الحرب السيبرانية… إحدى بدائل فشل «إسرائيل» العسكري
نمر أبي ديب
غياب الضوابط الأمن عسكرية، أحد أبرز ملامح المرحلة الجديدة، وبوابة عبور المنظومات العسكرية الأكثر تقدماً متدرجات المراوحة العالمية، الدولية منها والإقليمية القائمة على قواعد اشتباك سياسي، وآخر أمني وعسكري، منبثق في الدرجة الأولى من استراتيجية تموضع، وأيضاً من اصطفافات ميدانية، فرضها صراع المحاور الدولية، في أزمنة النظام العالمي السابق الذي سيطر عليه مبدأ الأحادية الدولية المتمثلة بـ الولايات المتحدة الأميركية، انطلاقاً من لعبة الأمم الملزمة في حينه بـ معادلات عالمية عديدة أبرزها: “الدولار” عصب الاقتصاد العالمي من جهة، والثقافة الاستعمارية التي حاولت دول كبرى في مقدمتها بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، تعميم متدرجاتها الجغرافية (أيّ ما يُعرف بالثقافة الاستعمارية)، كـ أمر واقع دولي، شمل إضافة إلى دول القارة الأفريقية، فلسطين المحتلة، وغيرها من دول الاستهداف الغربي، على قاعدة ترجمة التجربة الأميركية، ذات الطابع التوسعي، والحضور الاحتلالي، الذي نجح في تغيير الهوية العرقية، لمساحات جغرافية هائلة، تشغلها الولايات المتحدة الأميركية، التي فشلت بدورها في ترجمة الحال الأميركية مع السكان الأصليين “الشعب الأحمر”، لصالح المستوطنين “الإسرائيليين” داخل الجغرافيا الفلسطينية وخارجها، في كلّ من لبنان وسورية (الجولان المحتل)، وغيرها من دول الاستهداف التاريخي.
الجدير في الذكر، أن الانتقال العسكري ذا الصيغة كما الصبغة الأميركية “الإسرائيلية”، من أنظمة المواجهة الأمن عسكرية التقليدية، إلى مساحات متقدّمة ذات منطلقات عسكرية جديدة تشغلها اليوم “هندسات حروب سيبرانية” متقدمة، دليل إخفاق لمشروع استعماري بدأت مفاعيله الكارثية عام 1948، وما زالت مستمرة، بفعل الحاضنة الأميركية من جهة، والدعم العسكري غير المحدود، الذي أضاف إلى وجود ودور الولايات المتحدة الأميركية صفة الشريك الأول في الربح الاستراتيجي، كما في الخسارة العسكرية والسلوك الدموي، الذي بلغ مع تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية «بايجر» مستوى جرائم حرب موصوفة في مجمل المقاربات العسكرية، والمعايير الدولية.
فشلت سياسات الاستعمار الدولي، “الأميركية تحديداً”، في تثبيت النسخة الإقليمية، من “النموذج الأميركي الفريد”، رغم المحاولات المتكررة في مراحل مفصلية عديدة أبرزها سلسلة الهزائم العسكرية التي توِّجت عام 2000 بالتحرير، ثم الانتصار في حرب تموز ـ آب 2006 ، مع ما استتبعها من إسقاط فعلي للمشروع الأميركي الكبير، تحت مسمّى “الشرق الأوسط الجديد”، الذي حاولت “إسرائيل” والولايات المتحدة الأميركية تمريره، الأولى في قوتها العسكرية، والثانية من خلال وزيرة خارجيتها كونداليزا رايس التي جمعت في دبلوماسيتها ما بين “عسكرة السياسة” من جهة ومن جهة أخرى “دبلوماسية القوة”، الفاقدة على المستوى الأمن/ عسكري مجمل نقاط وعناوين التفوّق الاستراتيجي في حينه.
ثالثاً : الحرب العالمية التي تعرّضت لها الجمهورية العربية السورية، إذ نقارب المشهد من زاويتين: الأولى تتمحور حول التكامل الفعلي والحقيقي، لمجمل الجبهات الأمن عسكرية، على الساحة السورية، ثانيتها اعتبار المنظومة الدولية سورية معبراً استراتيجياً لإسقاط منظومات المقاومة التاريخية، التي عملت تباعاً على إفشال المشروع الأميركي الدائم في المنطقة، مع ما استتبعه من محاولات ممنهجة، لإحداث خرق وجودي على مستوى ملفات عديدة أبرزها “التطبيع”، أحد أبرز الملفات النابضة بجوهر وأبعاد “صفقة القرن” الأميركية.
ما تقدَّم، أظهر بـ الدليل التاريخي الواضح والقاطع فشل شبه كامل لـ”محاولات أميركية عديدة”، توفرت لها سبل “الدعم العالمي المطلق”، على أكثر من مستوى، سياسي وآخر مالي وعسكري ولوجستي، وتلك المحاولات هادفة إلى إسقاط محور المقاومة”، وفرض مشروعها الشرق أوسطي، الأمني كما العسكري وحتى التجاري، الذي بات يُعرف بـ”ممر بايدن”.
انطلاقاً من ما تقدَّم، “الحروب السيبرانية” التي يعتمدها كيان الاحتلال “الإسرائيلي”، ويفاخر بـ نتائجها الإجرامية، وليدة الفشل الاستراتيجي، في تثبيت دعائم ومرتكزات المشروع الأميركي القديم الجديد في المنطقة المشروع القائم على نفس احتلالي، لكيان ذات نزعة دموية، نابعة من طبيعة عسكرية إرهابية لا يمكن أن يتوفر بها أو لها، عوامل ومتدرجات الانصهار الاجتماعي والدمج في بيئة شرق أوسطية معاكسة بإنتظامها الثقافي، كما في حسّها الإنساني، وعمادها الفكري، الديني والاجتماعي.
“الحروب السيبرانية” بدائل الفشل العسكري، خطوة متقدمة بتقنيات دولية، وأذرع “إسرائيلية” مستهلكة خضعت للتجربة كما للامتحان الأمن عسكري أكثر من مرة وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ الانتقال الاسرائيلي “من وإلى مدار عسكري سيبراني” يرتب على المقلب الآخر، والحديث يتناول “محور المقاومة” انتقال عسكري أيضاً استراتيجي، “من وإلى بُعْد ومساحات صاروخية جديدة”، وأخرى مستقبلية قد تكون مختلفة وسط “انكشاف أمني جغرافي” يعيشه كيان الاحتلال الاسرائيلي، منذ ما قبل هدهد 1 و2 و3 ، وأيضاً منذ ما قبل عملية “غاليلوت” واستهداف الوحدة 8200، يضاف إلى ما تقدَّم الإصابة التي تعرّض لها عمق الكيان من خلال الصاروخ اليمني الفرط صوتي، ما يؤكد على أنّ الانتقال الاسرائيلي إلى انتظام عسكري سيبراني جديد، سوف يقابله في محور المقاومة انتقال جديد، وهذا ما عبَّرت عنه القناة 12 العبرية، حين أكَّدت مصادرها العسكرية، (أنّ قواعد اللعبة مع لبنان تغيَّرت، عقب هجمات حزب الله الأخيرة)، بالتالي ما حصده كيان الاحتلال في عملياته الأخيرة، لم ولن ينهي مطلقاً حالة الانكشاف الأمني، الذي يعيشها الداخل الاسرائيلي، كما أنّ ما تتعرّض له المقاومة في لبنان تحديداً حزب الله لم ولن يحول دون تحقيق “إصابة مباشرة في العمق الاسرائيلي”، والانتقال مع تطورات الساعة، إلى “مسارات صاروخية جديدة”، تحاكي من حيث الحاجة الميدانية، متطلبات المعركة، ومستلزماتها الوجودية.