كلمة السر في خطاب الشيخ نعيم قاسم
ناصر قنديل
– طمأنت إطلالة نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم جمهور الحزب ومناصري المقاومة في لبنان وخارجه، بأن المقاومة التي ربطوا أحلامهم الكبيرة بتغيير معالم المنطقة انطلاقاً من المواجهة مع كيان الاحتلال تحت شعار”إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت”، ورهنوا هذه الأحلام على وجودها وقوتها، أن الضربات القاسية التي تلقتها وآخرها استشهاد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله، الذي شكّل رمز هذا الحلم، ومصدر الثقة بواقعيّته، هي مقاومة لم تهزم ولم تسقط ولم تتلق الضربة القاضية، وفتح نافذة تحتاج بعض الوقت والوقائع لتنال الثقة، بأن المقاومة قادرة على النهوض وتجديد قدراتها وهياكلها واسترداد زمام المبادرة، وإعادة بعث الحياة وضخ الدماء في شرايين مشروعها الطموح، واسترداد حيوية الشرائح الواسعة التي استنهضت حضورها طوال سنوات مضت.
– بالتوازي أعادت كلمة الشيخ نعيم قاسم بعض الأمل إلى البيئة الحاضنة لحزب الله التي أصيبت بأرواح عائلاتها ومصادر رزقها وبيوتها، وكانت قد بنت آمالاً على قدرة الردع لدى المقاومة لتمنع عنها هذه الأضرار، ثم ما لبثت أن تداعت أمام عينيها تلك الصورة المبهِرة التي رسمتها لنفسها عن قوة حزب الله، وتماسكه ومناعة أجهزته، وهي ترى كيف تتلاحق الضربات القاتلة على الحزب ومؤسساته وقادته، من تفجير أجهزة المناداة إلى تفجير أجهزة الاتصال إلى الاغتيالات والقصف التدميريّ في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت وصولاً الى البقاع وكسروان، وتوّجها اغتيال سيد المقاومة، ليجتمع القلق من حجم القدرات الأمنية للاحتلال مع الإحباط من الأمل بالقدرة على النهوض بعده، وتخييم اليأس على النفوس وتسلل كل الأفكار السوداء حول كل الحلفاء. وجاءت كلمة الشيخ نعيم قاسم بعد ثلاثة أيام على استشهاد سيد المقاومة، في توقيت مناسب مع هدوء النفوس واضطرار الناس لمواجهة الوقائع، حيث لا خيارات، وحيث الحرب تدقّ الأبواب بصور أشد وحشيّة، وحيث لا غطاء يحمي إلا الثقة مرة أخرى بهذه المقاومة. ووقعت كلمات الشيخ قاسم في مكانها بالدعوة إلى أن هذه المقاومة باقية قوية وتستحق هذه الثقة.
– ثمّة كلمة سر مفتاحيّة في كلمة الشيخ نعيم قاسم لعبت دور السحر في مدّ الكثير من الجسور نحو استعادة الثقة، وإحياء الكثير من الآمال بأن زمام المبادرة سوف يُستعاد، وأن الردع لن يتأخر، وأن المعادلات باقية، وأن المقاومة تحتاج بعض الوقت القليل لاستكمال ترتيبات هيكليتها حتى يرى الجميع ما ينتظرونه من هذه المقاومة، كلمة السر جاءت سلسة وتدفّقت بصورة طبيعيّة في كلمة الشيخ قاسم، عندما كان يخاطب السيد نصرالله بالقول، «ستتابع منظومة القيادة والسيطرة والمجاهدين ما كنتَ تتابعه أيها الأمين بالدقة نفسها وبالخطوات التي رسمتها، وقد تابع الأخوة عملهم كنتيجة للهيكلية المنظمة التي أسستها، والتي تتابع في أصعب الظروف والخطط البديلة التي وضعتها للأفراد والقادة البدائل، نحن نتعامل معها، والجميع حاضر في الميدان».
– فجأة حضر سحر السيّد في النفوس والميدان، وشعر الجميع أن السيد نصرالله لا يزال موجوداً معهم، وقد استعدّ استباقاً لفرضية النجاح في اغتياله واغتيال القادة في المقاومة، ووضع الخطط البديلة لكل مجال، ورسم إطار التحرّك عسكرياً وتنظيمياً وأعدّ هيكلية لكل احتمال، وما دامت هذه خطط السيد وهو مَن وضعها فهي ليست للنقاش، والثقة بصوابها وجدواها وصحتها تمثل بعض وفاء لشهادته، وكانت هذه الوصفة الكيميائيّة التي يطلقها أستاذ الكيمياء، الشيخ نعيم قاسم، كافية ليسمع الناس وينتظروا أن يروا النتائج قريباً. وعندما بدأت الأنباء تأتي من الجبهة الأمامية عن استعدادات لجيش الاحتلال لبدء العملية البريّة بدأ الناس يدعون بعضهم بعضاً إلى تلاوة دعاء الجوشن الذي كان ينصح به السيد نصرالله في مثل هذه الحالات.
– الذين يؤمنون بالمقاومة وقد جعلوها مشروع حياتهم، والذين دفعوا الكثير في حياتهم ثمناً لارتباطهم بها، هم الذين سماهم السيد نصرالله بأشرف الناس وأنبل الناس وأكرم الناس، وهؤلاء شركاء الغرم مع المقاومة، بينما شركاء الغنم معها، الذين بنوا في مراحل ما بعد الانتصارات وجاهة وربما ثروات من كل التمسّح بالقرب منها، فقد غادروا الساحة، وبعضهم أوقف هاتفه كي لا يقصده نازح طلباً لمساعدة بإيجاد مأوى، وقد عاد أنبل الناس وأشرف الناس وأكرم الناس، يستعيدون الأمل بأن تضحياتهم لم تذهب هدراً، وأن مواقفهم كانت الأصحّ، وأن الغد سوف يكون أفضل، وأن الصبر سلاح هذه الأيام الصعبة.