احتواء أميركي استباقي
– يوم أول أمس، أعلنت واشنطن بلسان البيت الأبيض ووزارة الخارجية سعيها إلى احتواء التصعيد الحالي على جبهة جنوب لبنان ودعوتها الى التوصل لحل دبلوماسي يؤدي الى وقف اطلاق النار وعودة السكان من جانبي الحدود. وأضافت واشنطن أمس، الى هذه الدعوة إعلان دعمها لما تسمّيه دائماً بحق “إسرائيل” بالدفاع عن نفسها، ويكون غالباً لتغطية الجرائم الإسرائيلية ومنع مساءلة حكومة الاحتلال عن هذه الجرائم.
– قبل المجازر الإسرائيلية التي حصدت مئات الشهداء وقرابة 1500 جريح ودمّرت مئات المنازل والمنشآت في جنوب لبنان، كانت المساعي الأميركية تحت عنوان وقف النار وعودة مهجري جانبي الحدود. وخلال سنة تقريباً تقابل بتمسك لبناني رسميّ ومقاوم بوقف النار على كل الجبهات، وتأكيد استحالة وقف النار على جبهة لبنان ما لم يشمل وقف العدوان المفتوح على غزة. وجاء هذا الكلام على لسان وزير الخارجية اللبناني في اجتماع مجلس الأمن الدولي قبل يومين للبحث في التصعيد على الجبهة الحدودية الجنوبية للبنان.
– قبل أن يتجدّد هذا الموقف الأميركي مرة أخرى، كانت واشنطن قد أعلنت مراراً قناعتها بأن التوصّل إلى اتفاق لوقف النار في غزة سوف يضمن وقفاً موازياً في لبنان ما يفتح الطريق لعودة المهجرين، وها هي تتراجع عن هذا الموقف للعودة إلى فصل وقف النار في جبهة لبنان عن وقف الحرب على غزة والتوصل الى اتفاق ينهي الحرب عليها، وتدمج دعمها لما تسمّيه حق “إسرائيل” بالدفاع عن النفس، مع تجديد دعوة الفصل بين لبنان وغزة في وقف النار. وهكذا يترجم “الدفاع عن النفس” بالمجازر في جنوب لبنان، فتتقدّم واشنطن بمساعي الوساطة وتسميها “احتواء التصعيد”.
– عملياً يجب أن يكون المرء ساذجاً وغبياً كي يتوهّم أن كل جولة التصعيد الأخيرة، كما التي سبقتها ليست صناعة أميركية، لأن واشنطن أتاحت لبنيامين نتنياهو تنفيذ عمليات الاغتيال في طهران والضاحية الجنوبية التي استهدفت القائدين إسماعيل هنية وفؤاد شكر ضمن خطة مضمونها تغيير شروط التفاوض، لكن ردّ المقاومة في ضربة الوحدة 8200 أصاب الكيان بصدمة ما قبل الانهيار، حيث خرج قادة الكيان يتحدّثون بلغة لا نريد الحرب ولا حرب على حزب الله إلا في مستقبل بعيد، فجاء الدعم الأميركي بهدايا بحجم ملف أجهزة الاتصالات المفخّخة أميركياً ومن بعدها ملف اغتيال القائد فؤاد شكر، الذي تدور شكوك كثيرة حول أن واشنطن نفذته ولم تكتفِ بتقديم الداتا اللازمة لتنفيذه، لأن الإعلان في كيان الاحتلال عن غارة بطائرة أف 15 رافقته أنباء متعددة عن أن الطائرة من طراز أف 35، والطائرة لم تدخل حيز الاستخدام لدى جيش الاحتلال، والقنابل المستخدمة ثمة شكوك كبيرة حول وجودها لدى جيش الاحتلال، والهدف مرّة أخرى تغيير شروط التفاوض.
– واشنطن تدير الحرب وفق معادلة يسمّيها الاستراتيجيون الأميركيون بالإدارة المزدوجة، تسعير الحرب من وراء الستار، والتقدّم بالوساطة لإدارة التفاوض وفق المعطيات التي تفرضها الحرب، وقياس حجم تغيير موازين القوى.
التعليق السياسي