معك إنْ قلت مهلاً أو قلت حرباً
د. محمد سيد أحمد
ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن المقاومة اللبنانية البطلة والشجاعة، ولا عن سيدها سماحة السيد حسن نصر الله، فحينما يقرر الزعيم الخالد جمال عبد الناصر أنّ المقاومة ولدت لتبقى، وأنّ المقاومة هي شرف هذه الأمة، فلا بد أن يؤخذ هذا الكلام على محمل الجدّ لأنه الزعيم الذي لم تصدر منه كلمة إلا وكان لها معنى ومغزى، لأنه نابع من خلاصة تجربة الرجل الذي عاش ومات وهو يحلم بتحقيق الوحدة لهذه الأمة، والقضاء على العدو الصهيوني الذي يعتبر صراعنا ومعركتنا معه صراع ومعركة وجود.
إنّ كلمات جمال عبد الناصر الذي رحل عن عالمنا منذ نصف قرن ونيّف من الزمان لا زالت صالحة للتطبيق حتى اليوم، فالمقاومة فعلاً ولدت لتبقى، فما زالت المقاومة تشكل الهاجس الأكبر للاستعمار والرجعية العربية وإذا كان حزب الله هو الذي يقود المقاومة في العقدين ونصف الأخيرين، فيمكننا أن نقول وبحق إنه شرف هذه الأمة.
وفي الوقت الذي يشهر فيه حزب الله سلاحه في وجه العدو الصهيوني ويسعى بمقاومته للقضاء على المخططات التآمرية التي تستهدف تقسيم وتفتيت الأمة العربية، نجد حكام ممالك النفط كما هم تاريخياً يتآمرون على الأمة العربية وينفذون الأجندة الأميركية – الصهيونية لتقسيم وتفتيت الوطن العربي ويدعمون الجماعات التكفيرية الإرهابية إحدى أهمّ أدوات مشروع الشرق الأوسط الجديد لإشعال الفتن والنزاعات والحروب الداخلية، وأول المضحّين بالقضية الفلسطينية، وبالشعب الفلسطيني الذي يُباد في غزة منذ ما يقرب من عام.
لقد تمّ خلال العقد ونيّف الماضي استبدال الصراع العربي – الصهيوني بصراع عربي – عربي، وبدلاً من مواجهة العدو الصهيوني بالمال والسلاح الذي تمتلكه ممالك النفط أصبحت المواجهة عربية – عربية وأصبح المال والسلاح النفطي يوظف لمواجهة سنية – شيعية وهمية. ومن هنا تتجسّد مقولة الزعيم جمال عبد الناصر التي تؤكد أنّ حكام ممالك النفط هم الوجه الآخر للاستعمار والرجعية ولذلك وجب اجتثاثهم.
وفي الوقت الذي انصرف العالم العربي وانكفأ على نفسه لمواجهة الإرهاب الداخلي والمؤامرة التي تحاك ضده فتركت الساحة للعدو الصهيوني يعربد فيها كما يشاء ويقوم ببناء المستوطنات على الأرض العربية في فلسطين ويهود القدس ويعلنها عاصمة أبدية لكيانه الغاصب ويطمس كلّ معالمه ويذبح ويبيد شعبنا العربي الفلسطيني بدماء باردة دون أن يتحرك ساكن للحكام العرب خاصة ممالك النفط المنشغلة بالحروب الداخلية العربية والتي دعمت فيها الإرهابيين في كل من سورية والعراق وليبيا واليمن ومصر وتونس والجزائر والسودان والصومال بهدف تقسيم وتفتيت هذه المجتمعات.
وفي هذه الأثناء ظل حزب الله منفرداً يعلن معاداته للكيان الصهيوني واستعداده للردّ عليه في أيّ وقت وفي أيّ مكان. وبالفعل وعلى مدار السنوات الماضية كلما تمّت عملية من العدو الصهيوني ضدّ حزب الله وكوادره سواء في الداخل اللبناني أو خارجه جاء الردّ سريعاً وحاسماً في العمق الصهيوني مكبّداً العدو خسائر فادحة في المعدات العسكرية وأرواح جنوده وضباطه، ولم يكتف الحزب بذلك فقط بل قرّر أن ينضمّ لمعركة الشرف والكرامة التي تخوضها المقاومة الفلسطينية البطلة والشجاعة في غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي دفاعاً عن التراب الفلسطيني المحتل والمغتصب من العدو الصهيوني منذ ما يزيد عن 76 عاماً.
ولا يستطيع أحد أن ينكر أنّ حزب الله وحده الذي استطاع أن يلقن العدو الصهيوني دروساً قاسية، وهو وحده الذي رسم ولا زال يرسم خرائط اشتباك جديدة مع العدو، ففي الوقت الذي ظنّ فيه العدو الصهيوني أنه استطاع أن يخرج مصر وفلسطين والأردن من المواجهة العسكرية عبر اتفاقيات سلام مزعومة (كامب ديفيد – أوسلو – وادي عربة)، وبالتالي يمكن أن يجرّ سورية إلى طاولة المفاوضات وبذلك ينهي حالة الصراع، لكن هذا الظن قد خاب على يد القائد الخالد حافظ الأسد الذي دخل المفاوضات ولمدة عشر سنوات دون توقيع مع الاحتفاظ لبلاده بحالة الصراع من أجل تحرير كامل التراب العربي المحتلّ، في الوقت الذي لم يبخل فيه عن دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
وهنا يأتي دور حزب الله الذي غيّر كلّ هذه المعادلة، حيث أجبر العدو الصهيوني على الانسحاب من الجنوب اللبناني عام 2000 بدون اتفاقيات أو معاهدات أو جلوس على طاولة مفاوضات، ثم لقنه درساً آخر في الصمود والتحدي وانتصر عليه في حرب تموز 2006.
وفي الوقت الذي قام فيه سماحة السيد حسن نصر الله بالوفاء بوعده بالردّ على العدو الصهيوني عبر السنوات الماضية، وتكبيد العدو خسائر هائلة منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى، وتشكيل جبهة إسناد قوية لغزة، وعد بأنها لن تتوقف قبل وقف العدو الصهيوني لحرب الإبادة في غزة، وقيام العدو الصهيوني بالردّ على ذلك بالعدوان على جنوب لبنان واستهداف قادة المقاومة بالاغتيال كالعادة، وأخيراً القيام بالعمل المجرم الذي عرف بعملية البيجر، والتهديد بحرب مفتوحة مع لبنان، يخرج سماحة السيد حسن نصر الله ليؤكد أنّ المقاومة ستردّ على الهجمات الأخيرة لا محالة، لكنها تحتفظ لنفسها بالوقت والزمان المناسبين, وهذه الكلمات تجعل العدو الصهيوني يرتعد ويقف على رجل ونص على حدّ تعبير سماحته في خطاب سابق.
لقد جاءت رسائل سماحة السيد حسن نصر الله في موعدها تماماً لتؤكد أنّ المقاومة وحدها هي الحلّ في مواجهة العدو الصهيوني، وعلى الشعوب العربية أن تردّد بأعلى صوتها، كلمات القائد الخالد جمال عبد الناصر أنّ المقاومة ولدت لتبقى، ويجب أن يترسخ في العقل والضمير الجمعي العربي أن المقاومة هي شرف هذه الأمة، وعلينا أن نقول لسيد المقاومة معك إنْ قلت مهلاً أو قلت حرباً، فثقتنا بك لا حدود لها، اللهم بلغت اللهم فاشهد…