العملية البريّة والقطب المخفيّة
– لم يعُد ممكناً لجيش الاحتلال وقيادته السياسية تفادي البدء بعملية عسكرية برية، في ظل إنجازات أمنية وعسكرية هائلة رفعت قيادة الاحتلال من سقف الآمال لدى الرأي العام المؤيد للاحتلال داخل الكيان وخارجه حول قدرة خارقة لجيش الاحتلال في تحقيق النصر من جهة، وتلاشي قدرة المقاومة على المواجهة من جهة مقابلة، في ظل عدم قدرة جيش الاحتلال على اعتبار ما تمّ كافياً لتحقيق الأهداف بينما لا تزال الصواريخ تتساقط في شمال فلسطين المحتلة، وتتسع دائرتها ويزداد عددها، بما يؤكد أن فك الارتباط بين جبهة لبنان وجبهة غزة من جهة وإعادة المهجّرين من جهة موازية، كهدفين للاحتلال ينتظر تحقيقهما خطوات إضافية.
– وقف صواريخ الشمال هو كلمة سر العمل العسكري والأمني لجيش الاحتلال، وتصعيد النوع ذاته من العمليات الجوية لا يبدو موثوقاً في بلوغ هذا الهدف، لأن الخط البياني لها كان تصاعدياً وليس تنازلياً بالتناسب مع التصعيد العسكري والأمني لجيش الاحتلال، ليتردّد في إعلام الكيان وأوساط الرأي العام فيه نداء واحد، هيّا إلى العمل البرّي، والكل مأخوذ بنشوة الإنجاز والشعور بفائض القوة، ويصدّق ما يسمع عن إنجازات هائلة لا ينقصها إلا آخر الرتوشات التي تمثلها العملية البرية.
– القيادة السياسيّة في الكيان وقيادة الجيش تعلمان أن العمل البري قد يكون اللحظة التي يتمّ خلالها هدر كل ما تحقق من إنجازات ومعها صورة الإبهار العسكري والأمني، باستثمار التفوق الجويّ والتكنولوجيّ. وقد قال بعضهم ذلك ولو بصورة مواربة، لكن الطريق المسدود أمام كيفية إيقاف صواريخ الشمال، والسقف المرتفع لآمال الرأي العام المؤيد للاحتلال داخل الكيان وخارجه يجبر القيادتين السياسية والعسكرية على المضي قدماً نحو عملية برية، يتمنى أن تبقى محدودة ومدروسة دون تورط في معركة برية مفتوحة يصعب الخروج منها، لكن بدون تحقيق إنجاز بري يفتح طريق إضعاف المقاومة وإخراجها بالقوة من بعض الجغرافيا يبقى الحديث عن وقف صواريخ الشمال مجرد كلام بلا خريطة طريق.
– الكيان عالق بين طريق مسدود يواجهه مع صواريخ الشمال وعملية برية يخشى أن تنتهي بفشل ذريع، والمقاومة تبدو جاهزة لتحويل أي عملية برية يفترض أنها باتت وشيكة أو أن تكون قيد التنفيذ، إلى نقطة تحوّل في مسار الحرب معاكسة للمسار الذي فرضه الاحتلال في الأيام التي مضت، والكيان قد بنى آمالاً على إنجازاته بحجم تغيير الشرق الأوسط، ويبدو نجاحه في العملية البرية الى حد النجاح بإلزام المقاومة بالانسحاب الى ما وراء الليطاني، شرطاً لبقاء هذه الآمال على قيد الحياة.
– ما فعلته المقاومة باستئخار ردها على اغتيال قائدها الشهيد بعدما أظهرت عبر إطلاق صواريخ بالستية منفردة نحو القدس وحيفا وتل أبيب، يعود الى عدم منح الكيان أيّ مسار بديل للعملية البرية، وإجباره على اختصار الوقت اللازم لإطلاقها، والضغط عليه بالإحراج الصاروخي على الشمال ليبدأ بالتوغل البري.
– العملية البرية تفتح الباب لتقدّم المقاومة ما عندها وما خبّأته لهذه المنازلة، لتعيد رسم صورة موازين القوى التي نجح الاحتلال في جعلها تبدو في لحظة اختلالاً استراتيجياً لصالحه.
– الأميركيّ الذي منح التغطية لهذه العملية بعد تلعثم يشبه ما فعله يوم الهجوم على رفح، قلق من فشل الكيان، ولذلك يحتفظ بالكلام عن الحل الدبلوماسي على قيد الحياة، ويرسل الفرنسي إلى بيروت للحديث عن وقف النار، وكل هذا الحراك ليس إلا بوليصة تأمين لاحتمال فشل الاحتلال في العملية البرية سوف يُسحب من التداول إذا نجح الاحتلال في تحقيق إنجاز يُبنى عليه برياً.
التعليق السياسي