مرويات قومية
ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ «البناء« هذه الصفحة، لتحتضنَ محطات مشرقة من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة، وقد سجلت في رصيد حزبهم وتاريخه، وقفات عز راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا أي تفصيل، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
أنّ نكتب تاريخنا،..فإننا نرسم مستقبل أمتنا.
إعداد: لبيب ناصيف
سفير فلسطين في رومانيا الرفيق علي الكردي (أبو عماد)
منذ أن كان يتولى مسؤولية مكتب منظمة التحرير في برلين الشرقية، وكان على تماس مع الرفقاء في القسم الغربي منها، ثم متنقلاً في أكثر من مكان، الى توليه سفارة فلسطين في رومانيا، والرفيق علي الكردي، الذي عُرف بـ «أبو عماد» مستمرّ عبر المتابعة الحزبية التي كنت أقوم بها خلال توليّ لمسؤولية عميد شؤون عبر الحدود، ومستقرّ في أحلى الأمكنة في نفسي، لما كنت أعرف عن صدق إيمانه القومي الاجتماعي وعن التزامه القوي بالحزب بالرغم من توليه لمسؤوليات رفيعة في السلك الخارجي لمنظمة التحرير.
نشكر الأمينة ماري شهرستان التي كانت زوّدتنا بتاريخ 29/6/2008 بمذكرات الرفيق علي الكردي، نورد أبرز ما جاء فيها آملين ممن عرفه في دمشق، برلين ورومانيا، وغيرها من أماكن، ان يكتب بما يغني سيرة الرفيق علي الكردي.
*****
مذكرات الرفيق علي الكردي:
*ولدتُ في مدينة طبرّيا – فلسطين بتاريخ 4/9/1929.
*انتميتُ للحزب السوري القومي الاجتماعي عام 1946 عن طريق المرحوم الدكتور فايز الصايغ، أحد قادة الحزب في ذلك الوقت، قبل قرار فصله، وحيث كانت عائلته تقطن مدينة طبريا.
*أدّيتُ القسم والتزمتُ به فكراً وعقيدة وسلوكاً بحضور عدد من الرفقاء، أذكر منهم: المرحوم بدر منصور، وعبد الهادي حماد. وكان الترتيب الإداري: «مديرية مستقلة في طبريا».
*شاركتُ في العديد من النشاطات العسكرية والثقافية التي كان الحزب يقوم بها في ذلك الحين.
*أثناء اشتراكي في النشاطات الحزبية التي كانت تقوم بها منفذية حيفا تعرّفت على الشهيدين محمد الشلبي وأديب الجدع اللذين حكم عليهما بالإعدام مع حضرة الزعيم عام 1949.
*في عام 1948 تمّ ترحيلنا من مدينة طبريا الى إربد – الأردن.
*في أيار 1948 دخلت طلائع الجيش العراقي الى قسم من الأراضي الفلسطينية عن طريق الأردن حيث شاركتُ معهم.
تمّ استحداث مشفى ميداني في ثانوية إربد حيث زارته «أم عبد الإله» والملك فيصل، واحتفلوا بدخول الجيش العراقي الى فلسطين بوجود عدد من الشباب الفلسطيني، شربوا نخب الانتصار وبعدها قالت الأم:
«نحن الآن نشرب نخب أول انتصار حقيقي للجيش العراقي وغداً سنشرب كأس انتصارنا على الخونة الفلسطينيين الذين باعوا أراضيهم لليهود؛ وكنتُ أقف الى جانب العقيد محمود (وهو رجل وطني) فأمسكني وقال لي: «إهدأ»، لكن لم يكن مني إلا أن انفجرتُ بالصراخ دون إذن بطلب الكلام قائلاً: «الخونة ليسوا الشعب بل من تآمر على الشعب وجعلهم يغادرون أراضيهم». عندها شعر العقيد محمود بالخطر فطلب مني الخروج من القاعة فوراً ولم يكن فيها حرس لكني شاهدت مجموعة من الحرس يصعدون الى مكان الاجتماع فجريت هارباً فلحق بي الحرس، اختفيت عن أنظارهم فلحقوا بي الى المنزل. اعتقلوا جميع العاملين المتطوعين من الفلسطينيين في المستشفى. أحدهم كان لحاماً (يتقاضى 18 دينار شهرياً من المستشفى) جاء مع مجموعة من الجنود العراقيين الى منزلنا في إربد لإعتقالي حيث كان والدي. تركتُ المنزل وهربت ولما سألوا عني لم يجدوني.
