أولى

الردّ الأوّلي والنوعي أكد فشل أهداف العدوان وصفع قادة العدو وكرّس مأزقهم

‭‬ حسن حردان

نفذت المقاومة قرارها بالردّ الأوّلي على المجزرة التي ارتكبها العدو الصهيوني بتفجير أجهزة الاتصال، بقصف مواقع وأهداف حساسة جنوب وشرق مدينة حيفا المحتلة، في عمق جغرافي يصل إلى أكثر من خمسين كلم، بنوعية جديدة من الصواريخ المتوسطة، فادي 1 و 2، واستهدفت بشكل أساسي مصانع للصناعات العسكرية رافائيل، وقاعدة ومطار رامات دافيد العسكريين المهمّين لدى جيش الاحتلال.
وبذلك أثبتت المقاومة:
أولاً، صدقية ما وعد به قائد المقاومة السيد حسن نصر الله، في الردّ على الجريمة الصهيونية وخرق العدو لكلّ القواعد والخطوط الحمراء، عندما قال جملته ذات الدلالات الهامة: «ما ترون لا ما تسمعون». وبالفعل شاهد العدو بعض من ردود المقاومة الأوّلية وبأسها وقدرتها.. وتلقّى صفعة قاسية بدّدت رهاناته على شلل المقاومة، ومعها كلّ أجواء النشوة بعد نجاحه بتحقيق إنجازات تكتيكية في مواجهة المقاومة.
ثانياً، انّ المقاومة أكدت بشكل واضح وعملي انّ العدوان الإسرائيلي لم يؤثر على منظومتها للقيادة والسيطرة والتحكم، بدليل استمرار جبهة الإسناد دون توقف بعد العدوان الصهيوني، ومن ثم البدء بتنفيذ قرار الردّ عليه في إطار الحساب المفتوح مع العدو.
ثالثاً، إنّ المقاومة برهنت أنها تملك القدرة على تحمّل الضربات مهما كانت مؤلمة، والسرعة في ملء أية شواغر تحصل في مواقعها القيادية عندما يستشهد منها قادة أساسيون، لأنّ هؤلاء القادة بنوا مؤسسة جهادية، خرّجت القيادات والكوادر القادرين على تولي المسؤوليات والمهام القيادية، عندما يستدعي ذلك. ولذلك فإنّ استشهاد قيادات هامة مؤسّسة مثل السيد عباس الموسوي الأمين عام الحزب الله، وعماد مغنية، ومصطفى بدر الدين، وفؤاد شكر، وابراهيم عقيل وغيرهم الكثيرون في هذه المسيرة الطويلة والمظفّرة، لم ولن ينال من بنية المقاومة وقدرتها وعزيمتها على الاستمرار حتى في أقسى الظروف.
رابعاً، إنّ المقاومة نجحت في امتصاص الضربات التكتيكية التي وجهها العدو لقيادة قوة الرضوان عندما قصف منطقة سكنية في الضاحية، اثر ارتكابه جريمة تفجير أجهزة الاتصال، واكدت انّ قدراتها لم تمسّ، رغم القصف العنيف المكثف لطيران العدو، الذي زعم انه دمّر منظومات ومنصات صواريخ المقاومة.. وهو ما تجسّد في قيام المقاومة. بضرب أهداف عسكرية واقتصادية نوعية في عمق يتجاوز الـ 50 كلم، وتجنّبت ضرب المستوطنين، على عكس العدو الذي لم يميّز في اعتداءاته بين مدني ومقاوم، الأمر الذي يظهر الفارق الكبير بين طبيعة وفكر وسلوك المقاومة وأخلاقها، وبين طبيعة العدو وعقليته وسلوكه الإجرامي الإرهابي، حيث لا يقيم ايّ اعتبار للإنسانية، ويستهدف المدنيين عن سابق إصرار وتصميم..
خامساً، أثبتت المقاومة فشل منظومات الدفاعات الجوية «الإسرائيلية»، في ذروة جاهزيتها واستنفارها واستعدادها، للتصدي لمنع وصول صواريخ المقاومة إلى أهدافها.
