المقاومة تبدّد رهانات نتنياهو والاجتياح البري فرصة ينتظرها المقاومون
حسن حردان
لوحظت سرعة تحرك الغرب لمحاولة جس نبض الموقف الرسمي اللبناني، ومن خلفه موقف حزب الله، بشأن ما إذا كان قد أصبح مستعداً للقبول بالشروط الإسرائيلية، بعد الضربات المتتالية الموجعة التي تلقاها باغتيال العديد من قادته وكوادره، وصولاً إلى اغتيال أمينه العام سماحة السيد حسن نصر الله.. وعلى هذه الخلفية جاء المبعوث الفرنسي جان لوي لودريان إلى بيروت وقابل رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، ورئيس مجلس النواب نبيه بري.. لكن ما رشح أنّ لودريان تبلغ استعداد لبنان لقبول وقف لإطلاق النار، ومن ثم إجراء مفاوضات بشأن تطبيق القرار 1701 الذي لم تحترمه «إسرائيل» يوماً وظلت تخرق السيادة اللبنانية وتعتدي على لبنان، وتواصل رفض الانسحاب من الأراضي اللبنانية، التي لا تزال تحتلها، إلى الحدود الدولية. فيما كانت «إسرائيل»، في الوقت ذاته، تحضر وتستعدّ لليوم الذي تشنّ فيه حرباً واسعة على لبنان للانتقام من المقاومة التي ألحقت بها الهزيمة التاريخية والاستراتيجية خلال عدوانها على لبنان في تموز عام 2006.. ولهذا فإنّ رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو يرفض وقف النار والتفاوض لسحب جيشه من الأراضي اللبنانية، عدا طبعاً عن رفض وقف حربه الإجرامية في غزة..
واليوم وتحت غطاء فصل جبهة الجنوب عن جبهة غزة، وبعد فشل نتنياهو في تحقيق أهداف حربه في غزة، قرّر الاستدارة إلى لبنان وبدأ بشن حرب جوية وأمنية واسعة على لبنان، والهدف الانتقام من المقاومة ومحاولة تحقيق الأهداف التي عجز عن تحقيقها جيش الاحتلال في تموز 2006.. وهو نجح حتى الآن في تحقيق إنجازات تكتيكية، عبر اغتيال العديد من قيادات المقاومة وصولاً إلى اغتيال رأس المقاومة ورمزها سماحة السيد.. لكن هذه الاغتيالات لم تحقق لحكومة العدو ما أرادته من أهداف مباشرة، وهي:
ـ إفقاد حزب الله توازنه.
ـ شلّ منظومة القيادة والسيطرة لديه.
ـ إحداث فوضى في بيئته المباشرة، وهزّ ثقتها بالمقاومة وقدرتها على النهوض من جديد…
ـ واستطراداً إجبار الحزب على الرضوخ للشروط الإسرائيلية بوقف جبهة إسناد غزة وقبول انسحاب قوات المقاومة إلى شمال الليطاني..
فحكومة نتنياهو فوجئت أن رهاناتها وآمالها خابت ولم تتحقق، لأنّ حزب الله:
أولاً، لم يتراجع عن قراره مواصلة جبهة إسناد غزة وإصراره على ربط وقف النار على جبهة الجنوب بوقف حرب الإبادة في غزة والاستجابة لمطالب المقاومة الفلسطينية، واستمرار جبهة الإسناد بفعالية كما كانت عليها قبل اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.. وهو ما أكد عليه نائب الأمين العام للحزب سماحة الشيخ نعيم قاسم في أول إطلالة له بعد استشهاد السيد.
ثانياً، إن منظومة القيادة والسيطرة والتحكم لدى المقاومة لم تصب بأي خلل، بل ظلت تعمل كما كانت.. بدليل استمرار التواصل بين القيادة المركزية وكل مواقع المقاومة في كل المناطق.
