بصليات من صواريخ الكاتيوشا، ومقرّ الدفاع الجوي والصاروخي في ثكنة كيلع بصليات من صواريخ الكاتيوشا، ومقر قيادة لواء المدرعات 188 التابع للفرقة 36 في ثكنة العليقة بصليات من صواريخ الكاتيوشا.
وقصف مجاهدو المقاومة مقر الكتيبة الصاروخية والمدفعية في ثكنة يوآف ومقر قيادة الجمع الحربي لفرقة الجولان في ثكنة يردن ومقر قيادة فرقة الجولان 210 في نفح والمقر المستحدث للفرقة 91 في اييليت هشاحر بصلية من صواريخ الكاتيوشا.
هذا، واستهدفت المقاومة مقر قيادة الفيلق الشمالي في قاعدة «عين زيتيم»، في حين استهدفت أيضًا مقر الاستخبارات الرئيسية في المنطقة الشمالية المسؤولة عن الاغتيالات في قاعدة »ميشار»، ومقر وحدة المراقبة الجوية وإدارة العمليات الجوية في قاعدة «ميرون» بصليات من صواريخ الكاتيوشا. وجدّدت المقاومة قصف مقرّ الاستخبارات الرئيسية في المنطقة الشمالية المسؤولة عن الاغتيالات في قاعدة «ميشار».
كما اُطلق الحزب 60 صاروخاً في الرشقات الأخيرة على الجليل الأعلى والجولان رداً على غارة إسرائيلية استهدفت بلدة العديسة سبقتها غارة أخرى على بلدة الطيبة جنوب لبنان. كما سقطت صواريخ في محيط قاعدة ميرون الجوية شمال «إسرائيل».
وأعلن جيش الاحتلال في بيان، مقتل جنديين وإصابة تسعة آخرين في هجمات شنّها «حزب الله» على الحدود مع لبنان. وبحسب البيان نفسه، وقعت الإصابات الباقية في انفجار مسيّرات استهدفت منطقة الجليل الغربي، ليرتفع بذلك عدد القتلى الإسرائيليين إلى 715 جندياً منذ السابع من تشرين الماضي.
في المواقف الدولية، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن أنه يعمل على إتاحة عودة السكان إلى منازلهم في المناطق الحدودية في جنوب لبنان وشمال «إسرائيل»، في أول تعليق له على تصاعد التوتر بين «إسرائيل» وحزب الله. وأوضح بايدن للصحافيين في بداية اجتماع، أنه يريد «التأكد من أن الناس في شمال «إسرائيل» وكذلك جنوب لبنان قادرون على العودة إلى منازلهم، والعودة بأمان». وأضاف: «وزير الخارجية ووزير الدفاع وفريقنا بأكمله يعملون مع مجتمع الاستخبارات لمحاولة إنجاز ذلك. سنواصل العمل حتى ننجزه، لكن أمامنا طريق طويل لنقطعه». وفي تصريح لافت اعتبر المرشح الرئاسي للحزب الجمهوري دونالد ترامب أن ما حصل في لبنان كان جنوناً، وأن هذه حرب ولا بدّ من بذل كل الجهود للفوز بها. ورأى ترامب أمام القمة الوطنية للمجلس الإسرائيلي الأميركي في واشنطن، أنه إذا خسر الانتخابات أمام مرشحة الحزب الديمقراطي كاملا هاريس، فالمسؤولية ستقع جزئيّاً على الناخبين اليهود.
التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس، وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وبحث معه في «ضرورة خفض التصعيد في لبنان والتزام حل دبلوماسي يسمح بعودة السكان في شمال «إسرائيل»»، بحسب «روسيا اليوم».
وبحسب وزارة الخارجية الأميركية، «فقد ناقش بلينكن وماكرون تطورات الشرق الأوسط، بما في ذلك العمل على تحقيق وقف إطلاق النار في غزة وإعادة الرهائن إلى ديارهم وزيادة المساعدات الإنسانية لشعب غزة». كما ناقشا «الحاجة إلى خفض التصعيد في لبنان والالتزام بحل دبلوماسي يسمح للمدنيين الإسرائيليين واللبنانيين بالعودة الآمنة إلى ديارهم».
وفي سياق ذلك، حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أن تل أبيب تدفع نحو حرب في المنطقة. وخلال اتصال هاتفي أجراه ماكرون مع نتنياهو، بعد ساعات من العدوان على ضاحية بيروت الجنوبية.
وبحسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، حذر ماكرون نتنياهو قائلاً له: «أنتم تدفعون المنطقة إلى الحرب». بدوره، رد نتنياهو على ماكرون بالقول: «بدلاً من الضغط على «إسرائيل»، حان الوقت لفرنسا من أجل زيادة الضغط على حزب الله لوقف هجماته».
على الصعيد ذاته نقلت «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول سياسي فرنسي (لم تسمه) قوله: «نعتقد أن التطورات الأمنية الأخيرة في لبنان زادت من احتمالات الحرب، بينما نحن مقتنعون بأن المسار الدبلوماسي لا يزال قائماً، وسنواصل العمل من أجل ذلك».
وعلى وقع التطورات الخطيرة، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة لمناقشة سلسلة الانفجارات الدامية التي طالت أجهزة اتصال لعناصر في حزب الله بلبنان. وطالب لبنان بواسطة الجزائر، العضو غير الدائم في مجلس الأمن؛ وممثل المجموعة العربية بعقد جلسة طارئة لبحث الوضع في لبنان، إثر الغارات الإسرائيلية والاعتداءات السيبرانية التي طالت مناطق لبنانية عدة، راح ضحيتها عشرات الشهداء، وآلاف الجرحى من بينهم نساء وأطفال ومدنيون.
وتوجّه وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب، إلى نيويورك للمشاركة في الجلسة التي تبحث الوضع في لبنان.
في المواقف الداخلية، أشار رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط، بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، الى أنني «جئت لزيارة دولة الرئيس نبيه بري في هذه الظروف القاسية وفي هذه الكارثة الوطنية التي تحل بلبنان جراء العدوان الإسرائيلي المتكرر والمتواصل، جئت لأقدم التعازي للأهل، بالمناضلين، بكل الذين أصيبوا أو استشهدوا ولأقدم المواساة والتعاضد مع العائلات التي أصيبت أو الأفراد الذين أصيبوا جراء هذه الاعتداءات».
بدوره، أشار رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، في حديث تلفزيوني الى «أنني أعزّي بالشهداء وأتمنى الشفاء للجرحى وآمل أن تنتهي الأمور بخير. فالإسرائيلي يحقق انتصارات وهمية على المدنيين لتحقيق أهدافه». ورأى فرنجية، أن «الأحداث الأخيرة هي محاولات إسرائيلية للتأثير على بيئة المقاومة ومن يراهن على ضعفها فهو مخطئ».