أمام هذا الحدث شعر والدي بالخطر فقرّر الرحيل على الفور حيث غادرنا إربد في الليلة نفسها الى قرية «طفس» ومن ثم الى دمشق حيث استقرينا في حي الأكراد.
توجهتُ فور وصولي الى دمشق الى مركز الحزب في الصالحية حيث سمعتُ الأناشيد القومية فوقفتُ أمام الباب وأخذتُ أنشد من الخارج فسمعني المسؤول وهو ناصر لحام (شقيق الفنان دريد لحام) ففتح الباب وأدخلني الى المركز فعرّفت بحالي فألحقني بإحدى المديريات التي كان المدير فيها محمد الشلبي(1) (الشهيد لاحقاً) وكان أول مدير لهذه المديرية التي كانت تضمّ عدداً كبيراً من الرفقاء الفلسطينيين الذين نزحوا الى سورية.
شاركتُ في جميع النشاطات التي كان يقوم بها الحزب آنذاك، وقد اقتصر نشاط مديريتنا على الأمور التالية:
*تلقي التدريبات في جبل المهاجرين وكان المدرب الرفيق عادل قواص؛
*دراسة النواحي الثقافية.
كان لي في هذا العام 1948 شرف مقابلة حضرة الزعيم الذي كان يقوم بالزيارة التاريخية لدمشق وذلك بحضور كلّ من الرفقاء جورج بلدي، وجورج غناجة، والدكتور سامي خوري وعصام المحايري. كانت فرحة عظيمة لنا الاجتماع بحضرة الزعيم والتحدث معه وقد ترك هذا الاجتماع انطباعاً عظيماً في نفوسنا جميعاً.
استمرّينا بممارسة العمل الحزبي الى ان بدأت الثورة القومية الاجتماعية الأولى، حيث كان الزعيم قد أعلنها وطلب منا الالتحاق بها.
بناءً على تعليمات محمد الشلبي الذي طلب منا اللحاق بالثورة الى دير العشائر لبّى القسم الأعظم من المديرية هذا النداء حيث تجمّعنا في دير العشائر على أن يلحق بنا في اليوم التالي القسم الآخر. في هذه البلدة قابلتُ هناك ابو هيثم العريان ومجموعة من الرفقاء فطلب منا الرجوع الى دمشق فوراً لأنه قد حصلت خيانة – وهي خيانة «حسني الزعيم» وبدأ حينها الجيش السوري باعتقال القوميين الاجتماعيين، فقال لي العريان: «ارجع فوراً الى دمشق هناك خيانة في الموضوع»، عدتُ الى دمشق والتحقتُ بالحزب على الفور. وبالفعل فقد تمّ تنفيذ المؤامرة التي تمّ التخطيط لها من قبل جهات كثيرة متنوّعة وكان بينها جهات عربية أخرى ساهمت للتخلص من الزعيم وأفكاره التي كانت تشكل خطراً على المشروع الصهيوني.
مارسنا واجبنا الحزبي الى أن تمّ تنفيذ الإعدام المشؤوم وما تلاه من مآس حلت بالحزب، حيث تمّ إغلاق المكتب وأصبح العمل سرياً والتزمت بالأوامر. أذكر في تلك المرحلة فضل الله ابو منصور (وهو مقدم في الجيش). وكما هو معلوم تمّ اعتقال حضرة الزعيم وتقديمه للمحاكمة وإعدامه مع ستة من الرفقاء: ثلاثة من فلسطين ولبنانيين وواحد من حوران من سورية.
