مقالات وآراء

مأساة عائلة نازحة…

‬ علي بدر الدين

عشرة أيام ثقيلة وقاسية وحزينة مرّت وأبناء الجنوب والضاحية في غربة قسرية موجعة، فرضها العدو الإسرائيلي الهمجي عليهم بالحديد والنار والقتل والتدمير، بعد أن رحلوا على عجل، وقد حطّ بهم الرحال على معظم مساحة لبنان ،حيث جُمع شمل عائلات وتفّرق بعضها، وانقطعت السبُل بالبعض الآخر الذي تاه ولم يجد مكاناً يلجأ اليه، سوى الشوارع أو الحدائق أو المدارس التي تفتقد إلى أدنى مقومات الحياة المتواضعة جداً وإلى كرامة الإنسان التي يجب أن تصان، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا غطاء، كلّ ما يُدعم به هؤلاء فرشة إسفنج ركيكة، ووجبة «سخنة» من فاعل خير أو رجل أعمال أو جمعية أو طامح سياسي يطبع اسمه اللامع على أكياس النايلون او كرتونة «الإعاشة».
رأيت وسمعت على شاشة التلفزيون إحدى النساء التي تتخذ من زاوية حديقة صغيرة «بيتاً» مؤقتاً لها ولزوجها وأطفالها وإلى جانبهم بعض الثياب يتكئون عليها.
سألَتها المذيعة عن حالها وعائلتها، أجابت بصوت خافت وحزين «لستِ بحاجة لتسأليني عن أحوالنا ونحن كما ترين في الشارع، وننتظر أن يأتينا أحد بـ «سندويشة» أو أكثر لنأكل ونسدّ جوعنا».
المهمّ أنّ النازحين وفي أيّ مكان كانت إقامتهم «المؤقتة» وفي أيّ منطقة أو في أيّ بيت مع عائلات أخرى ليسوا بخير، وليسوا بأمان، وقد تعرّضت عائلات بأكملها لإبادة جماعية، أو شاء القدر أن يبقى ناجٍ واحد منها ربما لأنه كان خارج منطقة الاستهداف أو أصيب وكتب الله له النجاة.
وأعرف أنّ عائلة (أشقاء وأقرباء) من بلدي وهم من أقربائي وأصدقائي، قرّرت أن تحافظ على جمع شملها الذي كان قائماً قبل النزوح، ووجدت بيتاً واسعاً مع حديقة في أحد المباني في منطقة عين الدلب في صيدا، واعتقدت أنها ستكون بأمان وستؤازر بعضها في أيام الحرب والشدّة، ولكن العدو الإسرائيلي الغادر والحاقد والمجرم غدر بها وأغار بطائراته وصواريخه على المبنى الذي تتواجد فيه مع عدد من العائلات النازحة التي التجأت اليه، فحوّل المبنى الى ركام وقتل وجرح وتناثرت أشلاء أجساد الأطفال الطرية وسالت الدماء على الرؤوس والوجوه والأجساد، واستشهدت ابنة «قرابتي – عديلي» مع طفليها (علي وفاطمة) وأصيبت ابنته الثانية واستشهد ولداها (علي ومحمد) وأصيب شقيقه واستشهدت زوجته وحفيده (علي) واستشهدت الشغّالة من الجنسية الأثيوبية، وأصيب هو وزوجته وابنته الثالثة وصهره وشقيقته وشقيق زوجته وجميع أفراد العائلة الذين يُعالجون حالياً في مستشفيات صيدا…
نعم، تطايرت العائلات النازحة كما تتطاير الأوراق في الهواء ولكنها ستسقط في مكان ما، ولكن العدو لا يتركها تستقرّ، يبقى يلاحقها من مكان إلى آخر للإيقاع بها مُصرّاً على إصابتها بمقتل بشظايا صواريخه المتطايرة المسمومة.
الرحمة للشهداء والشفاء للجرحى…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى