المسار التفاوضي يتراجع لصالح طبول الحرب في الكيان سياسياً وعسكرياً وشعبياً / المقاومة تبدّد في الميدان أوهام المستوطنين وجيشهم وقادتهم وترسم سقوفهم بالنار / النصّ الفرنسيّ الأميركيّ: تهدئة منفردة لتفاوض متلازم للقرارين 1701 و 2735
كتب المحرّر السياسيّ
لم تعد المفاوضات التي بدت أمس، خياراً راهناً تملك الاندفاعة ذاتها، بعدما بدا الكيان تحت تأثير نشوة صورة النيران تلتهم المنازل في لبنان وتحصد مئات الشهداء وآلاف الجرحى، فظهر إجماع القيادات السياسية وقادة الجيش ووزارة الدفاع وتكتلات الرأي العام، حول مواصلة الحرب ووهم النصر، وتنافس الجميع في إظهار ثقتهم بأن هناك إنجازات تحتاج إلى مواصلتها بالمزيد من القوة، بينما يتحدّث بعكس ذلك الخبراء الذين حذروا من فشل الحرب في غزة ولم يسمع لهم أحد إلا بعد شهور من المحاولات الفاشلة لتحقيق النصر الموهوم، ويبدو أن أياماً وأسابيع يجب أن تمرّ هذه المرة حتى تتبدّد هذه الأوهام. وهؤلاء الخبراء الذين يمثلون ضباطاً كباراً سابقين في جيش الاحتلال يقولون إن القوة استنفدت قدرتها على فعل المزيد وإن التوقف الآن هو عمل نموذجي للكيان والدخول في تفاوض بالتوازي لوقف النار في جبهتي لبنان وغزة بالتوازي والتزامن. ويسألون ماذا سنفعل إن بقينا في الحرب، والحرب البريّة مجرّبة ومعروفة النتائج، تجربتا غزة وحرب 2006 تقولان إن حزب الله سيخرج منتصراً في الحرب البريّة وإن الذهاب إلى حرب المدن لا يعني إلا فتح الطريق أمام ترسانة حزب الله أن تجري مناورة نارية تظهر التوازن الناري مع الكيان، بينما تبدو “إسرائيل” اليوم في وضعيّة التفوّق الناري.
المقاومة في الميدان غير معنية بالمسار التفاوضي أقلع أم لم يُقلع، وهي تستثمر كل لحظة ودقيقة لفرض إيقاع يؤكد إمساكها بزمام المبادرة ويبدّد أوهام المستوطنين وجيشهم وقادتهم حول إمكانية تحقيق نصر، فتوسّع دائرة النار جغرافياً وتدمج استهداف المواقع العسكرية والحيوية باستهداف المدن والمستوطنات، وتزيد عدد صلياتها الصاروخية اليومية وترفع من نوعيتها الى الأكثر قدرة، حتى يكتشف الموهومون بتحقيق النصر أنّهم كيفما استداروا في هذه الحرب فإنهم سوف يحصدون الخيبة والفشل.
بانتظار الميدان والمعادلات التي سوف يرسمها كشفت أمس، تفاصيل النص الأميركي الفرنسي حول هدنة 21 يوماً تتيح التفاوض حول تطبيق القرار 1701 بالنسبة للبنان و 2735 بالنسبة لغزة، وقد وقعت البيان دول عربية وأجنبية، حيث قال الرئيسان الأميركي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون في بيان مشترك إنهما عملا على دعوة مشتركة لوقف مؤقت لإطلاق النار لمنح الدبلوماسية فرصة للنجاح وتجنّب مزيد من التصعيد عبر الحدود. وأضاف بايدن وماكرون أنّ “البيان الذي تفاوضنا عليه بات الآن يحظى بتأييد كلّ من الولايات المتّحدة وأستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر”. وقالت الدول الموقعة على البيان المشترك: إنّنا ندعو إلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يوماً عبر الحدود اللبنانية – الإسرائيلية لإفساح المجال أمام الدبلوماسية لإبرام تسوية دبلوماسية”، ودعا النداء “جميع الأطراف، بمن فيهم حكومتا “إسرائيل” ولبنان، إلى تأييد وقف إطلاق النار المؤقت على الفور بما يتفق مع قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 وتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2735 المتعلق بوقف إطلاق النار في غزة”.