وهنا لا أريد ان أعلق على ما جرى واحتفظ لنفسي بتفسير ما حدث ولكن من حقي ان أتساءل وبألم: لماذا حدث كلّ ذلك وبسرعة مذهلة؟ هل كان ذلك سوء تقدير وخدعة مدبّرة بالرغم من إدراكنا للأخطار التي كانت تتهدّد حياة الزعيم؟؟ هل كان الزعيم ضحية غدر وخيانة من قبل من كان حوله من المستشارين؟
على كلّ كان الزعيم على حق عندما قال: «لقد أكملتُ رسالتي وختمتها بدمي، أنا أموت أما حزبي فباقٍ. إنّ موتي شرط لانتصار قضيتي»، بهذه الكلمات ختم الزعيم حياته وترك الحزب وقضية الحزب وزوجته وبناته أمانة في أعناقنا.
السؤال: هل كنا على حق وعلى مستوى جيد لتنفيذ هذه الأمانة؟ ارجو ذلك وكلي أمل وثقة بأنّ الجيل القادم سيحقق ما فشلنا نحن في تحقيقه والذي قال عنه الزعيم: «نحن نعمل لأجيال لم تولد بعد».
*****
بعد استشهاد حضرة الزعيم والرفقاء الستة، تمّ اعتقال عدد كبير من أعضاء الحزب في لبنان مما اضطر الكثيرين منهم للهرب الى سورية أذكر منهم:
*حضرة الأمينة الأولى وبنات الزعيم، جورج عبد المسيح، نواف حردان، محمد منصور.
كما تم اعتقال عدد من الفلسطينيين والحكم عليهم بالسجن أذكر منهم:
*عبد الهادي حمّاد ونصير ريّا.
تمّ بعد ذلك إعادة بناء الحزب في سورية وتمّ دمج الرفقاء الذين قدموا من لبنان، ومنهم الأمين نواف حردان الذي كلف بإدارة إحدى المديريات التي كنت مكلفاً فيها بمهمة مدرّب. كذلك تولى رئاسة تحرير جريدة «الجيل الجديد».
كانت فرحة انطلاق الحزب في سورية من جديد فرحة كبيرة وقد تعاظم دوره وبدأت شعبيته تزداد في جميع الأوساط وخاصة في أوساط المثقفين.
في عام 1949 تمّ تعييني مدرساً في مخيم وادي الرقاد (وهو أول مخيم للاجئين الفلسطينيين) على الحدود السورية – الفلسطينية. وبحكم وجودي في تلك المنطقة تعرّفت على العديد من الضباط السوريين الذين كانوا ينتدبون للعمل في الجبهة السورية (نقطة التماس) والذين شاركوا في الكثير من المواجهات العسكرية مع العدو «الإسرائيلي» وحيث استشهد لنا عدد من الضباط والجنود في إحدى المعارك.
كما أنّ وجودي في المخيم ومشاركتي الحياة معهم أكسبني الشيء الكثير حيث أنني عشت معهم وشاركتهم شظف الحياة وقساوتها وغضب الطبيعة ومرارة الغربة والحرمان وامتهان الكرامة. عشت معهم طيلة خمس سنوات من عمري متنقلاً من مكان الى آخر أشاركهم همومهم وأفراحهم وتعلّمت أشياء كثيرة كانت تنقصني حيث زادني هذا الأمر صلابة وعمقاً وتمسكاً بالمبادئ التي أؤمن بها وكنت أردّد دوماً في نفسي هذا السؤال: «ما الذي جلب لشعبي هذا الويل؟» فبدأت أولاً أفكر في تحسين وضع المخيم المعيشي وإيجاد فرص عمل للشباب فحققت بعض النجاح في ذلك بالتعاون مع الناس الطيبين.
كنتُ أول مدرّس فلسطيني في وكالة الغوث حيث عملتُ لمدة خمسة أعوام في عدد من المخيمات.
