نقاط على الحروف

محور السيد نصرالله يسترد المبادرة

ناصر قنديل

– يقول أحد الصحافيين في كيان الاحتلال إن مَن كان يراقب سماء تل أبيب كان يجول بنظره في كل اتجاه فيرى الصواريخ تتساقط عليها، من لبنان واليمن وإيران. وإذا أضفنا إلى كلام هذا الصحافي أن ذلك كله جرى، فيما كان مقاتلون فلسطينيون يطلقون النار في شوارع تل أبيب، وكانت المقاومة في غزة تشنّ هجوماً نوعياً على معبر نتساريم شارك فيه عشرات المقاتلين، بينما كانت المقاومة العراقيّة تهاجم قاعدة عين الأسد، نستطيع القول إنه منذ السابع من أكتوبر لم نشهد مثل هذا الحضور القويّ للتزامن في هجمات قوى محور المقاومة.
– خلال شهور مضت قام كيان الاحتلال بتنسيق ودعم أميركيين بمجموعة عمليات بدأت باغتيال القائد إسماعيل هنية في طهران، والقائد فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، وتلت ذلك مجموعة من الضربات التي استهدفت حزب الله، خصوصاً في أعقاب رده على اغتيال القائد فؤاد شكر واستهدافه مقر الوحدة 8200 قرب تل أبيب، وتضمّنت الحزمة القاتلة المصمّمة كضربة قاضية لإسقاط حزب الله تفجير أجهزة المناداة وأجهزة الاتصال واغتيال العديد من قيادات الحزب العسكرية والميدانية، وحملات جوية استهدفت جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت ومنطقة البقاع، وتوّج كل ذلك بعملية معقدة أسفرت عن اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ما أتاح لرئيس حكومة الكيان التحدّث بلغة الواثق أنّه سيّد الشرق الأوسط الذي يقوم بإعادة تشكيله، ولم يكن وارداً بلوغه هذه المرحلة لولا حجم الدعم والإسناد الأميركي المفتوح، ضمن خطة مشتركة عنوانها التخلّص من حزب الله.
– برز فوراً السؤال: أين إيران؟ وكان أغلب من يطرحون السؤال يصيغون السؤال بلغة الشماتة بمؤيّدي المقاومة، خصوصاً الذين أصابتهم صدمة الحزن على خسارة بحجم استشهاد سيّد المقاومة. وكان السؤال يأتي مشفوعاً بالقول، لماذا لم تنفذ إيران وعدها بالردّ على اغتيال القائد إسماعيل هنية، الذي كان ضيفاً على الدولة الإيرانية وكان اغتياله وفق الوصف الإيراني اعتداء على السيادة الإيرانية والكرامة الإيرانية. وينطلق السرد من هنا إلى التشكيك بصدق إيران، ويصل إلى الاستنتاج أن إيران باعت قوى المقاومة تفادياً للعواقب التي هدّدت بها أميركا. وبلغت الوقاحة بالبعض حدّ تلفيق روايات عن صفقة أميركية إيرانية، وتزوير تصريحات تنسب للرئيس الإيراني تستغلّ كونه من التيار الإصلاحيّ، لتؤكد رواية الصفقة الأميركية الإيرانية وتقول إن ثمنها كان رؤوس قادة محور المقاومة.
– لا نريد أن نناقش هذه السرديات السخيفة الآن بعدما تمّ ما يكفي لقلب المعادلة، ورمي الأسئلة بوجه أيتام الوحدة 8200، ونحن نستمع إلى تصريحات المسؤولين الأميركيين وهي تقول إن الضربة الإيرانية لا تستدعي الرد، مرة بداعي عدم الرغبة بالتصعيد، ومرة بذريعة أن الضربة كانت فاشلة ولم تلحق أضراراً بالكيان تستحق الدخول في حرب. والسؤال البسيط الذي يجب على جماعة الوحدة 8200 أن يوجّهوه لمشغليهم هو هل باعت أميركا “إسرائيل” تفادياً لعواقب التورط في حرب، وقد تم قصف القاعدة الأميركية في عين الأسد في العراق؟
– رئيس أركان جيش الاحتلال يقول: أثبتنا قدرتنا على منع العدو من الإنجاز وسنختار متى نجمع الأثمان ونثبت قدراتنا الهجوميّة الدقيقة والمفاجئة. فهل هذا أول النزول عن شجرة المزاعم التي أسكرت قادة الكيان بعد استهداف سيّد المقاومة، وقد تلقى الكيان صفعات صواريخ المقاومة من لبنان على مدى يوم كامل وعلى مساحة ممتدّة من حدود لبنان إلى ما بعد ما بعد تل أبيب، وخابت عمليّات جيش الاحتلال البرية وشكّلت فضيحة، بينما يبدو اليمن والعراق في جهوزية كاملة، والمقاومة في فلسطين تنتقل إلى الهجمات النوعيّة من تل أبيب إلى نتساريم في قطاع غزة؟
– الأميركي والإسرائيلي أمام اختبار صعب، فدماء السيد حسن نصرالله أشعلت قلوب وعقول قادة محور المقاومة وصهرت قلوبهم على قلب رجل واحد، وفعّلت غرفة العمليات التي كان يقودها، ووضعت الحلف الأميركي الإسرائيلي أمام خيارين، الردّ وتحمل تبعات التصعيد المفتوح، أو تقبل حقيقة أن معادلات الردع ليست بين أيديهم. وكما سبق وقلنا إننا لا نريد أن تخوض إيران حرباً بالنيابة عن قوى المقاومة، لأن حروب الدول تضعف حركات المقاومة وتحوّلها الى ملحق للمعادلات الدولية والتفاهمات التي ينتجها التفاوض الحتمي في مثل هذه الحالات. ويكفي أن إيران أوفت بوعدها بالردّ على اغتيال القائد إسماعيل هنية، وضاعفت حجم الرد انتقاماً لدماء السيد حسن نصرالله، وقالت لقادة الكيان بلسان الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، لا نريد الحرب لكننا سنواجه أي تهديد، محذّراً “إسرائيل”، من خوض مواجهة مع إيران في الوقت الحالي. وأكد أن الرد على “إسرائيل” حق مشروع ويهدف لتحقيق السلام والأمن لإيران، مكملاً معادلة الحرس الثوري، إذا ردت “إسرائيل” سيكون الردّ عليها مدمراً.
– الحقيقة التي لا يستطيع أحد إنكارها اليوم، هي أن محور السيد حسن نصرالله يستردّ زمام المبادرة ويفرض إيقاع دمه على معادلات المنطقة، لا يريد الحرب لكنه جاهز لها ولا يخشاها، والكرة عند واشنطن وتل أبيب، ويُبنى على الشيء مقتضاه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى