زمنُ الكاتيوشا مضى… إنه زمنُ البكاءِ الصهيوني
أحمد عويدات
كَثُرَ حديث الندَّابين والمشككين حول قوة المقاومة ووجودها، وبدأوا يُعدُّون الجنازة لحزب الله من جهة، وذهب الكثير منهم إلى نعي الدور الإيراني في المنطقة، واتجاه إيران إلى انحسارٍ يطوي معه صفحة محور المقاومة ووحدة الساحات، وإعطاء فرصة للكيان بإعلان الانتصار على” محور الشر”، وخروج مفردات وأدوات المقاومة من التاريخ والجغرافيا.
نسي هؤلاء أن يتابعوا صور انطلاق صواريخ المقاومة لحظة استشهاد الأمين العام سيد المقاومة السيد حسن نصر الله ورفاقه. نسيَ هؤلاء قوة أبناء نصر الله في ضرب معاقل الكيان في عمق الجليل وحيفا، وتذكروا فقط آلام ومعاناة اللبنانيين، وأحزان رفاق وأخوة المشوار، وأكثروا من نشر صوَر الدمار والخراب الذي حلَّ بلبنان، وعرض طوابير التهجير القسري الذي تسبّبت به الغارات الوحشية لطائرات نتنياهو وداعميه، وأنحوا باللائمة على المقاومة بأنها السبب في ما وصلت إليه الأمور، وسقوط الضحايا وهذا الدمار الهائل.
لقد نسي هؤلاء أنّ كرامة لبنان وشرفه لا تصونها إلا المقاومة، وأنّ دم أبنائه وقادته الشرفاء المقاومين غالٍ ولا يساويه إلا بكاء الصهاينة ودمار بنيان الاحتلال وإزالته عن الأرض التي دنسها، وثأراً للقامات الوطنية المناضلة التي استشهدت بعمليات اغتيال جبانة. وحَسِبَ هؤلاء المتربِّصون المتشدِّقون أن إيران تتاجر بدماء اللبنانيين والفلسطينيين واليمنيين والعراقيين والسوريين وتساوم على معاناتهم ودمار أوطانهم؛ فجاء الردّ صاعقاً حمل معه أوكسجين الصمود والثبات لرجال المقاومة ولجماهيرها الثكلى والمثخنة بالجراح.
جاء دفق الدم من جديد في شرايين المقاومين ليزيد من صلابة وقوة وتأثير مشروع المقاومة الذي يؤمن به ويحمله حزب الله بعد غياب الجسد لسيد المقاومة وبقاء روحه في نفوس كلّ أبنائه ممن أقسموا العهد على التضحية بالغالي والنفيس والمضيّ بذات الدرب الذي سلكه منذ شبابه وحتى لحظة استشهاده ولطالما ردّدوه “لبيك نصر الله”.
في الحقيقة هذا ما عبَّر عنه الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله في ظهوره الأول، والذي بإطلالته اطمأنت النفوس، وارتفع هدير المقاومة وأزيز رصاصها بعد الرسائل العديدة التي نقلها وكذلك ما جاء مؤخراً على لسان مسؤول الإعلام في حزب الله محمد عفيف من قلب الضاحية الجنوبية.
إنّ تطورات المشهد اللبناني وما شهده من أحداث يضعنا أمام واقع وحقائق جديدة تتمثل في:
أولاً: استمرار جبهة الدعم والإسناد والمشاغلة لغزة، وهذا يعني رفض شروط نتنياهو وإفشال أحد أهمّ أهداف حملته العسكرية المعلنة بفصل جبهة لبنان عن جبهة غزة.
ثانياً: انّ بنية المقاومة بكلّ مفاصلها وهيكليتها التنظيمية مازالت قويةً محصنةً.
ثالثاً: الثقة بقوة وثبات مقاتلي المقاومة لا تتزعزع، وأن عزيمتهم لم ولن تفترَ برغم مما أصابهم من فقدٍ وخسارة.