فيما أُجهضت المساعي الدبلوماسية للتوصل إلى هدنة في غزة وجنوب لبنان قبل أن تولد، توقعت أوساط دبلوماسية لـ»البناء» إطالة أمد الجولة القتالية الموسّعة بين حزب الله وإسرائيل لوقت غير قصير بالحد الأدنى حتى الانتخابات الأميركية المقبلة، في ظل الضوء الأخضر الأميركي لـ»إسرائيل» للاستمرار بالحرب على حزب الله، فيما أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها ستحصل على حزمة مساعدات أميركية قيمتها 8.7 مليار دولار لدعم جهودها العسكرية الحالية.
وبعد إقفال باب المساعي حتى الساعة، واصلت المقاومة عمليّاتها الجهادية ضد العدو الصهيوني دعمًا لشعبنا الفلسطينيّ الصامد في قطاع غزة وإسنادًا لمقاومته الباسلة والشريفة، ودفاعًا عن لبنان وشعبه، إذ استهدفت مستعمرة كريات موتسكين بِصليات من الصواريخ، وقصفت مُجمّعات الصناعات العسكرية لشركة “رفائيل” في منطقة زوفولون شمال مدينة حيفا بِصليات من الصواريخ. ومستعمرة “كريات شمونة” بِصليات من صواريخ فلق 2.
وتصدّت وحدات الدفاع الجوي في المقاومة الإسلامية لطائرتين حربيتين معاديتين آتيتين من البحر باتجاه عدلون وأجبرتهما على مغادرة الأجواء اللبنانية. كما استهدفت مقر قيادة المنطقة الشمالية في قاعدة دادو والمقرّ الاحتياطي للفيلق الشمالي وقاعدة تمركز احتياط فرقة الجليل ومخازنها اللوجستية في “عميعاد” ومستعمرة “أحيهود”.
كذلك شنّت المقاومة هجومًا جويًا بسربٍ من المسيّرات الانقضاضية على قاعدة شمشون – مركز تجهيز قيادي ووحدة تجهيز إقليمية، واستهدف مدينة صفد المحتلة بِثمانين صاروخًا ردًا على الاستباحة الهمجية “الإسرائيلية” للمدن اللبنانية والقرى والمدنيين. ومساء أمس، ردت المقاومة على الاستباحة الهمجية الصهيونية للمدن والقرى والمدنيين، فقصفت مستعمرة “كريات آتا” بِخمسين صاروخًا. كما قصفت مقرّ الاستخبارات الرئيسيّة للمنطقة الشمالية بِصلية صاروخية.
وأشارت القناة 12 الإسرائيلية، الى “حريق كبير في بلدة كفار بالجليل الأعلى إثر الدفعة الصاروخية الأخيرة من لبنان”.
وفيما أشارت جهات مطلعة لـ”البناء” الى “تدرّج المقاومة باستخدام الصواريخ والأسلحة ورقعة الاستهداف في كيان الاحتلال ما يؤكد على انتظام منظومة التحكم والسيطرة والقيادة للمقاومة وبأنّها لم تتأثر بالضربات المتتالية التي تعرّضت لها على مستوى القيادة وجسم المقاومة وبيئتها اللصيقة، وبالتالي إحباط أهداف العدو بالإخلال بهذا النظام وإحداث الصدمة والإرباك تمهيداً لتنفيذ ضربات إضافية تفقد المقاومة السيطرة على الميدان”، ولفتت الجهات الى أن المقاومة لا زالت تملك القوة كما كانت وأكثر وتلم بنك أهداف كبير يطال كامل الكيان الإسرائيلي، وأشار خبراء عسكريون لـ”البناء” الى أن استمرار إطلاق حزب الله للصواريخ بهذه الكثافة والدقة والنجاح بإصابة الأهداف مع قدرة المناورة أمام القبب الحديديّة يشكل إنجازاً عسكرياً كبيراً ما يعطّل الأهداف الإسرائيليّة المتمثلة بالقضاء على منظومة الإمرة في الحزب والتواصل مع الوحدات القتاليّة على الأرض، ووقف إطلاق الصواريخ والمسيرات، والفصل بين جبهتي غزة والجنوب، واستعادة المستوطنين”.
وفيما استبعد الخبراء العمليّة البرية في المدى القريب، وإن تم ذلك لن تغير “إسرائيل” المعادلة القائمة ولن يحقق أي إنجازات عسكرية بل سيتخذ حزب الله منها فرصة ليكبد الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة ستفتح الباب أمام هزيمة مدوية، لكون حزب الله متفوّقاً على الجيش الإسرائيلي في البر مقابل تفوّق “إسرائيل” في الجو والحرب التكنولوجية. وأفادت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية أنّ رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو كان خائفًا جدًا من الحرب مع حزب الله؛ وقد تحدّث هو نفسه عن ذلك بكلمات قاسية.
كما أشارت الصحيفة إلى أنّه على الرغم من نقل القوات النظامية والاحتياطية إلى الحدود الشمالية، بما في ذلك الفرقة 98، لا يوجد استعداد فوريّ للدخول البري إلى لبنان. وتعتقد أغلبية القيادة العليا أن “إسرائيل” ارتكبت خطأ مأساويًا ومريرًا في هذا الموضوع مرتين من قبل، في عامي 1982 و2006، وعليها ألا تدخل في ما يراه كثيرون فخّ الموت الذي يُعدّه حزب الله.
على صعيد الحراك الدبلوماسي لتطويق الحرب قبل اتساع نطاقها وتتحوّل حرباً شاملة وإقليمية، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تضغط بشكل عاجل على “إسرائيل” وحزب الله لوقف الهجمات الجوية المتصاعدة داخل لبنان وخارجه. الخطة التي توسطت فيها الولايات المتحدة تدعو إلى وقف القتال لعدة أسابيع وتحرّك دبلوماسي للوصول إلى تسوية أكثر ديمومة.
وأشارت القناة 12 الاسرائيلية الى ان هناك صدمة في الإدارة الأميركية من تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن التفاهمات الصامتة بشأن وقف إطلاق النار. بدورها، نقلت “هآرتس” عن مصادر، بان نتنياهو أبدى موافقته على اقتراح الهدنة الأميركي لكنه تراجع بعد انتقادات من داخل حكومته. وأشار “أكسيوس” نقلا عن مسؤولين، الى ان المحادثات بشأن اقتراح وقف إطلاق النار ستستمرّ اليوم الخميس في نيويورك.
وأكد مسؤول أميركي، بحسب “اكسيوس”، بأن واشنطن لم تتخلّ بعد عن مبادرة وقف إطلاق النار والاقتراح لم يتضمّن تاريخاً لبدئه.
وأشار البيت الأبيض حول الحرب الإسرائيلية على لبنان، إلى أننا لا نعتقد أن الحرب الشاملة هي الحل. ولفت الى أن النداء لوقف إطلاق النار في لبنان أطلق بالتنسيق مع “إسرائيل”. فيما اعتبر وزير خارجية بريطانيا دايفيد لامي ان “ما يحدث في لبنان قد يتحوّل إلى صراع خطير”، وأوضح في تصريح تلفزيوني، بان “المطلوب حل سياسي تفاوضي بين إسرائيل وحزب الله”.
وكانت دارت اتصالات مكثفة لمحاولة التوصل الى اتفاق لوقف النار بين حزب الله و”إسرائيل”، في السياق، أكّد مصدر عربيّ دبلوماسيّ أنّ المندوب الإسرائيليّ أبلغ الجميع في نيويورك، بوضوح أنّ العملية على لبنان لن تتوقف وأنّ لديهم تعليقات كثيرة على الاقتراح الأميركيّ. وأعلن في تصريح أنّ النتائج سلبية، حتى الساعة. وقال “المبعوثون الذين يتواصلون مع “حزب الله” لديهم إجابات غير واضحة منه، فهو يربط الحل بالتفاهم مع حماس، وحماس لا توافق على صياغة الاقتراح لأنه لا يتضمن تعهدات بوقف نهائيّ لإطلاق النار.” وأضاف “هناك اجتماع قريب بين مسؤولين من المخابرات الأميركية والفرنسية والقطرية والمِصرية لبحث تعديل الصيغ المقترحة للحل.»
ونفى مكتب رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو تقارير بشأن إصداره أوامر بتهدئة الهجمات في لبنان. وأعلن نتنياهو أنه “أصدر تعليمات للجيش بمواصلة القتال بكامل قوته”، مشيرًا إلى أنه لم يقدّم أي رد على الاقتراح الأميركي الفرنسي لوقف إطلاق النار.
وكان صدر عن الولايات المتّحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الغربية والعربية، نداء مشترك لإرساء “وقف موقت لإطلاق النار” لمدة 21 يوماً في لبنان، بحسب “فرانس برس”.
وقالت الدول الموقعة على البيان: “لقد حان الوقت لإبرام تسوية دبلوماسية تمكّن المدنيّين على جانبي الحدود من العودة إلى ديارهم بأمان”. أضافت: “ندعو إلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يوماً عبر الحدود اللبنانية -الإسرائيلية لإفساح المجال أمام الدبلوماسية لإبرام تسوية دبلوماسية”. وحذّر النداء المشترك من أنّ “الوضع بين لبنان و”إسرائيل” منذ 8 تشرين الأول 2023 لا يُطاق، ويشكّل خطراً غير مقبول لتصعيد إقليميّ أوسع، وهذا لا يصبّ في مصلحة أحد: لا في مصلحة شعب “إسرائيل” ولا في مصلحة شعب لبنان”. ودعا “كل الأطراف، بمن فيهم حكومتا “إسرائيل” ولبنان، إلى تأييد وقف إطلاق النار المؤقت على الفور بما يتفق مع قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 وتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 2735 المتعلق بوقف لإطلاق النار في غزة”.
وقال الرئيسان الأميركي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون في بيان مشترك: “عملنا معاً في الأيام الأخيرة على دعوة مشتركة لوقف مؤقت لإطلاق النار لمنح الدبلوماسية فرصة للنجاح وتجنّب مزيد من التصعيد عبر الحدود”، مشيرين إلى أنّ “البيان الذي تفاوضنا عليه بات الآن يحظى بتأييد كلّ من الولايات المتّحدة وأستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر”.
وتواصل العدوان الإسرائيلي الواسع في يومه الرابع مستهدفاً المدنيين، حيث أغار الطيران الحربي على شقة سكنيّة في مبنى من عشر طبقات في حي القائم، عند تقاطع حي الرويس، حيث تعجّ المنطقة بالشقق السكنية والمارة. وعلى الفور هرعت فرق الإنقاذ والإسعاف إلى المكان. وزعم جيش الاحتلال أن هدف العملية قائد وحدة المُسَيَرات في حزب الله محمد سرور الملقب بـ”ابو صالح”. وادعت “يديعوت أحرونوت” أن “عملية الاغتيال في الضاحية الجنوبية لبيروت تأتي رداً على إطلاق صواريخ باتجاه تل أبيب أمس الأول. لكن مصادر ميدانية نفت لـ”البناء” أن تكون عملية الاغتيال قد نجحت.
وبقيت الغارات والقصف عنيفين جنوباً وبقاعاً متسببين بدمار وسقوط شهداء وجرحى. والجديد تمثل في ضربات هي الأولى من نوعها، اذ استهدفت غارات إسرائيلية المعابر الحدودية مع سورية في البقاع الشمالي. وأعلن وزير النقل علي حمية عن قصف إسرائيليّ على معبر حدودي بين لبنان وسورية من الجانب السوريّ للحدود. وزعم جيش العدو استهداف نقطة حدودية تستخدم كممر للسلاح من سورية إلى “حزب الله”.
ليس بعيداً، أعلن وزير الداخلية بسام مولوي اليوم أن عدد النازحين في مراكز الإيواء بلغ 70100 في 533 مركزاً تحت إدارة المحافظين. كما كشف عن تفعيل كل خلايا إدارة الكوارث بجميع المحافظات، وقال: “طلبنا العناية بأصحاب الأمراض المزمنة وسنؤمن الفرش والأدوية ونركز على تداعيات النزوح على المناطق المضيفة”.