ثالثاً، إنّ قيادة حزب الله لم تصب بأيّ انهيار او ضعف، وهي سارعت مباشرة اثر استشهاد الأمين العام والقائد الرمز السيد حسن نصر الله إلى العمل على لملمة الجراح واستيعاب ما حصل، وبدأت ورشة عمل لملء الشواغر في المناصب القيادية، وإجراء قراءة لما حصل من خسارة كبيرة، وتقدير للموقف، وآفاق المواجهة التي فتحت على مصراعيها، والتحضير لعملية انتخاب أمين عام جديد للحزب، للانطلاق بعد ذلك إلى البدء بعملية الردّ على العدوان الإجراميّ، وخرق العدو لكلّ القواعد والخطوط الحمراء.. وبالتالي بدء مرحلة العمل على استعادة زمام المبادرة، وتدفيع العدو الثمن المقابل لما ارتكبه من جرائم إرهابية ضد المدنيين، ومن اغتيالات للقادة..
على أنّ إقدام جيش الاحتلال على المسارعة إلى تنفيذ اجتياح بري لجنوب لبنان سوف يشكل أيضاً فرصة هامة للمقاومين كي يثأروا من العدو وتكبيده الخسائر الفادحة بما يقلب المعادلة سريعاً لمصلحة المقاومة ويعيد إدخال كيان الاحتلال في مأزق الفشل من جديد في محاولة تحقيق أهدافه، والغرق مجدداً في مستنقع الاستنزاف على نطاق واسع في جنوب لبنان، الأمر الذي يسرّع من إحباط أهداف العدو وإنهاء الحرب وفق شروط المقاومة.. ما سيؤدي إلى تبديد آخر أحلام ورهانات نتنياهو على إحياء آماله بإعادة فرض مشروع الشرق الأوسط الجديد، كما فشل سلفه إيهود أولمرت في تحقيقه عام 2006..
ويبدو أنّ نتنياهو الذي يعيش نشوة الانتصار بعد نجاحه في ارتكاب جريمة اغتيال سيد المقاومة، يعتقد أنّ بإمكانه القيام بعدوان بري للوصول إلى مواقع تواجد صواريخ المقاومة وتدميرها، بعد أن تبيّن له انّ الحرب الجوية لم تدمّر القدرات الصاروخية للمقاومة، وأنّ سياسة الاغتيالات لم تشلّ قدرة حزب الله على الاستمرار في إطلاق الصواريخ على كلّ الشمال الفلسطيني المحتلّ، وصولاً إلى عمق 65 كلم وأحياناً تصل بعض الصواريخ إلى مستعمرات الضفة الغربية ضواحي القدس المحتلتين.
من هنا إذا بدأ، فعلاً، جيش الاحتلال اجتياح جنوب لبنان اليوم، كما تشير الأنباء، فإنّ ذلك إنما يمثل الفرصة الثمينة التي ينتظرها المقاومون بفارغ الصبر لخوض معارك الالتحام مع قوات العدو للثأر لقائدهم الرمز الشهيد السيد حسن نصر الله وكلّ الشهداء، وتلقين جيش العدو دروساً جديدة في القتال، وتدمير دباباته.. وإلحاق الهزيمة به، بما يُعيد مشاهد البطولة التي سطرت في حرب تموز إلى المشهد من جديد، وتسقط معها مجدداً أحلام أميركا و»إسرائيل» بسحق المقاومة وتصفية قضية فلسطين وإعادة رسم خريطة المنطقة وفق مشاريعهما، ليتأكد أنّ المقاومة ومحورها هما من يقرّر مصير المنطقة ومستقبلها على صورة أبنائها بعيداً عن الهيمنة والسيطرة الأميركية ـ «الإسرائيلية»، ويُعيد لشعب لفلسطين الأمل الواقعي بتحرير أرضه واستعادة حقوقه المغتصبة..
إنها معركة فاصلة وحاسمة بين مشروعين، مشروع المقاومة التحرري، والمشروع الأميركي الصهيوني لإخضاع المنطقة والهيمنة عليها.