رابعاً: تعافي حزب الله بكلّ مؤسساته وأجهزته ووحداته العسكرية من أثر الضربة القوية التي أصابته، وأنّ الحزب قادر على ترميم ما أصابه وقدرته على انتخاب أمين عام جديد يخلف سيد المقاومة، ويملأ الشواغر القيادية في مقبل الأيام القليلة. وما كمين مارون الرأس النوعي الذي أزهق 8 من قوات النخبة بينهم 3 ضباط وأوْقع نحو 39 جريحاً معظمهم إصاباتٍ خطيرة، وكذلك قدرة المقاومة على إطلاق ما يزيد على 230 صاروخاً خلال ساعات قليلة لدك حشود وتجمعات العدو ومواقعه على الحدود وفي الجليل الأعلى وصولاً إلى حيفا؛ ما كلّ ذلك إلا برهان على قدرة المقاومة على استعادة المبادرة في الميدان.
خامساً: وحدة ساحات المقاومة ما زالت متراصةً وقوية؛ وهذا ما أثبتته ضربات المقاومة في اليمن والعراق وفلسطين وآخرها وليس أخيرها العملية النوعية البطولية في تل أبيب والتي أسقطت 7 قتلى وعشرات الجرحى معظمهم جراحهم خطرة.
سادساً: ثبات الموقف الإيراني في دعم المقاومة وعدم تخليه عنها وعلى رأسها حزب الله في مواجهة الاحتلال وداعميه. وها هي ضربات إيران الصاروخية الأخيرة تثبت ذلك، وقد شمل الرعب والهلع منها كلّ أنحاء فلسطين المحتلة ناهيك عن الدمار والضحايا الذي أحدثته، والرسائل التي حملتها.
سابعاً: إنّ سياسة الاغتيال التي مارسها نتنياهو وقادة الصهاينة لن تثني المقاومة عن مواقفها في الدفاع عن لبنان وفلسطين، ولن تنجح بفرض الإملاءات التي جاءت بها بعض الأطراف وآخرها ما جاء بها المبعوث الفرنسي. وأنّ نجاح العدو تكتيكياً في بعض المواضع لا يعني أبداً أنه حقق نجاحاً استراتيجياً.
ثامناً: طمأنة الحاضنة الشعبية وجماهير المقاومة بأنّ غطاء الحماية بكلّ أشكالها لن يتأثر بعد هذه الضربة القوية، وأنّ ما بدأه سيد المقاومة سيستمرّ وبشكل أقوى برغم كلّ الضغوط الداخلية أولاً والخارجية ثانياً.
تاسعاً: لا خشية للمقاومة من مواجهة استحقاقات جديدة تتمثل بحربٍ برية تنتظرها المقاومة بفارغ الصبر، خاصةً بعد فشل العدو بتدمير القدرات الصاروخية البعيدة المدى والدقيقة، والقدرات البشرية لوحدات النخبة وغيرها، لتعيد إلى الأذهان صورة هزيمة الكيان في حرب تموز 2006.
عاشراً وأخيراً: الفشل الاستخباري “الإسرائيلي” ومن معه في تحديد وتقييم قدرات المقاومة سواء الصاروخية منها أو البشرية؛ مما أفقد قادة الكيان نشوة “الإنجازات” التي حققوها بالاغتيالات. ودليل ذلك امتلاك المقاومة عنصر المفاجأة والعودة إلى الاشتباك من مسافة صفر ولكن هذه المرة بنسختها اللبنانية في يارون وكفركلا والعديسة وغيرها، وهذا بدوره يعكس جهوزية هذه المقاومة بقدراتها الاستطلاعية والهجومية، وتوظيفها لمختلف أنواع الأسلحة والتكتيكات العسكرية.
في نهاية المطاف، اننا في زمن يستدعي المواجهة المباشرة بكلّ ما أوتيت به المقاومة والقوى الحيَّة من قدرات وخاصةً بعد افتضاح المخطط الصهيوني الخطير ليس ضد الشعب الفلسطيني واللبناني فحسب، بل ضدّ شعوب منطقتنا العربية كافة. إنّ صواريخ الكاتيوشا لم تعد تفي بالغرض، وإنّ الجماهير ما زالت تردّد ما قاله سماحة سيد المقاومة الشهيد “ما بعدَ حيفا… وما بعدَ بعدَ حيفا”. إنّ بُكاؤُهم يُوقفُ بُكاءنا، ودموعَنا لا يُكفكِفُها إلا دُموعُهم.