كان أديب الشيشكلي وغسان جديد يتردّدان علينا فاكتشف غسان أنني قومي، من المفاهيم نفسها التي يتحدّث بها، فعاتبني لأنني لم أصرّح له في البداية عن انتمائي، وكان غسان يقدّم مساعدات إنسانية للمخيم الذي كنت أعمل فيه، وعرّفني بأديب الشيشكلي حتى صرت أزوره في منزله. ولما انتقلت الى خان الشيخ، كانت زوجة أديب الشيشكلي تتردّد على المخيم مع مجموعة من النساء.
(أعتقد أننا أهملنا الشيشكلي وتعالينا عليه، وكان الزمن زمن الصراع على السلطة).
في خان الشيخ أسّسنا مفوضية وعُيّنتُ مفوض عام مع عمر أبو زلام.
عام 1953 كنتُ لا أزال معلم مدرسة في المخيمات وتعرّفتُ على زوجتي «نادرة محمد علي فرحة» (كنا جيران في حي الأكراد) وهي شقيقة وصال فرحة أيّ أنني سأصبح عديل خالد بكداش… هنا كانت المأساة حيث لم يوافق أيّ طرف على هذا الزواج: لا الشيوعيين وافقوا ولا القوميين وافقوا، فحوربت من قبل الشيوعيين بشكل قاس جداً. كما هدّد الحزب السوري القومي بمقاطعتي حياتياً. لكن العقوبة لم تصدر.
كنتُ أعمل مع الأمين الدكتور سامي خوري في مخيم خان الشيخ وكان الأمين عبدالله محسن(1) رئيساً للحزب فلجأتُ الى زوجته الرفيقة هيام حيث نصحتني بالزواج من نادرة لأنها تعتقد أنّ الممانعة في الزواج شأن غير إنساني.
في حين اعتبر آخرون انّ الزواج غير متكافئ لأنّ خالد بكداش كان منصبه يشبه منصب رئيس الجمهورية…
أخيراً أخذنا الموافقة الحزبية بالزواج على مسؤوليتي، فعقدنا الزواج عام 1953 لكن كان القانون ينص على أنّ الفلسطيني ليس له الحق بالزواج إلا بموافقة الأمن العام. ولم أحصل على الموافقة…
كان الرفيق القومي «حسام السيد» مسؤولاً في الأمن فلما كان الجواب مع عدم الموافقة رفع دعوى لتثبيت الزواج وفعلاً ثبّتنا الزواج.
في عام 1955 وبعد اغتيال العقيد عدنان المالكي الذي ذهب ضحية مؤامرة كبرى نفذتها أجهزة المخابرات المصرية بالتعاون مع عبد الحميد السراج، تعرّض الحزب للملاحقة من قبل الزمرة الحاكمة وتمّ اعتقال العديد من الأعضاء حتى أصبحت الساحة السورية خالية من العناصر القيادية(2).
رافق ذلك حملة إعلامية لا أخلاقية وظالمة من قبل الأحزاب المناوئة للحزب كما رافق ذلك حملة من الأكاذيب والاتهامات والإشاعات الكثيرة المضللة مما أثر على معنويات وحياة الكثيرين من رفقائنا الذين خيّروا بين الإنسحاب من الحزب او الطرد من وظائفهم والاعتقال. وقد تعرّض الحزب لاتهامات كثيرة ومتنوعة.
إزاء هذا الوضع المتردّي كان لا بدّ من التصدي لهذه الحملة الظالمة مهما كان الثمن، فبادرنا الى تشكيل لجنة عمل مشتركة مؤلفة من بعض الرفقاء أذكر منهم: رامز أمعد، محمود شعبوق، بشارة ندروس، مين دياب وعلي الكردي.
وقد تمّ وضع خطة عمل اتفقنا على تنفيذها مهما كان الثمن وتمّ الاتصال بالمركز في بيروت حيث تمّ تكليف الرفيق رجا يازجي بمهمة التنسيق وتمّ تكليف أحد الرفقاء بنقل الرسائل من والى بيروت.
*****
دخلتُ عام 1957 الجامعة السورية، قسم اللغة الإنكليزية.
فيها التقيت بعض الطلبة القوميين وبناء على توجيهات من المركز في بيروت قمنا ببعض الأنشطة وبتنفيذ بعض المهمات التي كان المركز بحاجة إليها.
قمنا في البداية بتشكيل لجنة قيادية مؤلفة من الطلبة أذكر منهم: الرفيق إسماعيل سفر (كلية الحقوق)، الرفيق سعد عشي (كلية الحقوق)، الرفيق عبدو وسوف (كلية الحقوق)، الرفيقة نوال قنيزح (كلية الآداب)، علي الكردي (كلية الآداب).
واستمر هذا النشاط الى أن تمّ اعتقال جميع عناصرها بالإضافة الى اعتقال رسول المركز سمير شدياق الذي اعترف بأسماء جميع الرفقاء الذين يتصل بهم في سورية. وكان قد تم اعتقاله في مدينة حمص أثناء قيامه بإحدى مهماته.
تمّ حجزنا أول الأمر في احد أقبية المخابرات وبدأ العدد يزداد تدريجياً كلما ازدادت شراسة المحققين وضعفت مقاومة واحتمال أجساد رفقائنا الى أن بلغ عددنا حوالي ثلاثين رفيقاً.
بعد فترة زمنية قضيناها في هذه الأقبية نقلنا الى سجن اللاذقية الرهيب وهناك مورست بحقنا أفظع أساليب التعذيب التي ورثها النظام الناصري عن نظيره النازي. وبعد فترة زمنية أخرى من التعذيب نقلنا الى سجن القلعة ثم الى سجن المزة العسكري. ووزعنا على الزنازين والقواويش وكان من نصيبي أولاً الزنزانة رقم 18 وبعد عدة أشهر نقلت الى قاووش رقم 5 وبعد أن ساءت حالتي الصحية نقلت الى المستشفى العسكري، حيث رفض في البداية الطبيب المصري معالجتي بعد أن سأل من أكون قائلاً: «فلسطيني وسوري وقومي» فألحقني بركلة من ساقه. وهنا انبرى له مدير المستشفى د. جوزف كلاس وطلب نقلي الى قسم خاص وهناك تمّت معالجتي.
في المزة التقيت بعدد من الرفقاء أذكر منهم:
أنطون كردوس، عبدو وسوف، محمود شعبوق، كمال كنج، نجيب خياطة، سعد عشي، سميح ديب، اسماعيل سفر، غالب الأطرش، بدر منصور، غطاس سعادة، وفرحان سحلول.
هذا وقد صدر بحقنا مذكرة توقيف بأمر من النيابة العامة العسكرية وتمّ بموجبها إحالتنا الى محكمة أمن الدولة العسكرية العليا التي كان يرأسها درويش الزوني. وبعد عدة جلسات قررت المحكمة رفض الدعوة لعدم الاختصاص وإحالتنا الى المحاكم المدنية وقد صادف ذلك إعلان الانفصال ورحيل الحكم الناصري فتمّ بعد ذلك الإفراج عنا جميعاً.
هوامش:
1 ـ لم يكن الأمين عبدالله محسن رئيسا للحزب في العام 1953، انما انتخب رئيساً أواخر عام 1958.
2 ـ يوضح الأمين د. فايز شهرستان انّ المؤامرة نفذها رئيس المكتب الثاني بالجيش الشامي عبد الحميد السراج، وهو المنظم الاول لعملية الاغتيال باتفاق خاص مع بعض المتواطئين وبمساهمة أجهزة المخابرات المصرية، كذلك رئيس الأركان في الجيش الشامي شوكت شقير (وهو أساساً من قرية أرصون في المتن الأعلى).
الرفيق الدكتور إميل لطفي
في مناسبة سابقة أشرت الى الرفيق الدكتور إميل لطفي ودعوتُ من يعرفه الى الكتابة عنه ما يُغني سيرته الحزبية، وكنت سمعت عن الرفيق الدكتور إميل من اكثر من رفيق وخاصة من الأمينة هيام محسن.
شكراً للرفيق نهاد نعمة حماده الذي أحال إلينا النبذة اللافتة عن الرفيق الدكتور إميل لطفي نقلا من كتاب «نقوش على جدار الزمن» للكاتب كمال قطيشات، ننشرها بالنص الحرفي على ان ننشر لاحقاً كل ما قد يردنا عن الرفيق المذكور مناضلاً وصاحب حضور مميّز على الصعيدين الحزبي والوطني.
*****
إميل لطفي… 1921 – 1969
ولد المرحوم أميل عايد سالم لطفي اللطافنة مدينة السلط عام 1921. وهو أخ لكل من فايز الذي كان قاضياً في محكمة التمييز ثم أصبح وكيلا لوزارة العمل، ونجيب الذي كان يعمل في القوات المسلحة، وست أخوات،
كان والدهم من أوائل المحامين في السلط الذين درسوا في دمشق، وعُيّن قاضياً فيها ثم تسلّم منصب قائم مقام في الكرك لمدة خمس سنوات ليعود بعد ذلك لممارسة مهنة المحاماة بالسلط.
درس أميل بمدرسة التلاتين ثم مدرسة السلط الثانوية، تخرّج منها عام 1937 – 1938 وكان من أصدقائه حمدي فريز وأحمد الطراونة وبدر الملقي وزهير المفتي وعبد خلف وجميل المعشر.
سافر إلى دمشق ودرس الطب وتخرّج ثم سافر إلى إنجلترا وتخصص في الطب العام.
مارس مهنة الطب في مدينة السلط ثم عيّن في وزارة الصحة وعمل في المدينة لمدة سنتين ثم استقال من وزارة الصحة، افتتح عيادة خاصة به وسكن هو وعائلته في السلط شارع البياضة، وهي العمارة التي كان في إحدى دكاكينها مقهى المغربي الذي بدأ باستئجارها عام 1946 وذلك قبل الانتقال إلى بناء جديد في مدخل السلط الذي يعود البناء لظافر الداوود.
تزوج إميل بالسيدة سهام السكر، كان يعالج المرضى في عيادته التي كانت في العمارة نفسها، كما كان من مؤسسي جمعية السلط الخيرية، وكذلك من مؤسسي الحزب السوري القومي الاجتماعي في مدينة السلط، وقد نشط نشاطاً ملحوظاً في هذا الاتجاه، وهو الذي بدأ نشاطه في السلط منذ بداية الأربعينات والتفّ حوله عدد من المتعلمين في السلط وخارجها كان منهم وصفي التل، عبد الحليم النمر، نايف قعوار، وعدنان الصباح وغيرهم.
وبعد الثورة الاتقلابية الأولى التي قادها سعاده في لبنان وتمّت فيه محاكمته وإعدامه، خرج عدد من المنتسبين للحزب ولجأوا إلى الأردن، وكان منهم علي غندور والدكتور نذير العظمة، وغيرهم.. وكان الدكتور أميل ممن ساعدوا أفراد هذا الحزب في اللجوء إلى الأردن.
عندما انتقل الى عمّان افتتح عيادة بشارع السلط وكان يعمل بها طول النهار يعالج المرضى، وعندما كان المستشفى الإيطالي يستدعيه، كان يلبّي الواجب الإنساني، اعترافاً بفضله فقد منح وسام الفارس الإيطالي تقديراً لخدماته فيه، وكذلك تقديراً لما قام به في أثناء حرب 67 من مساعدات المرضى والجراحة جراء الحرب.
كما حصل على تكريمين في عام 1958 من نقابة الأطباء الأردنيين باعتبار ما قام به من خدمات باعتباره من أوائل الأطباء الرواد.
انتقل إلى رحمة الله في 3/1/1969 أثر ذبحه صدريه، وعمره كان 48 عاما. دفن بمقبرة ام الحيران/ عمّان وكانت جنازته حافلة، ووصف بأنه كان ذكياً مخلصاً لعمله يحب مساعدة الفقراء والمساكين، كما يوصف بأنه قيادي مخضرم محبوب مسموع الكلمة.