سادساً، إنّ المقاومة تؤكد من خلال هذا الردّ الأوّلي، أنها لم تُصب بأيّ ضعف لا في قدرتها وجاهزيتها على القتال ولا في معنويات مقاتليها المرتفعة، وعلى العدو أن يقرأ الرسالة جيداً، بأنّ كيانه كله مكشوف أمام صواريخ المقاومة ومُسيّراتها، ومنظومته من الدفاع الجوي التي عجزت عن التصدي للصواريخ المتوسطة، لن تكون بالضرورة قادرة على مواجهة الصواريخ الدقيقة والباليستية المتطورة، والتي لا يحتاج وصولها إلى أهدافها، في العمق الصهيوني، إلا لدقيقة أو أقلّ.. وبالتالي على قادة العدو ان يعدّوا للمليون قبل أن يفكروا بالذهاب أكثر إلى توسيع نطاق المواجهة والاستمرار في خرق الخطوط الحمراء ومعادلة الردع، وانّ المقاومة جادة وعازمة على منع جيش الاحتلال من تغيير هذه المعادلة، وهي لن تتوانى عن الردّ وبقوة على كلّ خرق لهذه المعادلة الردعية…
انّ المقاومة تقول لقادة العدو، هذا نموذج مما سوف يتعرّض له الكيان من أقصاه إلى أقصاه في حال ذهبتم إلى ارتكاب حماقة الحرب الواسعة.. وانّ المقاومة لا تريد الحرب الواسعة، لكنها مستعدة لها وقادرة على توجيه الضربات القوية للكيان، وكانت قد أوْصلت رسالة ردعية سابقاً عندما عرضت صور طائرات «الهدهد»، أظهرت انّ المقاومة تملك بنكاً كاملاً لكلّ الأهداف الحيوية الهامة في كلّ فلسطين المحتلة وتستطيع ضربها.. وأعقبت ذلك بعرض مشاهد لـ «منشأة عماد 4» المحصنة تحت الأرض في قلب أحد الجبال، مجهّزة بكلّ القدرات العسكرية ومنها الصواريخ، ولا يستطيع طيران العدو ضربها.. مهما قصفها بالصواريخ الثقيلة الخارقة للتحصينات، التي زوّدته بها الولايات المتحدة الأميركية.
على أنّ المقاومة من خلال هذا الردّ القوى والذكي والمدروس رداً على جرائم العدو وخرقه قواعد الاشتباك والخطوط الحمراء، إنما تؤكد من خلاله على ما يلي:
1 ـ انّ جبهة إسناد غزة لن تتوقف حتى تتوقف حرب الإبادة على قطاع غزة، والضفة الغربية، وتلبّى مطالب المقاومة الفلسطينية، وانّ هذا القرار حاسم وليس قابلاً للتفاوض، او للمساومة.. وهذا دليل واضح على فشل الهدف الأساسي لحكومة العدو من وراء تصعيد عدوانها ضدّ المقاومة وبيئتها الشعبية..
2 ـ انّ حكومة نتنياهو لن تستطيع إعادة المستوطنين إلى شمال فلسطين المحتلة، وانّ هؤلاء لن يعودوا قبل وقف الحرب على غزة، وإذا ما أوْغل نتنياهو في مواصلة خرق الخطوط الحمراء، فإنّ المقاومة ستخرق هذه الخطوط، وبالتالي سيؤدّي ذلك إلى مزيد من نزوح المستوطنين في الشمال كله إلى العمق الصهيوني ومفاقمة أزمة النزوح وزيادة الأعباء والكلفة الاقتصادية على الكيان.
3 ـ انّ المقاومة لا تخاف توسّع المواجهة ولا الحرب الواسعة إذا ما فرضها العدو، انْ كانت جوية أو أمنية، أو برية، ومستعدة لها وتملك القدرة على خوضها.. وهي اليوم باتت تحوز على قدرات كبيرة، كمّاً ونوعاً، وعديداً، يفوق كثيراً ما كانت تحوز عليه خلال حرب تموز عام 2006، التي هُزم فيها جيش الاحتلال وفشل في تحقيق أهدافه، واليوم فإنّ المقاومة جاهزة لتحويل أيّ اجتياح جديد لجنوب لبنان إلى فرصة جديدة، تجعل من المناطق التي يدخل إليها جيش العدو الى مقبرة لدباباته وجنوده، واستطراداً إلحاق هزيمة جديدة به، مع احتمالات ان يشكل ذلك أيضاً فرصة للمقاومة للدخول إلى الجليل الفلسطيني المحتلّ.
انطلاقاً مما تقدّم فإنّ مأزق قادة العدو في شمال فلسطين المحتلة مستمرّ، لأنّ المقاومة لن توقف حرب استنزاف الكيان في شمال فلسطين المحتلة، حتى يوقفوا حربهم على غزة.. ونتنياهو لن يتمكن من تحقيق هدفه بإعادة المستوطنين إلى المستعمرات، وتوسيع عدوانه ضدّ المقاومة وبيئتها لن يغيّر من هذا الواقع.. والطريق الوحيد أمامه هو وقف حربه على غزة والموافقة على مطالب المقاومة الفلسطينية…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى